هيئة مكافحة الفساد تحمي الفاسدين وتتجاوز القانون !!

هيئة مكافحة الفساد تحمي الفاسدين وتتجاوز القانون !!

رام الله/

أكد المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساوة" أن هيئة مكافحة الفساد تجاوزت سلطة القضاء وأعاقت واجب التبليغ عن الفساد.

 

وبعد أيام من إصدار الهيئة بيانا صحفيا بشأن قضية تبليغ موظفين في المحكمة الدستورية العليا، وما حمله من مغالطات ومخالفات للقانون، أصدرت مساواة موقفها من تعامل هيئة مكافحة الفساد مع القضية.

 

وقال مركز مساوة إنه وقف بإمعان على البيان الصادر عن هيئة مكافحة الفساد بخصوص البلاغ المتعلق بالمحكمة الدستورية وفقاً لما عنونت الهيئة بيانها، والذي نشرته الهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي مذيلاً صدوره بتاريخ ٣١/٥/٢٠٢٠ مشيرة فيه إلى تلقيها بلاغاً معلوم هوية مقدمه حول شبهات فساد تطال أعمال المحكمة الدستورية، مع طلب حماية وفق أحكام المادة ١٨ من قانون مكافحة الفساد، و نظام حماية الشهود والمبلغين/ات والخبراء والأشخاص وثيقي الصلة بهم، وما تضمنه البيان من قيام الهيئة بتوفير الحماية الوظيفية للمبلغين/ات و مخاطبتها للمحكمة الدستورية بما يفيد منع اتخاذ أي إجراء إداري بحق المبلغين/ات، بسبب تبليغهما للهيئة وتصريحهما بهويتهما للحصول على الحماية الوظيفية، مضيفة أنه والتزاما منها بالحفاظ على سرية الملفات التحقيقية، وبعد انتهائها من أعمال التحري والتحقيقات الأولية، فيما قدم إليها من ادعاءات توضح بأنها وفرت الحماية الوظيفية للمبلغين/ات، وأنها توصلت إلى أن الادعاءات التي احتواها البلاغ مخالفات إدارية لا ترتقي لشبهات فساد، وقد وردت في معظمها في التقرير الرقابي لديوان الرقابة المالية والإدارية حول أعمال المحكمة الدستورية.

 

 

مخالفة هيئة مكافحة الفساد

وشدد مساواة على أن بيان هيئة مكافحة الفساد المذكور ينطوي على مخالفات لأحكام القوانين السارية وبخاصة قانون مكافحة الفساد في المادتين الأولى و الثانية و العشرين منه، و قانون الإجراءات الجزائية في المواد ٥٩ و ١٤٩ و ١٥٢ منه، ما قد يمثل اغتصاب لصلاحيات القضاء، وإجهاضًا لواجب التبليغ عن شبهات جرائم الفساد، الأمر الذي يشكل معوقا أساسياً لمكافحة ناجعة للفساد، و ذلك وفقاً للآتي:

 

١من المعلوم قانوناً أن ديوان الرقابة المالية و الإدارية و هيئة مكافحة الفساد ما هما إلا جهات إنفاذ للقانون ولا يتجاوز دورهما مجتمعين أو منفردين دور الضابطة العدلية التي لا تملك صلاحية حفظ التحقيق في شبهات فساد، ولا تملك سلطة إعطاء الوصف القانوني للشبهات المقدمة إليهما بشأن ادعاءات بوقوع شبهات فساد، بل أن النيابة العامة أيضاً ووفقاً لأحكام المادة ١٥٢ من قانون الإجراءات الجزائية  لا تملك صلاحية حفظ الدعوى أو التحقيقات إلا في حال عدم وجود أدلة، و ليس عدم كفايتها، و إذا ما توفرت أدلة كما في الحالة الماثلة والتي تتوفر فيها أدلة تمثلت في شهادة شاهدين، وتقرير خطي صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية، الأمر الذي كان يوجب على هيئة مكافحة فساد، و هي لا تعدو أن تكون ضابطة عدلية تكلف بإعمال الاستدلال والتحقيق الأولي،  إحالة البلاغ إلى نيابة جرائم الفساد من خلال النائب العام، و من ثم إلى محكمة جرائم الفساد، والتي هي وحدها ودون سواها لها كامل السلطة.والصلاحية في وزن البينة وإعطاء الوصف القانوني للفعل  المنسوب ارتكابه، و حيث أن بيان الهيئة تضمن التقرير بشأن الوصف القانوني  للأفعال موضوع البلاغ فإنها بهذا تكون قد اغتصبت سلطة وصلاحية المحكمة المختصة، على الرغم من وجود أدلة توجب الإحالة إليها، و تخرج عن اختصاص الضابطة العدلية، كما ينطوي ذلك أيضاً على اغتصاب لسلطة النيابة العامة المختصة، والتي لها التقرير بشأن حفظ البلاغ أو الشكوى إذا ما انعدمت أدلته/ا. وفي حالتنا هذه يوجد أدلة، و بالتالي فإن النيابة العامة لا تملك التقرير بحفظ الملف، ولو أحيل إليها لإحالته إلى المحكمة التي تنفرد بسلطة التقرير بشأن ثبوت الجريمة ونوعها وقيمة الأدلة المقدمة فيها.

 

 

٢يبدو أن هيئة مكافحة الفساد في بيانها وفقاً لصيغته المعلنة قد تجاوزت و خرجت عن أحكام المادة الأولى من قانون مكافحة الفساد، وبخاصة ما ورد فيها من اعتبار التهاون في القيام بواجبات الوظيفة جريمة تندرج تحت مظلة جرائم الفساد، وما توصلت إليه الهيئة وديوان الرقابة المالية والإدارية من ثبوت وجود مخالفات ادارية يجعل من جريمة التهاون في القيام بواجبات الوظيفة جريمة محتملة الثبوت، الأمر الذي كان يوجب عليها إحالة الملف إلى نيابة جرائم الفساد ومن ثم إلى المحكمة المختصة، و كذلك يبدو أن الهيئة أيضاً قد أضفت وصفاً غير صحيح على ادعاءات تتصل بإساءة استعمال السلطة والواسطة والمحسوبية والمحاباة التي تلغي حقاً أو تخلق باطلاً وإعاقة سير العدالة بوصفها إياها بالمخالفات الإدارية، على خلاف حكم القانون الذي يعتبرها وفق صريح المادة الأولى لقانون مكافحة فساد تندرج تحت مظلة جرائم الفساد حيث قدمت للهيئة ادعاءات بمخالفة المحكمة أو مسؤوليها لمعايير إشغال الوظيفة والتعيينات فيها، إلى جانب ادعاء بصرف أموال دون معززات، والادعاء أيضا بتعرض المبلغتين (الشاهدتين) للترغيب والترهيب لحملهما على التراجع عن بلاغهما، ما قد يندرج بدوره تحت مظلة إعاقة سير العدالة، والتي بدورها تندرج تحت مظلة جرائم الفساد، الأمر الذي كان يوجب احالة ملف الشكوى إلى النيابة العامة ومن ثم إلى المحكمة صاحبة الولاية العامة في التقرير بشأن ثبوت تلك الادعاءات، والوصف القانوني للأفعال موضوعها.

 

٣من المعلوم قانوناً أن الجرائم بصفة عامة إما أن تكون مخالفة أو جنحة أو جناية  والمخالفة الإدارية إذا ما انطوت على التهاون في القيام بواجبات الوظيفة كالإهمال أو التقصير أو عدم التدقيق أو عدم الالتزام بالأنظمة والتعليمات وسواها تنقلب من مخالفة إدارية إلى فعل خاضع للمساءلة الإدارية والجزائية معاً  الأمر الذي كان يوجب إحالة البلاغ إلى سلطة التحقيق ومن ثم المحكمة المختصة لتقرر بدورها عما إذا توافرت بحق المُبَلغ ضدهم جريمة التهاون في القيام بواجبات الوظيفة أو إساءة استعمال السلطة أو الواسطة و المحسوبية أو إعاقة سير العدالة، لا أن تقرر الهيئة بذاتها أن المخالفات ادارية لا ترقى إلى مرتبة جرائم الفساد، الأمر  الذي كما قلنا وكما يجمع عليه فقهاء القانون والقضاء من إطلاقات صلاحية و سلطة المحكمة.

 

٤لقد أوجب قانون مكافحة الفساد في المادة ٢٢ منه وقانون الإجراءات الجزائية في المادة ٥٩ منه وألزم جهات إنفاذ القانون ومنها هيئة مكافحة الفساد و ديوان الرقابة المالية والإدارية بالحفاظ على سرية التحقيقات ونتائجها، وبالتالي فإن نشر نتائج التحقيقات ليس مستهجناً فقط، بل مخالفاً لأحكام القوانين ما يوجب المساءلة باعتباره جريمة يعاقب عليها قانوناً، والبيان الصادر عن الهيئة والمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أعلن نتائج تحقيقاتها يكون تحت طائلة المساءلة، وفقاً لصريح نص المادتين المذكورتين.

 

٥إن نظام حماية المبلغين/ات والشهود والمخبرين/ات والخبراء في قضايا الفساد حظر في المادة السابعة منه نشر أي أمر يتعلق بالحماية وإجراءاتها كما تضمن شمول الحماية القانونية والوظيفية والشخصية، وقيام هيئة مكافحة الفساد بالإعلان عن قرار الحماية في لقاء إذاعي، و في بيان الهيئة قبل تحقيق غايته، وزوال الخطر الذي فرض إصداره، يعتبر مخالفة لأحكام النظام المذكور.

 

٦إن نشر البيان بالصيغة التي ورد فيها قد يحمل في طياته إلغاء للحماية  على خلاف حكم القانون، حيث أن الحماية ذات ارتباط عضوي بالخطر، و ليس بانتهاء أعمال الاستدلال و التحقيق الابتدائي، الأمر الذي قد ينطوي على مخالفة لأحكام المادة ١/١٣ /ج من النظام المذكور و الذي يربط بوضوح انقضاء الحماية بانتفاء الحاجة لها، بمعنى زوال الخطر الموجب لتوفير تلك الحماية، كما قد يشكل بيان الهيئة بالصيغة المعلنة إجهاضًا لمتطلب تشجيع سائر المواطنين والمواطنات على القيام بواجبهم في الإبلاغ عن شبهات الفساد، ما قد يشكل انتكاسة حقيقية لخطة  مكافحة ناجعة منتجة للفساد.

 

 

7–  لم تعالج الهيئة الادعاء بعدم  احترام قرار الحماية، والمضي بانتهاك حقوق المبلغتين الشاهدتين،  ، ما ينبئ عن تقصير لا تقف سلبياته على المبلغتين فحسب، بل تنصرف الى الدفع بالصمت المجتمعي اتجاه شبهات الفساد، ما يوجب على الهيئة اتخاذ المقتضى القانوني الذي يدفع أي خطر يمس بحقوق المبلّغتين الوظيفية والقانونية والشخصية.

 

٨إن ما تضمنه البيان من أن الهيئة أصدرت قرار حماية للمبلّغتين وإن كان يخالف النظام، إلا أنه يحمل في طياته إقرارًا بجدية البلاغ، وإقرارًا بأن موضوع البلاغ  يشكل شبهة جريمة فساد، الأمر الذي كان يوجب أن يُحال أمر البت فيها إلى المحكمة، لا أن يتم الإعلان وعلى خلاف القوانين والأنظمة من قبل الهيئة منفردة وبخروج عن اختصاصها، وبتعديّها على اختصاصات سلطة قضائية، بأنها قررت بأن موضوعه البلاغ مخالفة إدارية لا ترقى إلى شبهة فساد.

 

وأمام ذلك كله، أكد مركز مساواة على ضرورة رجوع هيئة مكافحة الفساد عن بيانها، واتخاذ المقتضى القانوني بشأن موضوعه  وفقاً للأصول.

 

إغلاق