كتب عصام عابدين: الانتخابات في القدس المحتلة حق أصيل

كتب عصام عابدين: الانتخابات في القدس المحتلة حق أصيل

رام الله – الشاهد| كتب/ د. عصام عابدين: ردد الرئيس محمود عباس وعدد من المسؤولين وحَركات وأحزاب سياسية في أكثر من مناسبة أن الانتخابات العامة لن تجري بدون القدس، في ظل شكوك في أن تُستكمل العملية الانتخابية تحت عنوان القدس.

 

علماً أن الكلام البديهي بعد إصدار مرسوم الانتخابات على الأقل ينبغي أن ينصب باتجاه الإجابة على سؤال: كيف ستجري الانتخابات في القدس المحتلة؟ وتوحيد الجهود في هذا الاتجاه في مسار العملية الانتخابية وليس الاكتفاء بترديد عبارة لن تجري الانتخابات بدون القدس.

 

تستند الالتزامات التي يُمليها القانون الإنساني الدولي على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، في القدس المحتلة، كما الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لاتفاقية لاهاي بشأن قواعد وأعراف الحرب لسنة 1907 التي تندرج في إطار القانون الدولي العرفي واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب التي تندرج في جانب كبير منها تحت القانون الدولي العرفي، والعديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.

 

فضلاً عن القانون الدولي لحقوق الإنسان وبخاصة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت المادة الأولى بشأن الحق في تقرير المصير والقرارات الدولية ذات الصلة، وفتوى محكمة العدل الدولية بشأن جداد الضم.

 

الاحتلال، حالة مؤقتة، وإنْ اتخذ شكل الضم غير المشروع، ولا تكتسب قوة الاحتلال سيادة على الإقليم الواقع تحت الاحتلال، لأن السيادة تبقى دوماً للشعب الواقع تحت الاحتلال.

 

الانتخابات حق

ولكل شعب الحق في تقرير المصير، والانتخابات شكل من أشكال هذا الحق، وهو من القواعد القطعية الآمرة في القانون الدولي، الذي يُرتب واجبات والتزامات على الدول فرادى وعلى المجتمع الدولي لتمكين الشعوب من ممارسة هذا الحق، الذي يُعرف في القانون الدولي بالتزامات الحجة على الكل.

 

تعرضت الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996 والانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 لانتقادات في الشارع الفلسطيني كونها جرت وفقاً لاتفاقية أوسلو وبخاصة الملحق الثاني المتعلق بتفاصيل العملية الانتخابية الذي ينص أيضاً على أن يقوم "عدد" من فلسطينيي القدس بالانتخاب "داخل مكاتب البريد" في القدس المحددة في ذات الملحق.

 

في حين أن اتفاقية أوسلو، كما ملاحقها، علاوة على انتهاء مدتها الزمنية (خمس سنوات) كاتفاقية مرحلية وفقاً لديباجة الاتفاقية، فإنها مخالفة للقانون الدولي مخالفات جوهرية تُرتب البطلان وبخاصة اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقية جنيف الرابعة 1949 واتفاقية فينا لقانون المعاهدات 1969.

 

تأييد قانوني

حيث تحظر اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة إبرام اتفاقيات تنتقص من حقوق السكان الواقعين تحت الاحتلال، فيما تنص اتفاقية فينا على بطلان أية اتفاقية تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي.

 

نخلص من هذا العرض السريع؛ بأن القفز لإجابة مفادها أنه لن تجري الانتخابات بدون القدس خلال مسار العملية الانتخابية، لا تُغني، بجميع الاحوال، عن الإجابة على السؤال: كيف ستجري الانتخابات (الآلية) في القدس المحتلة؟ .

 

كما أن ترديد عبارة لن تجري الانتخابات بدون القدس لا يُجيب أيضاً عن سؤال: مَن هي الجهة المخولة أساساً بإلغاء الانتخابات العامة كاستحقاق دستوري بموجب القانون الأساسي الفلسطيني.

 

وسؤال آخر: على أي أساس يتم إلغاء الانتخابات العامة حال منعت سلطات الاحتلال إجراء الانتخابات في منطقة القدس المحتلة؟ وبخاصة في ظل نظام انتخابي يقوم على التمثيل النسبي الكامل ويعتبر الأرض الفلسطينية المحتلة، دائرة انتخابية واحدة، لغرض الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مُقسّمة إلى ست عشرة منطقة انتخابية، بما يشمل منطقة القدس، ما يعني أن هذا المنع لا يطعن بمصداقية ونزاهة العملية الانتخابية بقدر ما يُسلط الضوء على الانتهاكات الممنهجة لقوة الاحتلال في القدس والإقليم الفلسطيني المحتل عموماً والنضال المشروع لنيل الحق في تقرير المصير، ومسؤولية الدول والمجتمع الدولي ككل اتجاه القدس وباقي الأرض المحتلة.

 

لا يوجد ذرائع

لا يحق للرئيس إلغاء الانتخابات، لا بذريعة الانتخابات في منطقة القدس المحتلة ولا لأي سبب آخر، ولا يوجد نص في القانون الأساسي (الدستور) وقرار بقانون الانتخابات العامة 2007 وتعديلاته والمنظومة التشريعية الفلسطينية يمنحه هذه الصلاحية على الإطلاق.

 

كونها تشكل اعتداءً خطيراً على الدستور (العقد الاجتماعي) وإرادة الشعب مصدر السلطات. ومرسوم إجراء الانتخابات "كاشف" عن حق طبيعي ودستوري راسخ في القانون الأساسي ولا يخوله إلغاء العملية الانتخابية.

 

مخالفة قانونية

كما أن إلغاء الانتخابات حال منعت سلطات الاحتلال الانتخابات في منطقة القدس الانتخابية يتعارض أيضاً مع القانون الأساسي وقرار بقانون الانتخابات العامة ذاته لأنه لا يؤثر في شرعية ومصداقية الانتخابات العامة التي تقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل على اعتبار أن الأرض الفلسطينية المحتلة دائرة انتخابية واحدة لغرض الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية.

 

بقدر ما ينبغي أن يشكل حافزاً للنضال المستمر والمشروع في القانون الدولي في مواجهة احتلال استعماري طويل الأمد بنى نظام فصل عنصري (أبارتهايد) بالقدس وسائر الأرض المحتلة للتحرر من الاحتلال وتقرير المصير.

 

وهذا يتطلب، على أقل تقدير، إنفاذ قانون العاصمة رقم (4) لسنة 2002 الذي أقره المجلس التشريعي الفلسطيني منذ ما يقارب (20) عاماً وبقي حبراً على ورق، وللتذكير، فقد نص القانون على أن تُخصص حصة خاصة سنوياً من الموازنة العامة إلى مدينة القدس وتوضع البرامج والخطط لتشجيع الاستثمار العام والخاص فيها وتظل منطقة تطوير (أ) ذات أولوية خاصة، ولا توجد موازنة خاصة بالقدس في جميع الموازنات العامة منذ نشوء السلطة الفلسطينية للمساهمة في تعزيز صمود المقدسيين على أرضهم بأقل تقدير، فهل باتت القدس المحتلة تتحمل أوزار التهميش والإقصاء والانتخابات وتعطيل الحياة الديمقراطية؟.

 

تجسيد السيادة

كما أنَّ انتظار موافقة سلطات الاحتلال على إجراء الانتخابات في منطقة القدس المحتلة هو بحد ذاته إجراء محظور في القانون الدولي لأنه يعني التخلي عن حقوق سيادية على جزء من الإقليم المحتل على نحو ينتقص من حقوق الشعب الواقع تحت الاحتلال، وينتقص من حق الشعب الفلسطيني في تجسيد السيادة على أرضه في مسار الحق في تقرير المصير.

 

بالرجوع إلى قرار بقانون الانتخابات العامة وتعديلاته لا سيما المادة (115) الواردة تحت عنوان "الانتخابات في القدس" فقد نصت على ما يلي"1. وفقاً لأحكام هذا القانون تعد اللجنة سجلات الناخبين الفلسطينيين في القدس، ولها اتخاذ أية إجراءات واتباع أية وسائل تراها مناسبة لضمان تمكين الناخبين في القدس من ممارسة حقهم في الاقتراع 2.

 

يجري الاقتراع في القدس وفق أحكام هذا القانون ووفق الأنظمة والتعليمات والإجراءات التي تضعها اللجنة [لجنة الانتخابات المركزية] 3. مع مراعاة ما ذكر في الفقرتين (2،1) أعلاه، تطبق أحكام هذا القانون على الانتخابات التي تجرى في القدس شأن أي منطقة انتخابية أخرى في فلسطين". في ضوء ما سبق، فإن هذا النص هو الذي ينظم العملية الانتخابية في منطقة القدس المحتلة.

 

البحث عن حلول

وبالتالي، ووفقاً للنص المذكور، وفي ضوء ما سبق، فإنه يتوجب على لجنة الانتخابات المركزية أن "تُبادر" إلى اتخاذ الإجراءات والوسائل التي تراها اللجنة مناسبة، أي أن تضع اللجنة السيناريوهات التي تراها مناسبة، من أجل ضمان تمكين الناخبين الفلسطينيين في القدس من ممارسة حقهم في الاقتراع، باعتبارها الجهة المكلفة قانوناً بذلك، بما يشمل قيام اللجنة بوضع الأنظمة والتعليمات والإجراءات التي تراها كفيلة بتمكين الناخبين في القدس من ممارسة حقهم في الاقتراع.

 

وذلك لأن لجنة الانتخابات المركزية هي الجهة المخولة قانوناً وحصراً بالإشراف على العملية الانتخابية برمتها وضمان مصداقيتها ونزاهتها. 

 

وفي إطار وجوب قيام لجنة الانتخابات المركزية بـ"المبادرة" لاتخاذ الإجراءات والوسائل التي تراها (اللجنة) مناسبة، يمكن للجنة التشاور مع القوائم الانتخابية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في سياق العملية الانتخابية المستمرة من أجل الوصول إلى السيناريو أو السيناريوهات الأنسب لتمكين الناخبين في منطقة القدس الانتخابية من ممارسة حقهم في الاقتراع.

 

ولا يحق للجنة الانتخابات المركزية التخلي عن تلك الصلاحيات القانونية الحصرية بالصمت أو الانتظار أو ترديد عبارة لن تجري الانتخابات دون القدس، لأنها، والحالة تلك، تمس باستقلاليتها، وتخرج عن حدود صلاحياتها القانونية الحصرية التي تنصب على اتخاذ الإجراءات والوسائل اللازمة لتمكين الناخبين في القدس من ممارسة حقهم في الاقتراع.

 

وإذا كانت اتفاقية لاهاي بشأن قواعد وأعراف الحرب واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب تُلزم السلطة القائمة بالاحتلال باحترام القوانين السارية في الإقليم الواقع تحت الاحتلال باستثناء حالة الضرورة (الضرورة العسكرية) التي تحول دون ذلك فمن باب أولى أن يحترم ممثلو الإقليم المحتل قوانينهم السارية داخل الإقليم.

إغلاق