إصلاح القضاء والمجلس الانتقالي

إصلاح القضاء والمجلس الانتقالي

كتب: عزت الراميني

قاضي سابق في المحكمة العليا

 

رغم تجاوز القرار بقانون الذي شكل مجلس القضاء الاعلى الانتقالي المباديء الدستورية التي يقوم عليها النظام الدستوري في فلسطين كمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، الا ان مؤيدي هذا القرار بقانون -ورغم انه لا يمكن للاصلاح ان يولد من رحم المخالفات الدستورية- صرحوا باكثر من مناسبة ان هذه المخالفات انما تهدف لغاية نبيلة تتمثل في اصلاح القضاء بعد ان بات عمل السلطة القضائية محل تذمر الناس خاصة فيما يتعلق بأداء محكمة العدل العليا والحقوق والحريات العامة، فقد عبرت مؤسسات المجتمع المدني في اكثر من مناسبة ان القضاء الفلسطيني لا يقوم بدوره في حماية الحقوق والحريات العامة ولا يفرض رقابته على طلبات تمديد التوقيف واخلاءات السبيل، وان احكام محكمة العدل العليا كانت في جلها لصالح الدولة على حساب الافراد.

 

بتاريخ ٧/١٢/٢٠١٥ اصدرت محكمة العدل العليا الفلسطينية قرارا تاريخيا بالغاء تعيين رئيس المحكمة العليا المعين بقرار من السيد الرئيس دون تنسيب من مجلس القضاء الاعلى باعتبار ان تخلف التنسيب يبطل القرار او يجعل منه منعدما.

 

اما رئيس مجلس القضاء الاعلى الانتقالي فقد كان سابقا رئيسا لمجلس القضاء الاعلى وانهى مهامه في نهاية العام ٢٠٠٩ ثم بعد ذلك ترأس مجلس ادارة مؤسسة اهلية حديثة الولادة تعنى باستقلال القضاء وفقا لنظامها الداخلي اضافة الى انه قد تم تعيينه كأحد مفوضي الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، وكان قد حاول بشتى الوسائل ابان ولايته الاولى التمديد لنفسه مدة عام اضافي، ولو خلافا للمباديء الدستورية والقانونية ونصوص القانون قاطعة الدلالة.

 

بعد ان تم تعيين رئيس المحكمة العليا الذي قررت محكمة  العدل العليا بطلان تعيينه بوظيفة مستشار قانوني للسيد الرئيس، وبتوافق بينه وبين الهيئة المستقلة لحقوق الانسان التي يشغل رئيس الانتقالي منصب احد مفوضيها اضافة الى المؤسسة التي كان يرأس مجلس ادارتها تم عقد مؤتمر يهدف وفقا لعنوانه الى اصلاح القضاء رغم ان جمعية نادي القضاة كانت قد عقدت عددا من ورشات العمل الهادفة لاصلاح القضاء وكان من المخطط له ان تنتهي هذه الورشات بمؤتمر عام يحضره جميع الاطراف من قضاة ومحامين واكاديمين ومجتمع مدني يخرج بتوصيات لاصلاح وتطوير القضاء الفلسطيني، فتم تجاوز هذه الجهود والاسراع بتنظيم مؤتمر آخر من المؤسسات سابقة الذكر بسرعة لافتة انبأت ان هناك مكيدة تحاك ضد القضاء تهدف الى تصفية الحسابات بغية الاطاحة بهيئة المحكمة التي قررت بطلان تعيين المستشار القانوني وجميع القضاة الذين كانوا على خلافات معه من خلال العودة برئيس الانتقالي الحالي ليقوم بهذه المهمة، ولتحقق المؤسسات السابق ذكرها مصالح لها داخل القضاء من خلال الحصول على حظوة داخل القضاء وما يستجلبه ذلك من دعم المانحين والموولين، وهو ما جرى فعلا ومباشرة بعد قيام المجلس الانتقالي بمهامه، اذ لوحظ اضافة الى ما سبق ان وظيفة مدراء تلك المؤسسات أصبحت تتمثل بتبرير تجاوزات رئيس المجلس الانتقالي وتنكبه للقانون وحقوق الافراد ومحاولة تجميلها وتلميعها خلافا لمواقفهم السابقة التي كانت في مواجهة مجالس القضاء الاعلى السابقة.

 

رغم ذلك كله، ورغم ان مدة المجالس الانتقالية هي في احسن احوالها ثلاثة اشهر، الا ان هذا المجلس الانتقالي جُعلت مدته عاما كاملا قابلا للتمديد الى ستة اشهر اضافية،  بما يعني ودون تفكير مطول ان الهدف ليس اصلاح القضاء وانما ادارة القضاء وممارسة السلطة والتعاطي مع شهوتها المعروفة لدى رئيس المجلس الانتقالي من جهة  اضافة الى تصفية الحسابات من جهة اخرى، فقد اقتصر عمل الانتقالي على ادارة القضاء كأي مجلس عادي مع احالة بعض القضاة الى التقاعد القسري بهدف تصفية الحسابات ووفاء بعهود رئيس الانتقالي التي قطعها على نفسه ثمنا لتعيينه واستخدم فيها كأداة مقابل عودته رئيسا لمجلس القضاء ولو خلافا للدستور والقانون، اضافة الى اجراء بعض التعيينات القضائية، وكأن الاشكالية التي كان يعاني منها القضاء هي اشكالية بنيوية فقط.

 

ان عمل المجلس الانتقالي كان من المفترض ان يرتكز على الاسباب المدعاة التي تطلبها الاصلاح واهمها استقلال القضاء وعدم تبعيته للسلطة التنفيذية وملف الحقوق والحريات العامة والقضاء الاداري، وربما اصبح معروفا للجميع ان شيئا لم يتغير في هذه المسائل، فما زال القضاء تابعا للسلطة التنفيذية من خلال رئيس الانتقالي الذي يفعل كل ما تأمره به السلطة التنفيذية ، وقضاء العدل العليا في مرحلة الانتقالي يعمل على قمع الحقوق والحريات والغاء الاضرابات والنقابات المهنية وجل احكامه لصالح الدولة، وما زالت طلبات تمديد التوقيف تجاب دون ان يطلع القضاة على الملفات التحقيقية وبقضايا سياسية يتم الباسها ثوب القضايا الجنائية وما زال التعذيب يمارس داخل مراكز التوقيف دون ان يحرك القضاء ساكنا، ولم يتغير اي شيء الا الى الاسوء.

 

اذا كان هدف المجلس الانتقالي الاصلاح فإن جائحة كورنا هي فرصة لن تعوض له، ليتسنى له التفكير بآليات الاصلاح من خلال عقد الورشات واستحضار الخبراء بغية تغيير ثقافة القضاة باتجاه حماية الحقوق والحريات وتعزيز مفهوم الاستقلال الشخصي لدى القضاة، وهي برامج لم يعمل عليها الانتقالي سواء قبل الجائحة او اثنائها ولن يعمل عليها بعد هذه الجائحة، لان الهدف المعلن يختلف عن الحقيقة المتمثلة بتصفية الحسابات وادارة القضاء ادارة عادية لممارسة السلطة والنفوذ وسد جميل الشركاء الذين ساعدوا رئيس الانتقالي للوصول الى هذا المنصب.

إغلاق