ماذا يعني تمديد عباس حالة الطوارئ لشهر رابع ؟

ماذا يعني تمديد عباس حالة الطوارئ لشهر رابع ؟

رام الله/

كما كان متوقعا، تمسك رئيس السلطة محمود عباس بحالة الطوارئ التي فرضها بحجة وباء كورونا، وقام بتمديدها للمرة الثالثة، في مخالفة واضحة للقانون الأساسي.

 

وكان عباس قد أعلن حالة الطوارئ أول مرة بدأ من 5 مارس 2020، لشهر واحد، ثم مددها بطريقة تحايل على القانون، لشهر أخر، ثم لشهر ثالث، وأمس أعلن تمديدها لشهر رابع، لتبدأ من 5 يونيو الجاري، حتى 5 يوليو المقبل.

 

واعتبر مدير عام مؤسسة مساواة إبراهيم البرغوثي أن المرسوم الرئاسي يدخلنا في دهاليز التمديد المتواصل لحالة الطوارئ، كما توقعنا ونبهنا مراراً، حالة الطوارئ إعلان رسمي لاغتيال القانون الأساسي وإعلان الاستقلال ودولة القانون وانتهاك فظ لحقوق الإنسان.

 

وقال البرغوثي: لا وألف لا لحالة الطوارئ ولا لكل أشكال الهيمنة والتفرد، النهج الأمني مدعاة لانتهاك الحقوق وتعريض السلم الأهلي للخطر.

 

وذكر البرغوثي بموقف "مساواة" الذي نشرته قبل شهر وتوقعت أن حالة الطوارئ ستتحوّل لحالة دائمة !

 

وكانت مساواة قد نشرت ورقة موقف بعنوان "إعلان حالة طوارئ جديدة يعني نهجاً لجعلها حالة دائمة وغير مسقوفة بزمن".

 

ووفق مساواة، فقُبيل التداول بشأن إصدار مرسوم رئاسي لإعلان حالة الطوارئ لمواجهة جائحة كورونا- التي لم تلجأ لها العديد من الدول حول العالم- وانطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية والقانونية تقدّمنا برؤية مفادها أن ثمة تشريعات عديدة سارية المفعول تفي بمتطلبات مواجهة الجائحة ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر قانون الصحة العامة وقانون الدفاع المدني وقانوني العقوبات والإجراءات الجزائية وقانون مكافحة الفساد والتي بمجموعها تضمّنت نصوصاً وأحكاماً ملزمة تمكّن الحكومة من اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة الجائحة.

 

وأكّدت مساواة على أن المشرّع الدستوري أخذ بهذا الفهم في القانون الأساسي الفلسطيني عندما اعتبر أن اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ استثناءً لا يجوز التوسّع به أو اللجوء إليه إلا إذا أُغلقت سائر الأبواب ولم يعُد بالإمكان مواجهة الكوارث المماثلة للجائحة الحالية بالطرق والأدوات التشريعية النافذة.

 

مع كل ذلك، ومع هذه الإجازة الاستثنائية الضيقة ولما تنطوي عليه من مخاطر تهدد حقوق الإنسان ومبدأ الفصل بين السلطات وقواعد الحكم الرشيد والأمن والاستقرار المجتمعي، تنبّه المشرّع الدستوري وسقف مدّة حالة الطوارئ بستين يوماً كحدّ أقصى ستين يوماً وقيّدها بإجراءات خشية انفلات السّلطة التنفيذية باتجاه استحواذي، لعلّ أبرزها أنه قيّد صلاحية السلطة التنفيذية بإعلان حالة الطوارئ لمدّة ثلاثين يوماً من أصل سقفها، كما اشترط توفّر غالبية ثلثيّ أعضاء المجلس التشريعي لإمكانية تمديدها لثلاثين يوماً أخرى. وحيث أن المشرّع الدستوري لا يغلو وحيث أن القانون الأساسي (الدستور) يعلو ويسمو على كافة التشريعات أيّاً كانت مسمياتها أو قيمتها التشريعية، فإن أي تشريع أو إجراء تتخذه أي من السلطات الثلاث يجب أن يحتكم إلى القانون الأساسي ولا يتجاوزه أو ينتهكه أو يفسّره على نحو يخالف فلسفته وأحكامه.

 

 

وطالبت مساواة انطلاقاً من هذه الحقائق التي يُجمع عليها سائر فقهاء القانون الدستوري وروّاد الدولة المدنية الديمقراطية التشاركية، بعدم إعلان حالة الطوارئ ابتداءً، ولم يستمع النظام لطلبنا الذي نال قسطاً نوعياً من التبني والتأييد المجتمعي.

 

وعند انتهاء الثلاثين يوماً، قالت مساواة إنها حذّرت من مغبّة خروج السلطة التنفيذية عن حدود اختصاصها وصلاحياتها استناداً لأدوات قانونية لا ترقى إلى مرتبة القانون الأساسي الذي لا يجيزها ابتداءً، إلا أن النظام لم يستجب لهذا الطلب أيضاً، بل وأصرّ على إعمال التفرّد والاستحواذ واغتصاب صلاحيات المشرّع الأصيل، فأصدر تمديداً لحالة الطوارئ لمدّة ثلاثين يوماً أخرى.

 

إضافة إلى ذلك، استثمرت السلطة التنفيذية حالة الطوارئ لأهداف وغايات تتجاوز متطلبات مكافحة الجائحة والتي اعتبرت السبب الوحيد لإعلانها، فأصدرت مجموعة من القرارات بقوانين التي تضرب بُنية النظام السياسي في الصميم وتمنح امتيازات واسعة على غير سند أو احتياج لفئة محدودة من المواطنين/ات ومنها القرار بقانون المعدّل حقوق وامتيازات رئيس وأعضاء المجلس التشريعي ورئيس وأعضاء الحكومة والمحافظين، وتعديل قانون التقاعد العام، وتحويل ديوان الرئاسة إلى حكومة ظلّ تعلو رئاسة وأعضاء مجلس الوزراء، التي قُلنا كلمتنا بشأنها.

 

وقُبيل انتهاء مدّة حالة الطوارئ الممتدة على نحو مخالف للقانون الأساسي، عادت مساواة ونصحت السلطة التنفيذية بمعالجة الوضع الداخلي فيما بعد انتهاء حالة الطوارئ، وأشرت إليها مرة أخرى بضرورة الوقوف على التشريعات السارية مؤكدة مرّة أخرى أن تلك التشريعات تكفي لمتطلبات مكافحة الجائحة وبخاصة في ظلّ تبني السلطة التنفيذية لشعار الموازنة بين المتطلب الصحّي والمتطلب الاقتصادي.

 

كما بيّنا بوضوح السيناريوهات القانونية المتاحة أمام السلطة التنفيذية وحذّرنا من المخاطر الجسيمة التي تترتب حتماً على اعتماد خيار إعلان حالة طوارئ جديدة تتجاوز أحكام القانون الأساسي بل وتُلغيه، وتتجاوز إرادة المشرّع الدستوري ولا تُقيم وزناً لإعلان الاستقلال ومحدّدات وسمات النظام السياسي المتفق عليه عند إصدار القانون الأساسي، والذي شأنه شأن أي قانون آخر لا يُجيز منطقاً وعقلاً وقانوناً إعلان حالة طوارئ جديدة لذات السبب.

 

ورأت مساواة أن الملفت والخطير في الأمر أن إعلان حالة طوارئ جديدة يُجسّد توجه ونهج تكريس حالة الطوارئ كحالة دائمة وغير مسقوفة، إذ سيُمكّن هذا الإعلان السلطة التنفيذية من تمديد مدّة حالة الطوارئ إلى ثلاثين يوماً أخرى، ثم إعادة إعلانها من جديد وتمديدها وهكذا دواليك.

 

نرى في هذا ما يُلغي العقد الاجتماعي الذي تمثّل بإعلان الاستقلال عام 1988 والذي جسّد اختيار الشعب الفلسطيني لنظام حكم ديمقراطي تُصان فيه الحقوق والحريّات والمبادئ الدستورية المتعارف عليها دولياً بما فيها سيادة القانون والفصل بين السلطات والمساءلة والشفافية والرقابة والانتخابات الدورية.

 

وقالت إن هذا الإعلان، بنسفِه للقانون الأساسي واغتياله لسائر القيم التي حملها، يُهدر بنية النظام السياسي ودولة القانون والحكم الرشيد وينتهك التزامات فلسطين الدولية وحقوق مواطنيها ومواطناتها ويُعرّض السلم الأهلي والأمن المجتمعي للخطر، وينبئ عن نظامٍ بوليسي يستحوذ على الثروة والصلاحيات كافة، وذلك عبر إضفاء صفة المرجعية الوحيدة على القرار بقانون 5 لسنة 2020 الذي منح ديوان الرئاسة بعد تحويله إلى مؤسسة كافة صلاحيات الحكومة وعلى جميع المستويات الداخلية والدولية وأخرجه من دائرة الرقابة وخصص تبعيته بالرئيس فقط.

 

استناداً إلى ذلك كله، رات مساواة في إعلان حالة طوارئ جديدة دخول في نفق مظلم يوفّر بيئة صراع بدلاً من بيئة وحدة وتضامن، ويَضعف- إن لم يشلّ- قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة مخططات الاحتلال في الضمّ والتوسّع والعدوان، إلى جانب ما يمثّله من بيئة منعشة لمزيد من امتيازات القلّة على حساب قوت وكرامة الغالبية الساحقة.

 

وشددت مساواة على أن مرسوم إعلان حالة الطوارئ والذي لم يُنشر نصّه بعد وأعلن مضمونه رسمياً، يمثّل في واقع الحال نذير شؤم، ويتطلب رفع الصوت الجمعي لحمل السلطة التنفيذية على إلغائه وإلغاء القرار بقانون 5 لسنة 2020 والقرارات بقانون التمييزية الأخرى، ووقف إصدار القرارات بقوانين وقفاً نهائياً وشاملاً، وإجراء الانتخابات العامة كبديل وحيد يحافظ على شرعية النظام السياسي الفلسطيني ووجوده كما يصون وحدة المجتمع وأمنه.

إغلاق