الممثل على الشعب الفلسطيني

الممثل على الشعب الفلسطيني

رام الله/

بعد 56 عاما على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، آلت المنظمة من كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني إلى الممثل على الشعب الفلسطيني، وانتهت لتكون صفر كبير يثقل كاهل الشعب إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي.

 

منظمة التحرير التي انطلقت من القدس، وأعلنت نفسها البيت المعوني للشعب الفلسطيني وحاملة علم فلسطين في المحافل الدولية، خرجت سريعا عن مسارها لتصبح اسم هلامي فارغ المضمون يطويها محمود عباس ويضمها في جيبه الصغير.

 

ورغم اعتراف جميع الأطراف بواقع المنظمة الكارثي، إلا أن عباس نجح بإصرار في إبقاء المنظمة تحت قبضته فارغة المضمون، وعبارة عن عنوان لجمع المعلومات باسم الشعب الفلسطيني، قبل أن تدخل الثقب الأسود "الصندوق القومي" وتصبح سراب.

 

وفي شهر يناير من العام الماضي 2019، نشرت وسائل إعلام دولية نتائج دراسة عن الفساد في منظمة التحرير، قدرت الأموال المسلوبة بنحو 32 مليار دولار.

 

مقدمة:

تسعى هذه الدراسة إلى تبيُّن مواضع الفساد المستشري في دوائر ومؤسسات كل من السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، متضمنة بعض نماذج من الفساد على مختلف أنواعه وكيفية استغلال المال العام في سبيل الإثراء غير المشروع. فحسب مؤسسة “ترانس بيرنسي انترناشيونال” المقيمة في برلين والتي تقوم بتحليل مستويات الفساد حسب درجة استغلال الوظائف العامة للمنفعة الشخصية، أتت السلطة الوطنية الفلسطينية في المرتبة 107 في قائمة الدول الفاسدة [1]، وفي المرتبة الثانية عربياً بعد العراق التي حصلت على المرتبة 137 عالمياً [2].

 

منظمة التحرير الفلسطينية

شكلت منظمة التحرير الفلسطينية هيكلاً جامعاً لفصائل المقاومة الفلسطينية، ولكن بعد اتفاق أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية، وتهميش منظمة التحرير، وظهور تنظيمات فلسطينية ذات وزن سياسي وعسكري وجماهيري قوي، وانتشار الفساد المالي والإداري في مؤسساتها وبين رموزها، بعد ذلك كله تكاثرت الدعوات إلى إصلاح منظمة التحرير. وهنا نحاول أن نحصر الفساد في منظمة التحرير الفلسطينية بالرغم من صعوبة المهمة، ولا بد من التنبيه إلى انه لا يوجد بيانات رسمية عن أموال المنظمة وكيفية صرفها.

 

المؤسسات المالية في منظمة التحرير:

 

1. الصندوق القومي الفلسطيني:

 

تأسس مع منظمة التحرير الفلسطينية، في عام 1964، ويتكون من مجلس إدارة، مدته ثلاث سنوات، قابلة للتجديد بموافقة اللجنة التنفيذية للمنظمة، ولا يجوز أن يقل عدد أعضاء الصندوق عن خمسة عشر عضواً، ولا يزيد عن عشرين [3].

 

أما موارد الصندوق المالية تأتي على الشكل التالي:[4]

 

أ. ضريبة ثابتة على الفلسطينيين تفرض وتجبي بنظام خاص.

 

ب. المساعدات المالية التي تقدمها الحكومات والأمة العربية.

 

ج. طابع التحرير الذي تنشئه الدول العربية لاستعمالها في المعاملات البريدية وغيرها.

 

د. التبرعات والهبات.

 

هـ. القروض والمساعدات العربية أو التي تقدمها الشعوب الصديقة.

 

و. أية موارد أخرى يقرها المجلس الوطني.

 

2. البنك الوطني الفلسطيني:

 

3. تأسس، في 2 حزيران/يونيو 1964، لتمويل أنشطة “م.ت.ف”، وأول من رأس إدارة البنك، هو عبد المجيد شومان، في عهد أحمد الشقيري. تم استخدام هذا البنك، في المعاملات المالية للمنظمة، ولوحظ عدم الإشارة إليه في دورات المجلس الوطني الفلسطيني، ولم يرد أي ذكر لميزانية هذا البنك، أو أنه تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية [5].

 

أموال منظمة التحرير

أقرت القمة العربية السابعة في الرباط (26-29 تشرين الأول/ أكتوبر 1974)، دعم المنظمة بخمسين مليون دولار، تدفعها الدول المنتجة للبترول.

 

وفي مؤتمر القمة العربية التاسعة في بغداد 2-5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1978، أخذت الدول العربية قراراً، بدعم “م.ت.ف”، بمبلغ 300 مليون دولار سنوياً، لمدة عشر سنوات تالية، ابتداءً من مطلع عام 1979، على أن تقوم كل دولة بدفع التزاماتها، على ثلاثة أقساط سنوية متساوية. ويوضح الجدول رقم 1 الالتزامات المقررة لكل دولة على حدة.

 

جدول رقم (1) المساعدات العربية المقرر دفعها للمنظمة [6]

 

الدولة

المبلغ بالمليون دولار أميركي

الإمارات

34،3

 

الجزائر

 

21،4

العراق

44،6

السعودية

58،7

قطر

19،8

الكويت

47،1

ليبيا

47،1

 

المبلغ الإجمالي

 

300

 

• المصدر: المجلس الوطني الفلسطيني، الدورة 17، من 22-29 تشرين الثاني، 1984، “م.ت.ف”، عمان، 1984، ص 73.

 

يلاحظ من الجدول رقم (1)، ارتفاع نسبة إسهام السعودية حيث بلغت حوالي 28.5%، من إجمالي المبلغ، يليها الكويت، وليبيا، ويرجع هذا الارتفاع، حينذاك إلى أن هذه الدول كانت أعلى نسبة تصدير للبترول، حيث أن إنتاجها للبترول يفوق الدول الأخرى.

 

جاء في التقرير المالي، للدورة الخامسة عشر للمجلس الوطني أن إجمالي المبلغ الذي التزمت به الدول العربية الموضحة بالجدول رقم (1)، 250 مليون دولار أميركي، وهذا تضارب في الأرقام لنفس المصدر، لمبلغين مختلفين. كما وسددت بعض الدول الالتزامات التي عليها، وتأخر الباقي، وتوقفت العراق عن التزاماتها المترتبة عليها، منذ عام 1981، وقامت الجزائر بتسديد مبلغ 20 مليون دولار، ثمن شراء أسلحة ومعدات للمنظمة[7].

 

نستطيع متابعة إجمالي إيرادات ونفقات الصندوق القومي الفلسطيني، خلال فترة زمنية معينة، من خلال الجدول رقم (2)، الذي يوضح لنا حجم لإيرادات، التي تلقتها المنظمة خلال الفترة المذكورة، ومن الملاحظ خلال الفترة المتوفرة فيها قيمة الإيرادات والنفقات معاً (1972- 1987) أن النفقات لم تتجاوز قيمة الإيرادات؛ ففي السنة المالية 1972/1973 بلغت قيمة الإيرادات نحو 10 مليون دولار، أما النفقات فقد بلغت نحو 6 مليون، كما إن قيمة الإيرادات لسنة 1979/1980 بلغت نحو 254 مليون دولار، بينما لم تتجاوز النفقات 113 مليون دولار، أي ما يقارب 45% من مجموع الإيرادات.

 

جدول رقم (2) إجمالي الإيرادات والنفقات للصندوق القومي الفلسطيني خلال الفترة (1972-1990) [8]

 

السنة المالية / الإيرادات [9]، العملة/ النفقات العملة

72/1973 10،455،000 دولار أميركي 6،200،000 دولار أميركي

 

73/1974 9،517،000 دولار أميركي 6،526،000 دولار أميركي

 

74/1975 14،360،000 دولار أميركي 13،570،000 دولار أميركي

 

75/1976* 17،635،000 دولار أميركي 14،439،000 دولار أميركي

 

76/1977 25،637،000 دولار أميركي 12،711،000 دولار أميركي

 

77/1978** 40،698،000 دولار أميركي 14،471،000 دولار أميركي

 

78/1979 91،912،000 دولار أميركي 37،028،000 دولار أميركي

 

79/1980 253،899،000 دولار أميركي 112،994،000 دولار أميركي

 

1/12/84- 3/6/85 123،469،000 دولار أميركي 26،700،000 دولار أميركي

 

85/1986 190.000.000 دولار أميركي 179،700،000 دولار أميركي

 

1/7/86ـ31/3/87 149،230،000 دولار أميركي 144،486،000 دولار أميركي

 

تموز/87-حزيران 88 – – 213،000،000 دولار أميركي

 

تموز 88 ـ حزيران 89 – – 277،000،000 دولار أميركي

 

آب 89 ـ حزيران 90 – – 307،000،000 دولار أميركي

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الإيرادات ليست الوحيدة التي حصلت عليها المنظمة، بل هي جزء من مجموعة مصادر تم الإشارة إليها سابقاً. على سبيل المثال يقدر بعض الباحثين قيمة الضريبة المقتطعة من رواتب الموظفين الفلسطينيين حتى عام 1990 بنحو 14 مليار دولار [10]، وفي لقاء مع شبكة CBS الأميركية قبل أعوام ذكر المدير السابق لبنك فلسطين الدولي عصام أبو عيسى أن حجم المبالغ التي تمتلكها القيادة الفلسطينية يصل إلى 30 مليار دولار في حسابات خارجية و2 مليار دولار في حسابات داخلية [11] .

 

أين ذهبت أموال المنظمة؟؟؟؟

استمرت منظمة التحرير الفلسطينية بالعمل على إدارة شؤون الشعب الفلسطيني حتى توقيع اتفاقيات أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، وبعد ذلك هُمشت منظمة التحرير بمؤسساتها المالية والسياسية. وأصبحت المساعدات المالية تذهب إلى السلطة الفلسطينية، ولكن السؤال المطروح أين هي أموال المنظمة وأين هي استثمارات المنظمة وأملاكها؟؟؟

 

بعد وفاة ياسر عرفات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 كثُر الحديث عن مصير أموال المنظمة، ففي تاريخ 15 آب/ أغسطس 2003 نشرت “القدس العربي” تقريراً يفيد بأن محمد رشيد (خالد سلام) المستشار المالي لياسر عرفات وحامل مفاتيح أرصدة عرفات السرية قد قطع علاقته بالكامل مع ياسر عرفات. كما نشرت جريدة “القدس” صورة عن وثيقة سرية بخط محمد رشيد موجهة إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، يتحدث فيها رشيد عن الاستثمارات والإرباح التي حققتها إحدى الشركات، وبلغت قيمة الحافظة المالية لهذه الشركة حسب التقرير حوالي 313 مليون دولار. كما أشار تقرير جريدة “القدس العربي” نفسه إلى أن حجم الاستثمارات التي بحوزة محمد رشيد حوالي مليارا دولار.

 

وهنا بجدر الإشارة إلى أن هذه الوثيقة التي أوردتها جريدة “القدس العربي” مؤرخة بـ 27 حزيران/ يونيو 1997، أي بعد ثلاث سنوات من دخول عرفات إلى أراضي السلطة الفلسطينية. كما ذكرت “القدس العربي” أن محمد رشيد العراقي الأصل والذي انضم إلى صفوف الثورة وهو في مقتبل العمر، قد قطع علاقاته بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورفض استقبال السفير الفلسطيني الذي يحمل رسالة له من أبي عمار يطلب منه إعادة الأموال [12]. وتذكر الرأي العام الكويتية أن محمد رشيد قال أن عرفات عرض عليه نسبة 10 في المئة من أرباح شركة الخدمات التجارية الفلسطينية، إلا انه رفض قبول هذا العرض [13].

 

أما بالنسبة لحجم ثروة ياسر عرفات نفسه، فمن الصعب تحديدها، كما يكاد يكون من المستحيل إثباتها من الناحية القانونية. وتختلط في الموضوع المبالغات والحقائق والمكايدات السياسية وحملات التشويه الشخصي. وتتداول بعض الصحف بعض الأرقام التي تحتاج إلى مزيد من التحري والتدقيق. فقد نشرت صحيفة “فوربس” الأميركية ترتيباً يضع عرفات في المرتبة التاسعة بين حكام الدول الأكثر ثراء في العالم، وقدرت ثروته الشخصية بمائتي مليون دولار [14]. أما جويد الغصين (رئيس الصندوق القومي الفلسطيني سابقاً) فقط صرح للأسوشيتد برس أن ثروة عرفات كانت تقدر بين 3-5 مليار دولار [15]. مع ملاحظة وجود خصام شخصي بين عرفات والغصين، عندما أدلى الغصين بتصريحاته.

 

وذكر الغصين في التصريح نفسه أن الرئيس العراقي (…) صدام حسين كان قد منح الصندوق القومي الفلسطيني 150 مليون دولار، وذلك بعد وقوف المنظمة إلى جانب صدام حسين في غزو الكويت، وأكد الغصين أ ات من الاحتكارات في السلطة الفلسطينية في العام 2000 بـ 300 مليون دولار سنوياً [23]. والضرر الذي يلحق بالاقتصاد الفلسطيني الناتج عن ذلك يتجاوز بكثير الخسائر في العائدات، لأنه يمنع المنافسة ويتسبب في ارتفاع الأسعار التي يتم تقاضيها من منتجات قليلة. وإذا اقترن ذلك بحقيقة أن الاحتكارات تطال “البضائع الأساسية مثل القمح، والإسمنت، والنفط، والخشب، والسجائر، والسيارات. ونموذجاً عن مدى خسارة الاقتصاد الفلسطيني جراء الاحتكار التي مارسته السلطة الوطنية الفلسطينية في بعض السلع الأساسية، عبر هيئات وشركات حكومية. ففي مجال النفط فقط؛ بلغت العائدات الضريبية من المحروقات بعد شهر واحد من سيطرة وزارة المالية الفلسطينية [24] على هذا القطاع، 67 مليون شيكل (نحو 14.8مليون دولار) خلال شهر تموز/يوليو2003 مقارنة بـ37 مليون شيكل (نحو 8.2 مليون دولار) خلال شهر مايو من نفس العام [25].

 

استثمارات السلطة الوطنية الفلسطينية

شكلت شركة الخدمات التجارية الفلسطينية الذراع الاقتصادية للسلطة الفلسطينية. لكنها وبالرغم من ذلك لم تخضع لإشراف المجلس التشريعي أو وزارة المالية. أدار محمد رشيد، المستشار الاقتصادي لعرفات آنذاك، هذه الشركة، وقد تحكمت الشركة بغالبية النشاطات الاقتصادية في أراضي السلطة الفلسطينية. فالشركة تملك “حصصاً كبيرة في شركة تعبئة المياه الغازية كوكا كولا في رام الله، وعدد كبير من الاستثمارات في قطاعات أخرى، إضافة إلى ملكيتها الكاملة لمصنع الإسمنت الذي طالما تمتع باحتكار تحميه السلطة. وظلت شركة الخدمات التجارية الفلسطينية تملك أكبر حصة في كازينو أريحا، وهي تقدّر بـ 60 مليون دولار. كما أنها تملك حصة مقدارها 8% في شركة الاتصالات الفلسطينية، ولديها أيضاً استثمارات في شركة التنمية والاستثمارات الفلسطينية [26].

 

وقد قام المركز الفلسطيني للإعلام بإعداد تقرير حول النشاطات التجارية للسلطة الفلسطينية مشيراً إلى تقرير أعده فريق من الخبراء الأجانب (شركة ستاندرد أند بوز) الأميركية لصالح صندوق الاستثمار الفلسطيني، يحتوي على قائمة مفصلة لكل الموجودات والنشاطات التجارية والاستثمارية المباشرة وغير المباشرة والتي تدار بشكل كلي أو جزئي من قبل السلطة، وقسمت على 79 استثمارا تجاريا وحساباتها البنكية. فالسلطة الفلسطينية استثمرت في العديد من الشركات العربية على سبيل المثال لا الحصر امتلكت السلطة في شركة اوراسكوم تونس 20% من الأسهم، كما امتلكت نحو 24% من أسهم اوراسكوم الجزائر. (للمزيد من الاطلاع أنظر البيانات الحسابية لصندوق الاستثمار الفلسطيني في الملحق المرفق بهذا البحث [27].

 

حجم الفساد المالي

شهدت السلطة الفلسطينية منذ بدايتها الكثير من البذخ وتفشي ظاهرة الاحتكارات الاقتصادية والشركات المملوكة للحكومة. فقد صدر عن هيئة الرقابة العامة تقريراً أكد اختفاء أموال ضخمة بلغت حينها ما يقارب 315 مليون دولار[28]. وفي الخامس من شباط/ فبراير العام 2006 كشف النائب العام احمد المغني أن عدد ملفات الفساد المالي التي وصلت إلى النيابة العامة تزيد عن 50 قضية”، وان أكثر من 700 مليون دولار أهدرت في قضايا فساد خطير [29]. ولكن لا نستطيع أن نُعد هذا المبلغ هو حجم الفساد الحقيقي، إذ أن النائب العام نفسه توقع أن يكون هناك المليارات من الدولارات قد اختلست. وشملت القضايا التي أعلن المغني التحقيق فيها، الاختلاس وإساءة الائتمان والنصب والاحتيال والتزوير في أوراق رسمية لأشخاص ذوي مكانة مرموقة.

 

نماذج من الفساد

1- قضايا فساد كبرى

 

ذكر رشاد أبو شاور وهو كاتب معروف وممن كانوا في تونس، أنه ذهل من إجابات احد المسئولين الفتحاوين عند سؤاله عن مصير الأموال التي كانت مع احد مقربي عرفات، “علمت أنه تمّ استرجاع أربعمائة مليون.. ويضيف: ربّما بقي معه شويّة.. المهم (أننا) استرجعنا منه أغلب المبلغ ! شويّة قدّيش يعني ؟ ! ممكن مِيّة، مئتين” وهذا المسئول يعني مائة، مئتين مليون دولار [30].

 

وفي حديث لسلام فياض وزير المالية السابق قال فيه أن مداخيل الخزينة في السلطة الفلسطينية قد ارتفعت بمقدار 30 مليون دولار في الشهر خلال عام 2004 نتيجة مكافحة الفساد، أي بمعدل 360 مليون دولار سنويا[31].

 

وبعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في بداية العام الحالي كثر الحديث عن الفساد ومحاسبة المفسدين، وكنا قد اشرنا إلى إحالة عدد من قضايا الفساد إلى النائب العام. وسرعان ما بدأت الأموال تهرب إلى الخارج خوفاً من تجميدها في البنوك الفلسطينية. ففي 3 شباط/ فبراير 2006 ألقت أجهزة الأمن الفلسطينية القبض على مدير عام وزارة المالية سامي رملاوي، بينما كان يحاول مغادرة الأراضي الفلسطينية إلى الخارج عبر جسر الملك حسين في غور الأردن وبحوزته حقيبة دبلوماسية وبداخلها 100 مليون دولار [32].

 

أما مدير عام هيئة البترول حربي الصرصور، فقد اعتقل بتهمة اختلاس أموال وشراء عقارات بمسميات عدة، واختلاس أموال تقدر بمئات الملايين من الدولارات [33].

 

أ- مصنع ا ن 100 مليون دولار لم تدرج في حسابات الصندوق. وأشار الغصين أن أعلى رقم وصلت إليه قيمة المبالغ في الصندوق القومي الفلسطيني أثناء رئاسته للصندوق بلغ نحو 500 مليون دولار [16]. ويشار إلى أن جويد الغصين نفسه متهم بعدم تسديد أموال كان قد اقترضها من الصندوق القومي الفلسطيني تقدر بحوالي 6.5 مليون دولار [17].

 

ونشرت “الرأي العام” الكويتية في تاريخ 24 كانون الأول/ ديسمبر 2004 تقريراً حول شبكة استثمارات عرفات العالمية، وذكر في التقرير أن قيمة استثمارات عرفات في جميع أنحاء العالم نحو 799 مليون دولار موزعة على شركات اتصالات وبرمجة وغيرها من الشركات العالمية والإقليمية والمحلية من أمثال سترايك هولدينغنز، وشركة الاتصالات المحلية في الجزائر، وشركة سمبلكستي للبرمجة [18].

 

وخلال إحدى اجتماعات اللجنة المركزية لحركة “فتح” تم تشكيل لجنة للتحقيق بقضية قيام سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني باختلاس نحو 2 مليون دولار. ولكن الزعنون وفي مقابلة مع جريدة “البيان” الإماراتية ذكر انه التقى الرئيس ياسر عرفات وقال له انه باع أراضٍ في الكويت بنحو 2.25 مليون دولار، وهي مودعة باسم كل من سليم الزعنون وعبد الرؤوف العلمي. مبرراً ذلك بخوفه من مصادرتها بعد غزو الكويت. وأضاف أنه قال لياسر عرفات “يا سيادة الرئيس أين أحول لك هذه الأموال التي لم تمس بعد أن كتبت إحدى الصحف أنكم شكلتم لجنة تحقيق فقال لي (..) إن كل ما تم هو “دردشة” حصلت في اللجنة المركزية “ونريد أن نحصي ما لدينا لأنه احنا في عسرة (…) وأضاف [عرفات] “أنت اسمك عثمان بن عفان والفلوس تبقى عندك وليس هناك شيء جديد” [19].

 

وبحسب رشاد أبو شاور، فإن الأزمة المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل اتفاق أوسلو لم تكن أزمة حقيقية عندما عانى موظفوها ومقاتلوها من عدم قبض رواتبهم بحجة أن المنظمة أفلست. إذ انكشفت الحقائق بعد الاتفاق، وتم كلّيف رجل من أصل عراقي بنقل حوالي أربعمائة مليون دولار إلى البنوك الإسرائيلية في تل أبيب عربون ثقة، ولتسبق الأموال عودة القيادة الفلسطينية [20].

 

الفساد في السلطة الفلسطينية

مهدت الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية، من اتفاق أوسلو وما سبقه وما تلاه من اتفاقيات إلى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية؛ وهي أول سلطة فلسطينية تقام على جزء من ارض فلسطين التاريخية منذ نكبة 1948. ومنذ اللحظة الأولى لولادتها، سعت السلطة الفلسطينية إلى نقل صنع القرار السياسي من دوائر منظمة التحرير إلى دوائر ووزارات السلطة الفلسطينية، كما نقلت معها جميع شوائب المنظمة من فساد إداري ومالي. وفور قيامها اعتمدت السلطة الوطنية ممثلة برموزها من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية إلى فرض سلطتها على جميع نواحي الحياة الاقتصادية والمالية يساندها في ذلك مجموعات مسلحة انضوت تحت مسميات أجهزة أمنية عديدة تابعة للسلطة.

 

وهنا ظهرت إشكالية النظام السياسي الفلسطيني، كونه نظام جديد، وبرزت عودة كوادر وقيادات منظمة التحرير، التي أخذت على عاتقها بناء السلطة وإدارتها، وبناء المؤسسات وتطبيق القانون، والقضاء على الفساد والمحاسبة، وبناء اقتصاد وطني قوي. ولكن سرعان ما تحولت هذه السلطة إلى مراكز قوى تتناحر فيما بينها، وتطغى عليها المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية، في ظل غياب أجهزة الرقابة وتهميش القضاء، برز الفساد في مؤسسات وإدارات السلطة الفلسطينية. وبرزت المحسوبية والشللية واحتكار المؤسسات الاقتصادية.

 

في أيار/ مايو 1997 صدر تقرير لجنة المراقبة في المجلس التشريعي الفلسطيني مؤكداً أن الفساد المالي في أجهزة السلطة والسرقات قد طالت 326 مليون دولار أميركي. وقد صوت المجلس التشريعي بحجب الثقة عن حكومة عرفات (56 صوت مقابل صوت واحد) بسبب ذلك. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 وقّع عشرون مفكراً وشخصية فلسطينية بارزة تحت حكم السلطة “وثيقة العشرين” التي اتهمت السلطة بالفساد والمحسوبية… وغير ذلك. وقد وصف هشام شرابي الوضع قائلاً: “إن السلطة الفلسطينية بتركيبها الحالي لا تمثل الشعب الفلسطيني.. إنها عاجزة عن إحداث أي تغيير في الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وهي نفسها أحد أسباب تفاقم وضعه المأساوي” [21].

 

حجم الدعم الخارجي للسلطة الفلسطينية

بعد التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل” في 13 أيلول 1993/سبتمبر، وإعلان قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، اتفقت الدول الراعية لعملية السلام في الشرق الأوسط وما عرف بالدول المانحة على تقديم المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني. ويذكر الدكتور سلام فياض وزير المالية في حكومة قريع 2005 أن مجموع ما حصلت عليه السلطة الوطنية الفلسطينية من مساعدات الدول المانحة منذ عام 1994 وصل إلى 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى المساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية الراعية للاجئين الفلسطينيين والتي وصلت إلى نحو ملياري دولار [22].

 

الاحتكارات التجارية في السلطة الفلسطينية

قُدرت العائد خرين فقد فرا إلى الأردن [38]. كما أعلن النائب العام المستشار حسين أبو عاصي أن “النيابة العامة شرعت في التحقيق في ملف يتعلق بمسئول رفيع في وزارة الشئون الاجتماعية”، كان قد أحاله إليه وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتور حسن أبو لبدة، بعد تحقيق أجرته هيئة الرقابة العامة وتأكدها من وجود شبهات حول هذا المسئول. وأضاف المستشار أبو عاصي في حديث لـ “الحياة” اللندنية أن “الشبهات تدور حول قيام هذا المسئول بمنح ابنته الطالبة الجامعية ومرافقه الشخصي أموالا من أموال وزارة الشؤون الاجتماعية تقدر بنحو 300 ألف دولار أميركي” [39]. وقد نشرت “الغد” الأردنية الخبر ذاته في تاريخ 11 حزيران/ يونيو 2005.

 

أما وزير الصحة الذي انتهت ولايته، فقد احتفظ بمخازن مستأجرة من قبل وزارة الصحة بما فيها من خيام، كانت إحدى المعونات التي قدمت للمتضررين من عمليات التوغل والتجريف الصهيوني، وواصل الوزير السابق الاحتفاظ بها حتى بعد إنهاء عمله منذ سنوات كوزير لوزارة الصحة، لا لتوزيعها على المتضررين بل لأطماع شخصية [40].

 

كما أشارت “القدس العربي” في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2005 إلى أن مدير عام في وزارة التخطيط التي كان يترأسها الدكتور نبيل شعت هرب بملايين الدولارات [41]. وفي محاولة لرسم صورة تقريبية حول الفساد المالي للسلطة الفلسطينية نشرت العربية نت على موقعها في تاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 تقريراً كتبه إسلام الريس أشار فيه إلى أن الموازنة الرسمية للسلطة، حُددت خلال العامين الماضيين بمبلغ مليار و300 مليون دولار أميركي، بينما بلغ حجم الإنفاق الرسمي مليار و200 مليون دولار، ما يعني “اختفاء” مئة مليون دولار من الميزانية، دون معرفة وجهتها[42]، وبذلك يطال الفساد وزارة المالية.

 

نشر موقع إسلام اون لاين في تاريخ 29 حزيران/ يونيو 2005 تقريراً حول الفساد في السلطة الفلسطينية أشار فيه إلى أن نائب فلسطيني كشف لها أن رئيس السلطة محمود عباس أوعز إلى جهات رقابية حكومية وبرلمانية فلسطينية بالتنسيق فيما بينها لمساءلة النائب العام حسين أبو عاصي عن أسباب ما اعتبره “تجميد” ملفات الفساد الإداري والمالي العالقة لديه منذ فترة. أما الدكتور”يوسف أبو صفية” وزير البيئة الفلسطيني فقد اتهم بدوره النائب العام والمحكمة الفلسطينية العليا بالسماح لأكثر من 2500 شاشة كمبيوتر مستخدمة من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي بالدخول لقطاع غزة، بعد أن قررت المحكمة تجاوز القانون الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 1997، والذي يحظر استيراد وعبور مواد خطرة على الإنسان والبيئة، ومنها أجهزة الحاسوب إلى الأراضي الفلسطينية. وأشار إلى أن وزارته كانت قد رفضت منح التاجر المعني بالصفقة الموافقة على استيراد هذه الأجهزة، واصفاً ما حدث بـ”جريمة أبطالها المحكمة العليا والنائب العام” [43].

 

3- أراضي المستوطنات المحررة

بتاريخ 25 آب/ أغسطس 2005 أي قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة وبعد تعالي الأصوات حول مصير أراضي المستوطنات في غزة بعد إخلائها من قبل المستوطنون كشف رئيس سلطة الأراضي الفلسطينية فريح أبو مدين في مؤتمر صحفي أن التعديات على 80 في المئة من الأراضي الحكومية في القطاع هي من قبل مسئولين ومنتسبين للأجهزة الأمنية الفلسطينية. ووصف المتعدين على الأراضي الحكومية بأنهم من “أثرياء السلطة”، مشيراً إلى أن بعضهم أقام “برك سباحة قبالة الفيلات والمنازل الفاخرة التي بناها على أراض مملوكة للدولة من دون وجه حق” [44].

 

وكانت مجلة “المجتمع” في تاريخ 30 تموز/ يوليو 2005 قد نشرت تقريراً حول صفقات مشبوهة للاستيلاء على الأراضي المحررة في قطاع غزة، وأن بعض السماسرة يقوم بشراء أراضي لشخصيات في السلطة الفلسطينية بطريقة سرية وبأسعار زهيدة. ونقلت مجلة “المجتمع” عن محافظ مدينة خان يونس حسني زعرب أن هناك سماسرة قاموا بشراء أراضي الفلسطينيين القاطنين في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس التي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية. وأشارت المجتمع إلى تأكيد رئيس سلطة الأراضي الوزير فريح أبو مدين أن هناك عمليات تزوير لملكية هذه الأراضي في محاولة للسيطرة عليها [45].

 

وذكرت جريدة “الشعب” المصرية أن صفقة الدفيئات التي دفعت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ( USAI) ثمنها 51 مليون دولار وهو ثمن مرتفع بالنسبة لدفيئات مستهلكة [46]، لتعود هذه الدفيئات وتخسر وتنهب بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة؛ ففي حديث لجريدة “الأيام” الفلسطينية ذكر أشرف الاسطل، رئيس جمعية مزارعي البيوت البلاستيكية في قطاع غزة، الدفيئات الزراعية في الأراضي المحررة جرى تخريبها ونهبها وبلغت قيمة خسائر الدفيئات جراء هذه الأعمال 4 ملايين دولار، كما أشار إلى أن أعمال السرقة هذه قام بها ما يقارب300 شخص من بينهم 100 مسلح وأنها بدأت بالظهور بعد الانتخابات التشريعية [47].

 

إدعاءات حول ملفات فساد شخصية:

كثر التداول في وسائل الإعلام حول تورط شخصيات فلسطينية بارزة بالفساد، وهنا سنقوم بذكر المعلومات كما تم لشرق الأوسط للأنابيب

 

وفي جلسة المجلس التشريعي في تاريخ 19 أيلول/ سبتمبر 2005 طلب المجلس من النائب العام التحقيق في قضية سرقة المال العام من قبل محمد زهدي النشاشيبي الذي شغل منصب وزير مالية. وبالرجوع إلى تقرير اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي والذي قدمه رئيس اللجنة عزمي الشعيبي، فقد قام النشاشيبي وكان يشغل أيضا منصب رئيس اللجنة العليا للاستثمار بالتعاون مع ماهر الكرد وكيل وزارة الاقتصاد الوطني، على إقامة شراكة بين اللجنة العليا للاستثمار وشركة EHT الإيطالية لإنشاء مصنع الشرق الأوسط للأنابيب على أنْ يتمّ توريد معدات المشروع من شركة المعدات الإيطالية T.V.R، وأنْ يكون المشروع برأسمال قدره 6.7 مليون دولار تشكل قيمة معدات المصنع. بالإضافة إلى 2.5 مليون دولار تمويل محليّ. وبالرغم من ذلك فإنّ المشروع لم ينفّذ على الأرض بالرغم من قيام اللجنة العليا للاستثمار ومن خلال وزير المالية بتحويل كامل المبالغ المستحقة عليها والتي بلغت 4.138.675 دولار وهي حصة السلطة من رأسمال المصنع إضافةٍ إلى رسوم تسجيل الشركة ورسوم الشحنة الأولى من معدات المصنع والتخليص عليها ورواتب وبدلات ورحلات المسئولين [34].

 

ب- فضيحة الاسمنت

سوف نسهب في هذا الباب بعض الشيء؛ لما لهذه الفضيحة من تداعيات ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل لما لها من اعتبارات وطنية وأخلاقية. من خلال إطلاعنا على نص وثيقة التحقيق التي قام بها المجلس التشريعي عبر لجانه المختصة (لجنة الموازنة والشؤون المالية، لجنة الرقابة وحقوق الإنسان، واللجنة القانونية)، بالإضافة إلى قيام لجنة مصغرة مكلفة من رئاسة المجلس التشريعي تتكون من د. حسن خريشة، ود. سعدى الكرنز، والاستاذ جمال الشاتى. وقد قامت هذه اللجنة بالتحقيق وعقد لقاءات مع كل من:

 

1- أحمد قريع “أبو العلاء” رئيس الوزراء.

 

2- ماهر المصري وزير الاقتصاد الوطني.

 

3- جميل الطريفى وزير الشؤون المدنية.

 

4- عبد الحفيظ نوفل مدير عام التجارة في وزارة الاقتصاد الوطني.

 

5- شركة قنديل الطريفى للباطون الجاهز ويمثلها جمعة قنديل الطريفى.

 

6- شركة الطريفى للباطون الجاهز ويمثلها جمال الطريفى.

 

7- شركة انتصار بركة للتجارة العامة ويمثلها يوسف بركة.

 

8- شركة يوسف بركة للتجارة العامة ويمثلها يوسف بركة.

 

9- محمد رشيد “خالد سلام” المستشار الاقتصاد للسيد الرئيس، ورئيس شركة الخدمات التجارية الفلسطينية.

 

10- حاتم يوسف مدير عام الجمارك في وزارة المالية.

 

11- عمر الحروب مراقب الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني [35].

 

وفي النهاية وبعد حصول اللجنة على الوثائق تبين أن شركة LTD الاسرائيلية والتي يملكها زئيف بلنسكي حاولت استيراد الاسمنت من شركة مصر بني سويف، ولكن بعد تدخل جهات أمنية ولجان مقاومة التطبيع في مصر تم وقف هذه الصفقة مما دفع بلنسكي إلى التحايل واستيراد الاسمنت عبر وسطاء وشركات فلسطينية. وهنا بدأت بعض الشركات الفلسطينية باستصدار اذونات استيراد للإسمنت المصري من وزارة الاقتصاد الوطني، وبلغ مجموع ما تم استصداره من هذه الأذونات ما يقارب 420 ألف طن [36].

 

وبناءً على طلب السيد جمال الطريفى وزير الشؤون المدنية تم إرسال كتاب إلي مصنع بنى سويف للأسمنت يفيد أن كمية الأسمنت المراد استيرادها هي لصالح مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. ولكن تبين أن كميات الاسمنت التي دخلت السوق الفلسطيني بلغت (33 ألف طن) حسب مصادر وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة المالية وهو جزء يسير من مجموع ما تم استصداره من أذونات تقدر بـ (420 ألف طن). وثبت أن وزارة الاقتصاد الوطني التى منحت أذونات الاستيراد لم تتحقق ولم تتابع دخول الإسمنت إلى أراضى السلطة الوطنية واستمرت بإصدار أذونات استيراد جديدة لنفس الشركات [37]. تبين من خلال التحقيق ما يلي:

 

1. أن رخص استيراد الاسمنت الصادرة عن وزارة الاقتصاد الوطني لا تحمل تاريخاً محددا لصلاحيتها مما يعطى مجالاً للتلاعب فيها.

 

2. أن وزارة الاقتصاد الوطني لا تملك احصائيات لمعرفة حاجة السوق للاسمنت وبموجبها تقوم بإعطاء تراخيص الاستيراد.

 

3. إن الكميات المثبتة في اذونات الاستيراد مكتوبة بالأرقام ولم تكتب بالأحرف وهذا يمكن أن يسمح بالتلاعب في الكميات المسموح بها.

 

تداعيات هذه الصفقة:

 

1. حرمان الاقتصاد الفلسطيني من ضرائب الاستيراد حيث تم تحويل ملكية الاسمنت إلى الشركة الاسرائيلية وبذلك تم تحصيل الضرائب الجمركة من قبل الجمارك الإسرائيلية.

 

2. تشويه سمعت الاقتصاد الفلسطيني بتعاونه مع شركات اسرائيلية وتعمل على فتح باب التطبيع الاقتصادي مع “إسرائيل”.

 

3. والأخطر من ذلك كله هو المساهمة في بناء الجدار الفاصل والمستوطنات، حيث تم استخدام هذا الاسمنت في بناء الجدار والاستيطان.

 

2- وزارات السلطة

 

في السادس من نيسان/ ابريل 2005 أعلن مدير جهاز المخابرات الفلسطيني، توفيق الطيراوي، أن أربعة مسئولين متهمين بقضايا اختلاس 7.1 مليون دولار. ولكنه لم يتم القبض إلا على اثنين منهم، أما المسئولين الآ

تداولها في مصادرها الأصلية، ونشير إلى أن هذه المعلومات من الصعب إثباتها قانونياً إنما تبقى مجرد ادعاءات.

 

الادعاء على ياسر عرفات

 

نقلت “الرأي العام” الكويتية في 11 شباط/ فبراير 2005 أن الرئيس الراحل ياسر عرفات وبعد دخوله إلى الأراضي الفلسطينية بعام أي عام 1995 قد بدأ يفكر في إنشاء صندوق استثماري احتياطي، وقال محمد رشيد الذي كان مستشاراً اقتصاديا للرئيس الراحل ياسر عرفات ويعلق رشيد على ذلك قائلا: “عن تلك النقطة قال عرفات انه يرغب في إنشاء صندوق احتياطي، اخبرني انه لن يستطيع التفاوض مع الاسرائيليين إذا استمروا في السيطرة على موارده المالية، وسواء كان محقا أو مخطئا في ذلك، فإنه [عرفات] لم يكن باستطاعته أن يتحمل استمرار الوضع الذي كان فيه آنذاك”.

 

ويشير التقرير إلى أنه بعد ذلك بدأ تحويل مبالغ مالية إلى حسابات مصرفية في الخارج، بما في ذلك مبالغ تم تحويلها إلى صندوق استثماري كان يديره بنك ” LOMBARD ODIER ” السويسري الخاص [48].

 

كما ويشير التقرير إلى إعطاء أولوية من قبل عرفات لإشراك شخصيات اسرائيلية في المجال الاستثماري؛ وبالأخص لشخصيات تتمتع بعلاقات سياسية جيدة. ففي العام 1996، على سبيل المثال، أعادت “اسرائيل” إلى الفلسطينيين السيطرة على أموال صندوق قطاع غزة التقاعدي، وهي الأموال التي قدرت آنذاك بنحو 150 مليون دولار، وبعد ذلك عمل عرفات بنصيحة قدمها إليه مؤرخ اسرائيلي يدعى جاك نيريا وليست لديه أي خبرة مالية. وبموجب تلك النصيحة، وافق عرفات على إسناد مهمة استثمار ذلك المبلغ إلى مؤسسة استشارات مالية سويسرية كي تتولى إدارته واستثماره، إلا أن الاتفاق بين الطرفين لم يستمر سوى سنة واحدة. أحد الشركاء (الملاك) في تلك المؤسسة الاستشارية كان يدعى آرون غيلون وهو صديق اسرائيلي لنيريا، يقول: “كانت لدينا ميزة كوننا إسرائيليين، الأمر الذي سهل على الفلسطينيين الحصول على أموال من الحكومة الإسرائيلية”، مشيرا إلى أن مؤسسته الاستشارية لم تتول إدارة إي أموال صناديق تقاعدية أخرى. لكن اغرب علاقة مالية طورها عرفات كانت تلك التي أقامها مع يوسي غينوسار الذي كان في السابق مسئولا رفيع المستوى في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) والذي لعب دور المبعوث السري إلى الفلسطينيين من جانب عدد من رؤساء الوزراء التابعين لحزب العمل، وعندما توفي غينوسار مطلع العام 2004، فان عرفات امتدحه ووصفه بأنه “كرس حياته في سبيل السلام والأمن” [49].

 

إلا أن وفاة غينوسار لم تسهم في إخماد مزاعم مفادها أنه حصل على ملايين من الدولارات كي يتولى الإشراف على الحسابات المصرفية الخاصة بعرفات في سويسرا، وأكدت مصادر اسرائيلية وسويسرية وفلسطينية أن غينوسار فتح أمام عرفات أبواب مؤسسات مالية سويسرية مرموقة، بمساعدة من جانب ضابط استخبارات إسرائيلي شاب يدعى اوزارد ليو، كما أكدت تلك المصادر أن غينوسار تولى الإشراف على حساب بقيمة200 مليون دولار كان يديره بنك LOMBAND ODIER 50]] .

 

أما “السياسة” الكويتية فقد نشرت مقال للدكتور عبد الكريم محمد الأسعد ذكر فيه أن محمد دحلان قال إن عرفات بدد خمسة مليارات دولار ذهبت مع الريح، وإن بعض أعضاء السلطة يكلف كل واحد منهم الخزينة العامة خمسين ألف دولار شهرياً من دون أن يقدم شيئا. وأضاف الأسعد أن تقرير لصندوق النقد الدولي نشر في عام 2003 ذكر أنه تم تحويل 900 مليون دولار بين عامي 1995 و2000 من ميزانية السلطة إلى حساب مصرفي خاص باسم عرفات [51]. وكنا قد أشرنا إلى ما قاله جويد الغصين عن قيمة ثروة الرئيس الراحل ياسر عرفات.

 

الادعاء على سهى عرفات

ويشير الدكتور الأسعد في مقاله إلى أن صحيفة “الصنداي تايمز” اللندنية ذكرت أن أرملة عرفات سهى الطويل حصلت بعد موته مباشرة بناء على اتفاق مع رئيس وزراء السلطة آنذاك أحمد قريع على 13 مليون جنيه إسترليني فوراً، بالإضافة إلى 800 ألف جنيه استرليني تصرف لها لحين بلوغها سن التقاعد على اعتبارها موظفة رسمية في مكتب الرئيس قبل زواجه منها، ثم يصرف لها بعد التقاعد مبلغ 300 ألف جنيه استرليني سنوياً مدى الحياة!! وتضمن الاتفاق أيضاً الحصول على نفقات ابنتها زهوة ياسر عرفات حتى بلوغها سن 18، وعندها تحصل على 45 ألف جنيه استرليني سنوياً لحين بلوغها سن الخامسة والعشرين!!

 

كما ونشر المركز الفلسطيني للإعلام في 8 شباط/ فبراير 2006 مقالاً تحت عنوان بلاط الفساد جاء فيه أن صحيفة “لوكانار انشينيه” الأسبوعية الفرنسية أشارت في عددها (11/2/2004) إلى أن محكمة باريس بدأت منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2003 تحقيقاً أولياً يستهدف تحديد مصدر نحو 9 ملايين يورو، وضعت في حسابين مصرفيين

 

باسم سهى عرفات في باريس وقالت الصحيفة الفرنسية إن التحقيق يرمي إلى تحديد مصدر الأموال. وأضافت: إن مليونين من أصل الملايين التسعة دفعت لمكتب مصمم الديكور الباريسي الشهير ألبرتو بينتو لأسباب لم يحددها المحققون. وأكد المدعى العام الفرنسي ما اوردته الصحيفة بأن تحقيقاً بدأ في أكتوبر/ تشر ين الأول 2003 حول حسابات سهى عرفات، وذلك بناء على معلومات من بنك فرنسا المركزي وهيئة مكافحة غسل الأموال. وقال مكتب الادعاء إنه يريد فحص تحويلات من مؤسسة سويسرية إلى حسابين منفصلين لسهى في باريس خلال الفترة ما بين يوليو/ تموز 2002 ويوليو/تموز 2003″ [52].

 

الادعاء على محمد دحلان وجبريل الرجوب

نقلت صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية أن الفلسطينيين طالبوا عام 1997 باستلام حصتهم من عائدات الجمارك على معبر كارني التي تحصلها “اسرائيل” بالنيابة عن الفلسطينيين، حيث كان يتم تحويل ما يقارب المليون شيكل شهرياً إلى حساب مصرفي جديد. وأشارت الصحيفة أن ذلك الطلب لم يرُق للإدارة الإسرائيلية، إذ لم تسمع “اسرائيل” بهذه المؤسسة من قبل، حيث تبين أن الحساب الجديد فتح باسم الإدارة الوطنية الفلسطينية للترانزيت، ثم تبين فيما بعد بأن المالك الحقيقي لهذا الحساب هو محمد دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة. فقد كان هذا الحساب حساباً خاصاً يخضع حصرياً لأوامر دحلان، لقد كان دحلان يستخدم هذا المال كمصدر تمويل أساسي للمؤسسة التي أنشأها، ويضاف إلى هذا المبلغ ملايين الشيكلات التي كانت يجبيها كعائدات ضرائب مختلفة وأموال حماية، كضرائب التحميل والتفريغ على الجهة الفلسطينية من معبر كارني [53].

 

كما ونقلت صحيفة “البيان” الإماراتية في تاريخ 4 شباط/ فبراير 2006 عن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية التي زعمت أن محمد دحلان اشترى داراً فخمة بـ 600 ألف دولار [54].

 

أما التقرير الذي نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية والموثق بشهادات شخصية، فيزعم أن هناك علاقة بين جبريل الرجوب ومحمد دحلان مع أحد أباطرة النفط في “اسرائيل” وهو: عوفاديا كوكو، هذا الشخص الذي كان عاملاً في إحدى محطات الوقود أصبح من اغني رجال الأعمال في “اسرائيل”، حيث عقد اتفاقية مع شركة دور الإسرائيلية لتزويد السلطة الفلسطينية بالوقود وارتبط كوكو بعلاقة شخصية مع العديد من مسئولي السلطة الفلسطينية حيث كان يستضيفهم في بيته [55]. ويقول عضو الكنيست (اليعازر كوهين) أن كوكو هو أحد الداعمين لحزب “إسرائيل بيتنا” [56]. ويشير التقرير إلى أنه في نهاية عام 1998، اقتحم مفتشو الضرائب في “اسرائيل” مكاتب كوكو في ريشون لتزيون وأشدود، وتم اتهامه وشركاءه بالتورط ببيع فواتير وهمية، حيث كان يشتري كميات من الوقود أكثر مما يبيع للسلطة الفلسطينية، والفائض يبيعه في السوق السوداء. واشتبه أيضاً بأن السلطة الفلسطينية كانت شريكة في هذه العملية، حيث كانت توقع على تصريحات بأنها استلمت كل الوقود [57].

 

إن أعمال كوكو في أراضي السلطة الفلسطينية لم تقتصر على بيع وتسويق الوقود بل تعدت ذلك ليصبح شريكاً في كازينو أريحا. كوكو كان مسئولا عن تأمين خدمة الصرافة في الكازينو. كما كان كوكو يملك أيضاً شركة نقل تؤمن نقل الزبائن إلى الكازينو، بمساعدة ومساندة رجال الرجوب الذين كانوا يعملون على منع منافسي كوكو من منافسته. كما ويضيف كاتب التقرير أن كوكو في مناسبات معينة كان يحضر بنفسه ليُقِلَّ المسئولين الفلسطينيين إلى وسط “اسرائيل”. وبناءً على بعض الشهادات فإن كوكو كان لا يزال يستضيف مسئولين رسميين من السلطة الفلسطينية في منزله في (سافيون).

 

ويزعم كاتب التقرير أن جبريل الرجوب كان يشكل صلة الوصل بين رئيس جهاز الشين بيت الأسبق، يسرائيل حسون وكوكو، وحسب قول أحد مساعدي الرجوب حول علاقة الرجوب بحسون قال هما كالأخوة. أما (جدعون عزرا) وزير الأمن العام فيقول أنه في إحدى زياراته المتكررة لكوكو لم يجده في منـزله وعندما سأل عنه، أُخبر بأنه قد ذهب ليمشي مع أبناء الرجوب [58].

 

الادعاء على نبيل شعث

في دراسة أجرتهاالدكتورة راشيل إيرنْفيلد ونشر على صفحات موقع المركز الأميركي للديموقراطية في تشرين الأول/ أكتوبر 2002 ذكرت إيرنفيلد أن نبيل شعث يحتكر استيراد أجهزة الحواسيب إلى أراضي السلطة الفلسطينية [59].

 

الادعاء على نبيل عمرو

نشرت صحيفة “العربي” الناصرية في 1 آب/ أغسطس 2005 تقريراً جاء فيه أن نبيل عمرو تورط في اختلاس أموال أثناء توليه رئاسة مجلس إدارة إحدى المجلات والتي تمول من السلطة الفلسطينية، فقد أشار تقرير عن هيئة الرقابة العامة إنه قيدت سلف العمل خلال الفترة من عام 1995 حتى نهاية 2002، والبالغة ستمائة ألف شيكل باسم كل من نبيل عمرو والسيد حسن الخطيب، وأضاف التقرير أن نبيل عمرو تقاضى مبلغا قدره مائتان وسبعة آلاف وعشرون شيكل صرفت له من الجريدة تحت بند مكافآت ومصروفات شخصية، وقال التقرير إن نبيل عمرو عين شقيقه وليد بوظيفة مشرف مالي للجريدة وعين كلا من أبنائه طارق كمشرف إداري براتب قدره 8 آلاف شيكل شهريا وابنته نرمين بدرجة مدير، ولم يثبت دوامها من خلال سجلات الحضور والانصراف، وقال التقرير إن جميع الحسابات المصرفية للجريدة مفتوحة باسم كل من السيد نبيل عمرو وحسين الخطيب وهما مخولان بالصرف منها، وقال التقرير إن نبيل عمرو لم يتبع الأسس المرعية في عملية شراء وتركيب المطبعة، ولم تتوصل الهيئة إلى قيمة المبالغ المدفوعة من وزارة المالية بالإضافة إلى عدم إتباع الأسس السليمة في بناء مبنى الجريدة، وقال التقرير إن وزارة المالية صرفت مبلغا قدره مليونان وستمائة وتسعة عشر وسبعمائة سبعة وأربعون شيكل مصاريف طباعة الجريدة عن الفترة من 32 يناير/كانون ثاني 1997 حتى 31 أغسطس/آب 1998، دون وجود عقد مكتوب بين الجريدة وشركة الأراضي المقدسة مطبعة إيثار. وأضاف التقرير أن الجريدة لم تفصح عن إيرادها خلال الفترة من 20 أغسطس/آب 1995 حتى أول مارس/آذار 1996 وكانت فترة نشاط تجارى غير عادى كونها فترة دعاية وترشيحات انتخابية للمجلس التشريعي [60].

 

لا احد ينكر تفشي الفساد بين شخصيات مسئولة في السلطة الفلسطينية، إنما تحديد الفاسدين تحتاج أدلة وبراهين ولكن بالرغم من ذلك تعالت الأصوات المطالبة بالإصلاح، ففي بيان الصادر عن كتائب شهداء الأقصى طالب بمحاسبة الفاسدين، وذكر البيان أسماء بعض، من اسماهم برموز الفساد وطالب بفتح تحقيق مع كل من حربي صرصور، أمين حداد، رمزي خوري، يوسف العبد الله، وحيد مطير، محمد رشيد، غازي الجبالي، سامي الرملاوي، محمود البدر وغيرهم من الأسماء. وطالب البيان مساءلتهم عن مصادر ثرواتهم واستثماراتهم في كندا وعمان ورام الله، وعن عقاراتهم التي لا تخطر على بال. وتساءل البيان عن مصير أموال منظمة التحرير ودعا إلى تشكيل لجنة وطنية عليا بمسمى “لجنة من أين لك هذا” [61].

 

فساد إداري

عانت السلطة الفلسطينية من الفساد الإداري والمحسوبية التي تفشت بسرعة في أجهزتها. حتى إن أحد كبار فتح نفسها “محمد جهاد” لم يتورع عن القول إن عرفات قد أحاط نفسه بثلة من اللصوص والمبتزين [62].

 

في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في تاريخ 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 صادق على قرار إحالة الدكتور باسم قدورة المدير العام السابق للإدارة العامة للتعاون في وزارة العمل إلى التحقيق حول قيامه بارتكاب مخالفات إدارية وقانونية خلال ممارسته لمهام منصبه. وتضمنت المذكرة التي عرضت على مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية نتائج التحقيقات الداخلية التي أجرتها الدائرة القانونية في الوزارة على خلفية الشكوى التي تقدم بها القائم بأعمال رئيس الاتحاد العام لجمعيات الإسكان التعاونية في محافظات الجنوب إلى الدائرة والى لجنة الرقابة العامة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعي يطعن فيها بشرعية اجتماع الهيئة العمومية للاتحاد الذي دعا إلى عقده د. باسم وانتخاب مجلس إدارة جديد. وأوضحت مذكرة عرضت على مجلس الوزراء انه تبين أن قدورة دعا إلى اجتماع الهيئة العامة للاتحاد العام لجمعيات الإسكان التعاونية في محافظات الجنوب مستندا إلى نظام داخلي يختلف عن النظام الداخلي المصادق عليه من قبل وزارة العمل في نيسان 1998، ومهر بختم جديد مختلف عن ختم الإدارة العامة [63].

 

وفي كلمة وزير الإعلام الفلسطيني الدكتور يوسف رزقة في تاريخ 31 أيار/ مايو2006 أشار فيها إلى أن عدد الموظفين في وزارة الإعلام 162 موظفاً وأن 127 منهم مدراء ورؤساء أقسام؛ أي نحو 78.4% هم في وظائف اشرافية [64].

 

ونشرت “الحياة” اللندنية في 5 أيلول/ سبتمبر 2005 أن هناك ألاف من الموظفات في مؤسسات ودوائر السلطة الفلسطينية يحصلن على رواتب وهن غير موجودات في الأراضي الفلسطينية منذ سنوات طويلة، وأن بعضهن زوجات مسئولين كبار في السلطة الفلسطينية، وقد قدر عددهن بأربعة آلاف [65].

 

“اسرائيل” والفساد

ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية أن في مكاتب الجيش الإسرائيلي ووزارة المالية وغيرها من الدوائر الرسمية الإسرائيلية قصص لا تُحصى عن الفساد في السلطة الفلسطينية، لدرجة أنه اقتُرح في خلال انتفاضة الأقصى أن يهدد مكتب رئاسة الوزارة الإسرائيلية بنشر هذه المعلومات إذا ما استمرت “دورة العنف”. وقضايا الفساد هذه حسب زعم الصحيفة تشكل سلسلة معقدة من عمليات الرشوة وأموال الحماية والصراع على السلطة ومشاكل في البنية السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وقد تورطت فيها رؤوس كبيرة في السلطة الفلسطينية [66].

 

الموقف الشعبي من الفساد

 

إن غياب الرّقابة الفاعلة فتح الباب على مصراعيه لاستشراء الفساد في السلطة ومؤسساتها، وإلى إيجاد طبقات من المنتفعين الذين لا يشغلهم الهم الوطني وإنهاء الاحتلال، بقدر ما تشغلهم عملية الانتفاع من الوضع القائم.

 

وقد تزايدت مع الزمن مشاعر المواطنين في الضفة والقطاع بوجود فساد في السلطة واستشراء مظاهره. ولاحظت استطلاعات الرأي العام في الضّفة والقطاع أن نسبة المعتقدين بوجود فساد في السلطة الفلسطينية ومؤسساتها ارتفعت من 49% في أيلول/ سبتمبر 1996[67] إلى 71% في حزيران/يونيو 1999 [68] إلى 83% في تموز/ يوليو2001 [69] و81% في كانون أول/ديسمبر 2003[70]. أي أن الإجماع الفلسطيني على وجود فساد في السلطة كان أكبر من أي إجماع آخر، حتى على انتفاضة الأقصى نفسها. وظلّت هنا نسبة كبيرة تصل إلى الثلثين تعتقد أن هذا الفساد سيزداد. وبيّنت الاستطلاعات أن هناك نسبة عالي

ة (57% – 65%) تخشى على نفسها من مغبّة انتقاد السلطة. وأن الذين يُقيِّمون ايجابياً الديموقراطية الفلسطينية هم 20 – 30% فقط مقابل 70% يقيمون إيجابياً الديموقراطية “الإسرائيلية”، وأن الذين يعتقدون بوجود حرية للصحافة هم بحدود 20% فقط. وفي تشرين أول/أكتوبر 2003 كان 61.4% من فلسطيني الضفة والقطاع يقيّمون أداء السلطة الفلسطينية بين سيّء وسيّء جداً. وفي أحد استطلاعات الرّأي في حزيران/يونيو 1999 اعتقد ثلثا الفلسطينيين أن التعيينات تتم بالواسطة، واعتقد 4% فقط أنه لا حاجة لهم للواسطة، وذكر 54% أن وضعهم الاقتصادي صار أسوأ مما كان عليه قبل اتفاقيّة أوسلو سنة 1993. وفي استطلاع أجراه مركــز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية التابع لجامعة النجاح الوطنية في تاريخ 11-13 أيار/ مايو2005 ذكر 92.29% من المستطلع رأيهم أنهم سيختارون شخصية غير فاسدة لانتخابات المجلس التشريعي الثاني [71].

 

والاستطلاعات المشار إليها أعلاه هي استطلاعات قام بها مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس (المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة فيما بعد) ومركز القدس للإعلام والاتصال وهما أهم مركزين استطلاعيين فلسطينيين في الضفة والقطاع، ومحسوبان على اتجاهات علمانية مؤيدة لاتفاقيّة أوسلو.

 

الخاتمة

إن عدم وجود آليات دقيقة وحادة للمحاسبة داخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وداخل السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تقاطع المصالح الدولية الداعمة للسلطة الفلسطينية مالياً مع بعض طبقات المنتفعين داخل السلطة الفلسطينية، أدى إلى تغلغل الفساد وانتشاره داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية وفي أوساط صناع القرار الفلسطيني.

 

ومن الملاحظ أنه بالرغم من صعوبة إثبات الفساد خاصة على الشخصيات السياسية، إلا أن استطلاعات الرأي والتقارير الدولية تدل على تفشي الفساد داخل مؤسسات السلطة ورجالاتها، مما أضعف ثقة الشعب الفلسطيني بهذه الزعامات ليس فقط على المستوى المالي والاقتصادي، بل على المستوى السياسي أيضاً؛ خاصة في كيفية إدارة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، وهذا ما ظهر جلياً من خلال الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/ يناير 2006.

إغلاق