كيف نريد أن يكون ترمب أكثر فلسطينية من عباس الذي يحمي المستوطنات

كيف نريد أن يكون ترمب أكثر فلسطينية من عباس الذي يحمي المستوطنات

كتب د. عبد الحي زلوم/

الإدارات الأمريكية كلما جاءت واحدة لعنت اختها: قامت الدنيا ثم قعدت حينما أعلن ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. ثم قامت الدنيا مرة أخرى وقعدت عندما نقلت الولايات المتحدة سفارتها الى القدس. ثم قامت الدنيا ‏‏وستقعد‏ بعد اعتراف الولايات المتحدة بأن المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هي مستوطنات شرعية. وجاء مَن قال ان ما أعطاه ترامب للكيان الصهيوني لم يعطِ أحد مثله من قبل ولا من بعد‏.  ‏‏لكن سجل الإدارات الأمريكية منذ نشأة الكيان ايام إدارة الرئيس ترومان وحتى اليوم تُبين عدم دقة هذا الاستنتاج.

‏عندما تم طرد مؤسس اليمين الصهيوني المتطرف فلاديمير جابوتنسكي من فلسطين ايام الانتداب بعد اختلافه مع بن غوريون توجه إلى نيويورك حيث باشر النشاط من هناك. ‏كانت تبرعات يهود الولايات المتحدة اثناء الانتداب البريطاني هي جوهر الاموال التي بنت البُنية التحتية والأساسية لبناء المستعمرات. ‏فمثلا أراضي مدينة نتانيا القريبة من تل أبيب تبرع بثمنها نتان استراوس احد اصحاب متاجر ميسيز الشهيرة في نيو يورك ولذلك تم تسمية المدينة مشتقاً من الاسم الاول لنتان ستراوس.

قام جابوتنسكي بانشاء ‏معسكرات الشبيبة الصهيونيين (بيتار) و قد خرّجت هذه المنظمة كبار صهاينة الولايات المتحدة من كبار المحافظين الجدد الذين حكموا في ادارات امريكية متعددة اكثرها وضوحاً منذ ادارة الرئيس بوش الاب والابن.

‏عندما تبين أن عدد الاصوات على قرار إنشاء دولة يهودية في فلسطين لم يكن كافيا لتمرير القرار لجأت ادارة الرئيس ترومان الى الرشاوى لبعص الاصوات والى التهديد لكسب اصوات اخرى حتى تم انجاح القرار.

‏كان احتلال الضفة الغربية سنة 1967 بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة في إدارة الرئيس جونسون وكانت الجاسوسة الإسرائيلية الفاتنة وصديقة الرئيس جونسون ماتيلدا كْرِمْ تقيمُ في الطابق الثالت من البيت الابيض طيلة حرب 1967. كما تم تعيين احد كبار الصهاينة الأمريكيين ارثر جولد برغ سفيراً للولايات المتحدة لدى الامم المتحدة والذي اشرف على صياغة القرار 242 وقام بتحريف ترجمة النص الفرنسي المعتمد الذي طالب (بالانسحاب من الاراضي المحتلة) الى النص بالانجليزي (الانسحاب من اراضي محتلة).

‏في عهد الرئيس نيكسون وأثناء حرب أكتوبر 1973 كانت الطائرات الامريكية العملاقة تحمل الدبابات مباشرةً الى داخل أراضي المعركة في الأراضي المصرية.

منذ عام 1972 استخدمت واشنطن صلاحيتها في حق النقض (الفيتو) أكثر من سبعين مرة لإفشال قرارات لمجلس الأمن، حظيت العديد منها بالموافقة الاجماعية ، ضد ممارسات الكيان المحتل من غزو وعدوان وانتهاك لحقوق الإنسان. كما أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي العدواني وغير المشروع في الأراضي المحتلة، يتلقى ما بين 3 – 4 مليارات دولار سنويا من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.

كان مجموع مساعدات الولايات المتحدة الرسمية من الحكومة (غير تبرعات اليهود المعفاة من الضرائب) بحدود 200 مليار دولار. حتى ادارة ‏الرئيس اوباما الذي كان يختلف مع نتنياهو اقرّ برامج مساعدات امريكية للسنوات العشر القادمة ب40 مليار دولار!   والقائمة تطول.

اختصر القول بسؤلين أولهما: ألم يتم بناء أكثر من 500 مستوطنة‏ واستعمارها بأكثر من 670,000 مستوطن في الضفة الغربية من قبل الادارات الامريكية منذ 1967 وحتى يومنا هذا فهل الذي فعله تراب اكثر مما فعله غيره؟ثم ألم يتم بناء اكثر المستوطنات بعد اتفاقية اوسلو ، وحمايتها ب 40000 رجال امن سلطة اوسلو ؟ فهل كانت سلطة اوسلو تحرس مستوطنات (غير شرعية ) ؟

والسؤال الثاني: لماذا على ترامب أن يحترم الحقوق الفلسطينية في الوقت الذي اغتصب حق تمثيل الفلسطينين في رام الله يصرحُ هذه الايام بأنه طلب الالتقاء بنتنياهو بأكثر من 20 مرة ورفض نتنياهو طلبه في كل مرة ، مع انه قد جند 40 الف رجل أمن لحماية المستوطنين والمستوطنات  فهل كان رئيس سلطة اوسلو يحمي مستوطنات غير شرعية ؟ ولماذا كان يفعل ذلك ؟ وعلى ماذا يريد مقابلته بعدما جعل القدس عاصمة له وأعلن أنه سيضم غور الاردن وشمال البحر الميت اليوم أو غدا ؟ لم يبقى سوى أن يفاوضه على السماح له بالاحتفاظ بكرت الVIP او اعطاءه شهادة نهاية الخدمة،  فلا شيء بقي للتفاوض عليه.

***

امريكا دولة مارقة من كولومبوس وحتى ترامب، واسرائيل هي امريكا الصغرى:

تساءل ديلون Bill Dillon في دراسته المعنونة: “هل الولايات المتحدة دولة مارقة” بالقول: “هناك استخدامات لتعبير الدولة المارقة … الأول دِعائي لإدانة تصرف الدول التي لا نحبها ، والآخر تعريف حرفي واقعي ينسحب على الدول التي اختارت عدم اعتبار نفسها ملزمة بالأعراف الدولية ، هذه الأعراف التي يحددها جزئيا ميثاق الأمم المتحدة وقرارات محكمة العدل الدولية ، والمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات العديدة . ومن منطلق الاستخدام الثاني ، يتضح أن أمريكا اختارت أن تكون دولة مارقة.”

وكما يقولون بالامثلة الدارجة “العرق دساس” أو كما يقولون في علم الادارة “ثقافة النظام ” (ORGANIZATIONAL CULTURE)  فمنذ بداية وصول الاوروبيين  الى امريكا اي منذ عهد كولومبوس كان الزج ما بين العبودية والاستغلال والعنف وتبرير كل ذلك بالدين من ميزة النظام الامريكي حتى يومنا هذا .

وعد كولومبوس الملك والملكة أن يحضر لهم من الأراضي المكتشفة كل ما يرغبون به من الذهب وما يحتاجونه من العبيد. وأضاف كولومبوس” وهكذا فإن الله في ، ربنا ، كتب النصر لمن يتبع صراطه …” وهكذا أطلق كولومبوس أول تجارة للعبيد باسم الدين والحضارة الغربية ، علاه لأمر الذي أكده كولومبوس عندما كتب يقول “لنبدأ باسم الثالوث المقدس بإرسال كل ما يمكننا بيعه من عبيد” .

كتب المؤرخ صامويل موريسون Samuel Eliot Morison ، الأستاذ في جامعة هارفارد يقول : ” أدت السياسة القاسية التي أطلقها كولومبوس ، وأكملها خلفاؤه من بعده ، إلى ابادة كاملة للشعب بأسره “. أما المؤرخ هوارد زين Howard Zinn فكتب يقول : “عندما نقرأ كتب التاريخ التي تدرس للأطفال في المدارس الأمريكية ، نجد إنها جميعاُ تبدأ بسرد قصص البطولة بدون أي ذكر لحمامات الدم التي رافقت مسيرة استكشاف الأرض الجديدة.”

طبقاً لشهادة دين راسك Dean Rusk ، وزير الخارجية في عهد الرئيس جون . اف . كيندي ، أمام لجنة من الكونغرس ، فقد وصلت حالات التدخل والحروب التي أقدمت عليها الإدارات الأمريكية في شؤون الدول الأخرى 103 حالات خلال الفترة من 1798 – 1895.

من مثل هذه التدخلات الحرب الامريكية الاسبانية سنة 1898 حيث ادعت أن اسبانيا قد فجرت المدمرة MAINE ، وتبين لاحقاً كذب هذا الادعاء ، فاحتلت الولايات المتحدة الممتلكات الاسبانية بما فيها الفلبين. لبيان ان ترامب لم يكن أول من استغل الدين في السياسة بل وقرر تغيير شرعية الاحتلال. لذلك دعني أبين كيف ضمّ الرئيس مكنللي الفلبين لتصبح ارضاً امريكية.

قال الرئيس مكنللي أمام مجموعة من زوار البيت الأبيض بهذا الشأن: ” أود أن اقول لكم شيئاً حول موضوع الفلبين، فالحقيقة أنني لم أكن أريد الجزر الفلبينية ، وعندما هبطت علينا هدية من السماء ، لم أكن أدري ما أفعل بها … حاولت الحصول على مشورة الديمقراطيين والجمهوريين ولم أخرج بفائدة تذكر . فكرت في البداية بالاكتفاء بالعاصمة مانيلا Manila ثم لوزون Luzon ، وبعد ذلك قلت في نفسي لم لا نسيطر على باقي الجزر! شغلني هذا الموضوع معظم الليالي ، ولا يراودني أي شعور بالخجل … إذا قلت لكم أيها السادة بأنني كنت أركع على ركبتي وأصلي لله العظيم طالباً منه الرشد ، وفعلت ذلك في أكثر من ليلة ، وفي إحدى الليالي جاءني الإلهام… من أين ، لا أدري ولكن هذا ما ألهمني به الله…استدعيت في اليوم التالي  رئيس دائرة الجغرافيا وقلت له غير الخرائط لتصبح الفلبين من الممتلكات الأمريكية.” وهكذا بقيت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية!

***

قصارى القول:

في خطاب للرئيس ريغان حول الدور الأمريكي في سلام الشرق الأوسط، عندما قال : “سيكون من الصعب شرح رسالة أمريكا ، وبأننا شعب يؤمن بأرض الميعاد ، شعب يؤمن بأن الله اختاره ليخلق عالماً أعظم”.

يختصر هذا القول السياسة الخارجية الامريكية بكل وضوح وبدون مواربة .

تتطابق الدولتان المارقتان في نشأتهما فكلاهما قام على ارض مغتصبة ، وكلاهما قتل وشرد اصحابها ، وكلاهما يستعملان الدين في أقذر ما حرمته كل الاديان ، وكلاهما يقوم على التوسع والعنصرية . في حين تتدعي الولايات المتحدة انها دولة علمانية لكن سياساتها الخارجية التوسعية العدوانية تُغلف دوما باسم الدين فهل هي دول ثيوقراطية ؟ ولما لا يُسمح لايران بأن تكون دولة تسير حسب معتقداتها الاسلامية ؟ كذلك فالكيان الصهيوني في فلسطين هو نظام عنصري توسعي سيعلم الزاحفون على بطونهم للتطبيع اي منقلب سينقلبون.

الملخص المفيد:

ما دام النظام الرسمي العربي في حالة انعدام الوزن والتبعية العمياء ، وفقدان الكرامة بالرغم من مقدراته الهائلة التي تستطيع أن تقوده لو تم حُسن استغلالها بأن يفرض احترامه وحقوقه في  كل ارجاء الارض . ما دام  الحال كذلك وما دمنا نعيش تحت نفس الافتراضات والمقدمات فالمخرجات كما هي اليوم لن تتغير، لكن تلك الافتراضات والمقدمات لن تدوم . . كل القرارات الاخيرة وسابقاتها ستصبح حبراً على ورق متى تغيرت موازيين القوى وهذه القرارات على ارض محتلة لا تُغير من الواقع شيئاً . فالاراضي محتلة  منذ خمسين سنة ولا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها.

 

إغلاق