مركز حقوقي: تعميم أبو شرار لتكميم أفواه القضاة ظلامي

مركز حقوقي: تعميم أبو شرار لتكميم أفواه القضاة ظلامي

رام الله/

شدد مركز حقوقي على عدم قانونية التعميم الصادر عن رئيس المجلس الأعلى الانتقالي للقضاء عيسى أبو شرار بمنع القضاة من الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووصف هذا التعميم بأنه "ظلامي".

 

وكان أبو شرار قد أصدر بتاريخ 11/6/2020 تعميماً موجه إلى رؤساء وقضاة المحاكم، ومعنوناً بما أسماه التدوين على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمن إلزام القضاة بعدم تناول أي مواضيع تتصل بالسلطة القضائية أو السلطات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت طائلة المساءلة.

 

وشدد المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" أنه يرى في التعميم المذكور تعميماً منعدماً وغير ذا قيمة أو أثر ويجدر طرحه جانباً وعدم الالتفات إليه، وإلغائه فوراً ودون إبطاء، لانطوائه على سياسة وفكر وسلوك إداري ظلامي استعلائي استحواذي، يفتقد لأدنى متطلبات المشروعية والدستورية، فهو يعبث بحق المواطنة وينزع صفة المواطن/ة عن القاضي/ة، ويمس وينهك الحقوق الدستورية للقاضي/ة والمواطن/ة على السواء، ويحول دون تطوير الفكر القانوني.

 

 

وأضاف أن التعميم بمنع الحديث عبر الإعلام يحوّل القضاة إلى أُجَراء ويمنعهم من التفكير والإبداع، ويفقدهم استقلاليتهم، ويمس بشعورهم الوطني وانتمائهم المجتمعي، ويعبر عن هيمنة واستبداد تتأبّاه الوظيفة العامة وتلفظه الوظيفة القضائية، ويجسد سياسة التبعية والولاء، ويهدّد الأمن الوظيفي والإنساني للسادة القضاة/ات، ويشيع ثقافة الظلام والعبودية، ما يوجب حمل المجلس الانتقالي على إلغائه الفوري من خلال رفع الصوت المجتمعي في مواجهة سياسة التجهيل والاستعباد المناقضة لإعلان الاستقلال والقانون الأساسي.

 

وأكد مساواة أن التعميم الظلامي يمثل انحداراً شديداً نحو الهاوية، ويُفقد ثقة المواطنين/ات بالقضاء ومنظومة العدالة برمتها، ويشكل تسلطاً على حقوق الغير، وحجراً على العقول، وانحدار بالقيم الإنسانية والمس بالكرامة الإنسانية، إن لم نقل أنه يمثل خطيئة تستدعي المساءلة، وتعميق لأزمة حكم قد تسهم في تعزيز فرص الفوضى والفلتان وبخاصة في ظل التهديد الوجودي لشعبنا التواق للحرية والكرامة والعدالة، والحياة بعيداً عن التنمر والفساد.

 

تفنيد التعميم قانونا

وقال المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء إنه بعد أن وقفنا على نص التعميم –والذي جرى إنفاذه بإحالة قضاة للتحقيق على خلفية إبداء رأيهم بشأن قضائي على صفحاتهم الخاصة على الفيسبوك- الذي يُشكّل استطراداً لتعاميم متتالية أصدرها رئيس الانتقالي منذ عام 2005 إبّان أن كان رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، تضمنت منعاً للقضاة من المشاركة في أي لقاء قانوني أو ورشة عمل إلاّ بإذن مسبق منه، ثم وفي تعاميم لاحقة حظر على القضاة تناول أي أمر يتعلق بالشأن القضائي، إلى أن انتهى بهذا التعميم الذي حظر على القضاة تناول أي شأن عام يتصل بالسلطات العامة وخاصة السلطتين التنفيذية والقضائية.

 

وأكد المركز أن في ذلك انتهاكاً لمبادئ ونصوص وأحكام القانون الأساسي، وبخاصة تلك الناظمة للحقوق والحريات المصانة للمواطنين/ات بصريح نص المادة العاشرة من القانون الأساسي الذي نص في المادة 32 منه على أن أي مساس بالحقوق والحريات الأساسية الواردة في الباب الثاني منه جريمة لا تسقط بالتقادم وتلزم الدولة بالتعويض، وفضلاً عن تعارضه البين مع أحكام المادتين 9 و26 من القانون الأساسي الضامنتين للمساواة دون تمييز لسائر المواطنين/ان، ولحقهم في المشاركة ودون تمييز أيضاً في الحياة السياسية العامة بما فيها الحق في تكوين الجمعيات وإبداء الرأي في كل ما يتصل بحاضر ومستقبل وطنهم وشعبهم، والحق في تقلد الوظائف العامة دون تمييز وعلى قاعدة تكافؤ الفرص.

 

وهذا التعميم شأنه شأن التعميمات السابقة، وفق مساواة، وإن كان أخطرها يناقض العهود والاتفاقيات الدولية المنضمة لها دولة فلسطين والملزمة بأحكامها، وبخاصة لائحة الحقوق الدولية ومكوناتها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما وينتهك المبادئ القضائية المستقرة في الوجدان القانوني الإنساني، ومنها ما أرسته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من أن "القضاة يكون من واجبهم وليس حقهم فقط بأن يعبروا عن آرائهم بشأن قضايا تهم السلطات العامة، بما فيها انتقاد الجهاز القضائي ذاته، باعتبارها مسائل ذات أهمية بالغة، وثيقة الصلة بالمصلحة العامة، ما يوجب طرحها للنقاش الحرّ في مجتمع ديمقراطي"، ويتجاوز ويخرج عن الإرادة السياسية المعمول بها في الدول المدنية الديمقراطية، والتي تخصص في موازناتها العامة مبالغ مالية كبيرة لتشجيع القضاة ومكافأتهم على إسهامهم في الحوار المجتمعي المتضمن النقد لكافة مظاهر أداء السلطات العامة، ومن ضمنها السلطة القضائية، ويجرح ما استقر عليه فقهاء القانون وأساتذة كليات الحقوق الذين أجازوا واعتادوا اعتماد نهج التعليق والانتقاد للأحكام القضائية في إطار مسعاهم لإرساء ثقافة حقوق الإنسان وسيادة القانون.

 

 

وأكد مساواة على أن القيد الوحيد الذي يرد على حق وواجب القاضي في إبداء رأيه في الشأن العام، ينحصر فقط في وجوب عدم تناوله لأمر يتعاق بنزاع معروض عليه للفصل فيه، أو معروضاً على زميل له لقول كلمة القضاء النزيه بشأنه، وفيما عدا ذلك فهو حر طليق في إبداء رأيه شأنه شأن أي مواطن/ة تكرس له/لها الحق في حرية الرأي والتعبير بوصفه حقاً دستورياً أساسياً كالحق في الحياة والكرامة الإنسانية.

 

وأشار إلى أن القوانين السارية وخاصة قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية تضمن نصوصاً وأحكاماً صريحةً وواضحةً وجليةً تحكم تنحي القضاة عن النظر في نزاع معروض عليهم لأسباب منها: سبق إبداء الرأي فيها، إلى جانب النصوص الناظمة لرد القضاة لأسباب من ضمنها سبق إبداء رأيهم بالنزاع المعروض أمامهم، وإذ نُشير أيضاً إلى أن الوظيفة القضائية حق للناس وليست ميزة شخصية لمشغلها، وإلى أن من يُختار لوظيفة القضاء يُفترض فيه القدرة على التمييز و الإدراك الذاتي للحدود والمساحات التي تحكم إبدائه لرأيه، ويفترض بالإدارة القضائية أن تثق بقدرة من اختارتهم لإشغال الوظيفة القضائية على التمييز ما بين الغثّ والسمين، وما بين المباح وغير المباح، وبخاصة أن السلطة القضائية كسُلطة يملك كل مواطن كامل الحق في الرقابة على أدائها وانتقاده، لأن ثمة فارق ما بين العمل القضائي أي الفصل في المنازعات والذي يخضع لضمير القاضي دون سواه ويحظر التدخل فيه، وبين الأداء السياساتي والإداري للإدارة القضائية والذي يخضع للرقابة الرسمية والتشريعية، والرقابة الشعبية ومن حق المواطن/ة إبداء الرأي فيهما وانتقادهما.

إغلاق