ورقة موقف.. الطريق إلى الإصلاح القضائي في فلسطين

ورقة موقف.. الطريق إلى الإصلاح القضائي في فلسطين

ائتلاف عدالة – الشاهد| تُعاني السلطة القضائية من خلل بنيوي بشري، في المقام الأول، قديم حديث، أدى مع مرور الزمن وتراكم الأزمة وغياب إرادة الإصلاح، رغم ملايين الأموال التي أُنفقت، إلى تدهور قطاع العدالة وتآكل منظومة الحقوق الطبيعية والدستورية للإنسان الفلسطيني المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتآكل ثقة المواطنين بالقضاء ومنظومة العدالة بسبب غياب العدالة الناجزة والانصاف لضحايا الانتهاكات، وتعميق التصدع الحاصل في النظام السياسي، والتفرد غير المسبوق بالسلطة والقرار والحقوق، وعدم الجدية في محاربة الفساد، بل ملاحقة مُنتقديه، وغياب دولة القانون.

 

يرى إئتلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (عدالة) الذي يضم أكثر من ستين مؤسسة أهلية واتحادات نقابية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس أن مشكلة القضاء الفلسطيني تكمن، بشكل رئيس، في هيمنة السلطة التنفيذية وأجهزتها على القضاء ومنظومة العدالة، خشية على شخوصها وقراراتها من قضاء مستقل ومحايد وكفوء، وخوفاً من المحاسبة والعدالة الناجزة. وأن السيطرة على القضاء جرت من خلال إضعاف وتهميش ممنهج للإدارات القضائية (المجالس القضائية) وتفرد رؤساء مجالس القضاء الأعلى المتعاقبين الذين جرى تعيينهم كما المجالس القضائية من قبل السلطة التنفيذية خلافاً للقانون الأساسي (الدستور) وقانون السلطة القضائية، وهيمنتهم على المجالس والقضاة والقضاء، ما أدى لتشكيل أحلاف داخل القضاء تتآزر مع السلطة التنفيذية ومتنفذين للنيل من سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاة والقضاء، وإخضاع السلطة القضائية والتحكم بمفاصلها، والنيل من الحقوق والحريات الدستورية، ومن محاولات جادة من النشطاء والمواطنين الفلسطينيين لمحاربة الفساد باستمرار غياب المحاسبة والعدالة والإنصاف.

 

السلطة القضائية، ليست سلطة مُنتخبة، وشرعيتها مستمدة من حمايتها للحقوق والحريات الدستورية للمواطنين، وهي المغزى من المطالب المجتمعية بإصلاح القضاء ومنظومة العدالة كحق للمجتمع. ورغم مرور عام على المجلس الانتقالي، الذي انفردت السلطة التنفيذية بتشكيله، وتعيين رئيسه، وتحديد مكافآته الشهرية، بموجب قرار بقانون تشكيله، إلاّ أنه لم يُعلن عن خطته للإصلاح، ولم ينشر أيّ تقرير يبين أيّ إنجاز تحقق في عهده بمسار الإصلاح. وفي المقابل، جرى التمديد للمجلس الانتقالي بناءً على تنسيب من المجلس ذاته وقرار من الرئيس وفق ذات القرار بقانون المخالف للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، وبذلك بقي الإصلاح تحت وصاية السلطة التنفيذية وبعيداً عن الشفافية والرقابة المجتمعية.

 

وبدل أن يُشكل المجلس القضائي (الإدارة القضائية) الدرع الحامي لاستقلال القضاة والقضاء وحماية الحقوق والحريات تحول إلى أداة بيد السلطة التنفيذية وأجهزتها للتغول على القضاة والقضاء والحقوق. ورغم تأكيد القانون الأساسي (الدستور) على الحرية الشخصية كحق طبيعي ودستوري للمواطنين، وقرينة البراءة، والمحاكمة العادلة، إلا أن التوقيف من قبل النيابة العامة وتمديد التوقيف من قبل القضاء استُخدم بكثافة وبخاصة منذ إعلان حالة الطوارىء التي لا زالت مستمرة على نحو غير دستوري، ودون الاطلاع على الملفات التحقيقية في أغلب الأحيان وبخاصة في مواجهة نشطاء الرأي والحراكيين المطالبين بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمعارضين لأداء السلطة التنفيذية وأجهزتها، والنيل من الحقوق الدستورية وبخاصة حرية التعبير والحقوق الرقمية والتجمع السلمي والخصوصية تحت عنوان الطوارىء، وإغلاق عشرات المواقع الإلكترونية التي تنتقد أداء السلطة التنفيذية وأجهزتها بقرارات قضائية خلافاً للدستور وضمانات المحاكمة العادلة، وغيرها، ما أدى لزيادة حدة التدهور الحاصل في القضاء والتغول على منظومة الحقوق في عهد المجلس الانتقالي.

 

شمل التضييق على الحقوق، القضاة أنفسهم، المنوط بهم دستورياً حماية الحقوق الدستورية؛ من خلال التعميمات التي صدرت عن رئيس المجلس الانتقالي – على غرار سابقيه – بشأن كتابات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي، وإحالة عدد منهم للتحقيق والتأديب على خلفية انتقادهم أداء المجلس الانتقالي، وانتداب عشرين قاضياً إلى الوزارات على دفعتين خلافاً للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية في عملية وصفتها نقابة المحامين التي تمثل الهيئة العامة للمحامين في أكثر من بيان صدر عنها بتصفية حسابات من جهات مُتنفذة من خارج القضاء سبق وأن تولّت إدارة القضاء، وحذرت منها جمعية نادي القضاة التي تمثل الهيئة العامة للقضاة في بيان صدر عنها ودون جدوى، علاوة على تعيينات جرت داخل القضاء بعيداً عن المساواة وتكافؤ الفرص وخضعت للفحص الأمني المسبق من قبل الأجهزة الأمنية (السلامة الأمنية) خلافاً للدستور والقانون، ووقف ترقيات مُستحقة لقضاة انتقدوا أداء المجلس الانتقالي، وإجراء تشكيلات قضائية خلافاً للقانون، وتغيير تشكيلات قضائية بما يمس الثقة بالقضاء، وغيرها، ما أدى لخلق أجواء أشبه بالبوليسية داخل القضاء.

 

لا يمكن أن يأتي إصلاح وتوحيد القضاء الفلسطيني عبر مخالفة الدستور وقانون السلطة القضائية، والمشكلة ليست في قانون السلطة القضائية الذي لم يُختَبر جدّياً لغاية الآن رغم أنه أساس صالح ومتطور لاستقلال القضاة والقضاء، وإنما في عدم احترام قانون السلطة القضائية، وما زال الخلل كامنٌ بشكل رئيس في إدارة القضاء التي تشكل بوابة عبور السلطة التنفيذية للنيل من استقلال القضاء، وترهيب القضاة بأشكال مختلفة، والنيل من الحقوق والحريات، من خلال القضاء ومنظومة العدالة. وما زالت، المحاولات جارية ومستمرة، للسيطرة على مجلس القضاء الأعلى الدائم القادم، قبل انتهاء المجلس الانتقالي الحالي، الذي فقد ثقة الجميع مع انضمام مؤسسات مجتمع مدني ومطالبتها بالعودة سريعاً ودون إبطاء إلى تشكيل مجلس قضاء دائم وفق قانون السلطة القضائية وعدم التدخل في الشأن القضائي وعدم المساس بقانون السلطة القضائية وإعادة النظر في تشكيل المحكمة الدستورية العليا بما يضمن استقلالها وحيادها وإبعادها عن التسييس.

 

وأمام هذا المفترق الحاسم، الذي يتأرجح حالياً بين الإجماع على تشكيل مجلس قضاء أعلى دائم يشكل درعاً حامياً لاستقلال القضاة والقضاء وحماية الحقوق والحريات الطبيعية والدستورية، مقابل المحاولات المستمرة للسلطة التنفيذية للسيطرة على المجلس الدائم القادم بذات النهج وذات الهيمنة من خلال السيطرة على رئيسه وتهميش دوره والتكوين والبناء المؤسسي للإدارة القضائية، فإن إئتلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (عدالة) يُعلن موقفه بالآتي:

 

1. عدم المساس، نهائياً، بقانون السلطة القضائية النافذ لحين إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية بأسرع وقت وتولي المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب صلاحياته الدستورية في التشريع والرقابة على أداء السلطة التنفيذية وأجهزتها، والالتزام بالقانون الأساسي الذي يحظر التدخل في الشأن القضائي وقانون السلطة القضائية في مسار الإصلاح القضائي.

 

2. حل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، فوراً، كون تشكيله جرى بالمخالفة لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، ولاستمرار التدهور الحاصل في القضاء ومنظومة العدالة وفق ما أكدته البيانات الصادرة عن نقابة المحامين التي تمثل الهيئة العامة للمحامين، وجمعية نادي القضاة التي تمثل الهيئة العامة للقضاة، ومؤسسات مجتمع مدني، ولكون المجلس الانتقالي لا يستطيع بالتشكيل والنصاب الحالي اتخاذ أيّ قرار بموجب أحكام المادة (40) من قانون السلطة القضائية، ولقطع الطريق على أية محاولات لسيطرة السلطة التنفيذية على المجلس القضائي الدائم قبل مغادرة الانتقالي.

 

3. تشكيل مجلس قضاء أعلى دائم، بقوة القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، بحيث يحل أقدم قضاة المحكمة العليا محل أقدم نواب رئيس المحكمة العليا ويتولى رئاسة مجلس القضاء الدائم عملاً بأحكام بالفقرتين (1) و (3) من المادة (38) من قانون السلطة القضائية، إلى حين قيام المجلس الدائم بتنسيب رئيس للمحكمة العليا والمجلس القضائي وتعيينه وفقاً للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية ودون أيّ تدخل أو تأثير من السلطة التنفيذية. خاصة وأن أيّ تنسيب يصدر عن المجلس الإنتقالي الحالي يعد باطلاً لافتقاره للنصاب القانوني علاوه على عدم دستورية المجلس الانتقالي.

 

4. سحب قرارات الندب للقضاة على الوزارات لانتهاكها أحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وانطوائها على نوع من العزل والعقوبة المقنّعة التي استهدفت القضاة وعودتهم لعملهم واحترام القانون في أيّ إجراء يتخذ بحق القضاة.

 

5. حل المحكمة الدستورية لمخالفة تشكيلها والعديد من القرارات الصادرة عنها قواعد الحياد والاستقلالية وأحكام القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية، وفق ما أكدت عليه العديد من البيانات وأوراق الموقف الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني وخبراء في القانون الدستوري ولجان الاتفاقيات في الأمم المتحدة، وتولي المحكمة العليا بصفتها الدستورية مهامها مؤقتاً وفق القانون الأساسي لحين تشكيل محكمة دستورية حارسة للقانون الأساسي وحامية للحقوق الدستورية.

 

6. يتولى مجلس القضاء الأعلى الدائم، المشكل وفق القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، بلورة خطة للإصلاح القضائي بشفافية تامة، وعلى قاعدة أن الإصلاح القضائي حق للمجتمع ككل، وبسقف زمني محدد في الخطة، تتضمن معالم الإصلاح، والأدوار والمسؤوليات، وآليات التنفيذ على الأرض، والجداول الزمنية، والرقابة على مرحلة التنفيذ، وتكفل إصلاح وتوحيد القضاء في الضفة الغربية وقطاع غزة كمقدمة أساسية لاستعادة وحدة المؤسسات في الضفة والقطاع.

 

7. وقف حالة الطوارىء المستمرة منذ آذار 2020 ولغاية الآن لمخالفتها أحكام القانون الأساسي المعدل (الدستور) والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتعزيز حالة الحقوق والحريات العامة، والعمل الجاد على محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين.

 

8. توحيد وتكثيف الجهود وحملات الضغط والمناصرة لإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية بأسرع وقت ممكن، بعد أن وافقت جميع القوى والأحزاب السياسية في الضفة والقطاع بما يشمل حركتي فتح وحماس خطياً على إجرائها منذ كانون الأول/ديسمبر 2019 وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية منذ ذلك الوقت جهوزيتها الكاملة لتنفيذها بمراحلها كافة، وضمان بيئة انتخابية حرة قائمة على صيانة وتعزيز الحقوق، واحترام نتائج الانتخابات، وانتظامها، وفق الدستور والقانون.

إغلاق