سلاح الفلتان والفوضى.. من أين مصدره وما علاقة السلطة بانتشاره؟

سلاح الفلتان والفوضى.. من أين مصدره وما علاقة السلطة بانتشاره؟

الضفة الغربية – الشاهد| أثارت الحوادث المؤلمة التي شهدتها مدن الضفة الغربية خلال الأيام والأشهر الأخيرة، والتي يستخدم فيها السلاح الناري، العديد من التساؤلات عن كمية الأسلحة الضخمة الموجودة في الضفة الغربية، ومصدرها، وغض السلطة الطرف عن انتشار ذلك السلاح واستخدامه في الجرائم.

السلاح الذي يشاهد فقط خلال الشجارات العائلية أو لاستعراض القوة وإرهاب المواطنين، أو لحماية الشخصيات في السلطة وحركة فتح، ذاته لا يشاهد مطلقاً خلال الاقتحامات اليومية لجيش الاحتلال لمدن وقرى الضفة، فما هو مصدره؟ وكم عدد قطع السلاح بالضفة؟ وكيف تتعامل السلطة معه؟.

مصدر السلاح

تشير بعض الاحصائيات غير الرسمية أن الضفة يوجد بها بين 70 و100 ألف قطعة سلاح من أنواع مختلفة وفي مقدمتها قطعة الـ (M16) الإسرائيلية، 26 ألف قطعة منها تابعة لأجهزة السلطة، وغالبيتها من نوع كلاشينكوف الروسي ومسدسات شخصية، ناهيك عن ملايين الطلقات النارية لتلك الأسلحة.

تشكل السوق الإسرائيلية المصدر الأول للسلاح المنتشر في الضفة، والذي يباع بمبالغ مالية كبيرة إذ تصل سعر بندقية الـ (M16) بين 15-21 ألف دولار أمريكي، فيما يبلغ سعر بندقية الكلاشينكوف بين 111-13 ألف دولار أمريكي، والمسدس يصل متوسط سعره الـ 9 آلاف دولار.

ويهدف الاحتلال الإسرائيلي من السماح بإدخال وتجارة ذلك السلاح في الضفة إلى خلق حالة من التفسخ الاجتماعي، إذ يعي الاحتلال أن غالبية المجتمع مكون من عشائر وعائلات كبيرة، والسلاح لديهم يشكل مصدر قوة وحماية لهم خلال النزاعات الداخلية، ناهيك عن قناعتها أن إشباع رغبات شبان تلك العائلات لغريزتهم في اقتناء السلاح وإطلاق النار خلال الشجارات يبعدهم عن الانخراط في التنظيمات الفلسطينية لمواجهة الاحتلال.

تؤكد العديد من المصادر أن مناطق (ج) تعتبر المناطق الأكثر انتشاراً للسلاح، إذ تستطيع العائلات حمله بكل حرية، ناهيك عن تسهيل الاحتلال ومستوطنيه بيع السلاح للفلسطينيين، مقابل مبالغ مالية، إذ أن الجزء الأكبر من ذلك السلاح يقوم جنود الاحتلال وبعض المهربين بسرقته من مخازن جيش الاحتلال.

أما المصدر الثاني للسلاح المنتشر في الضفة، فيتم تهريبه عبر الحدود مع الأردن، والذي يذهب الجزء الأكبر منه لتسليح مليشيات استحدثتها قيادات فتح المتنازعة فيما بينها، والتي تستعد جميعها لمعركة خلافة رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس.

ويشكل السلاح المصنع داخل الضفة المصدر الثالث لذلك السلاح، إلا أنه يتواجد بشكل أقل ويستخدم ما يتم تصنيعه في مقاومة الاحتلال، إذ أن غالبية قطع السلاح التي استخدمها الفدائيون خلال تنفيذ العمليات المسلحة ضد الاحتلال خلال السنوات الأخيرة هي من نوع "كارلو" محلي الصنع.

ينقسم تجار السلاح في الضفة إلى قسمين، تجار صغار، ومشغلون كبار، حيث يقوم التجار الكبار بتوزيع السلاح على تجار أصغر منهم ليتاجروا بها، وهؤلاء من يعرفون في حين يبقى التاجر الكبير في الظل مجهولا.

تواطؤ وعجز السلطة

مدير قسم التحقيق في جهاز الاستخبارات العسكرية التابعة للسلطة عبد الكريم وادي وفي تصريحات صحفية سابقة كشف أن السلطة لا تستطيع ملاحقة ومحاسبة حملة السلاح ومرتكبي الجرائم لأن القانون الحالي لا يشكل رادعاً لمرتكب الجريمة، أو حامل السلاح.

وشدد وادي على أن الأسباب الأخرى تتمثل في وجود بعض الفئات من القيادات العليا في السلطة التي تملك حصانة من نوع ما، يسمح لها من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حيازة السلاح.

وبين أن 99 بالمائة من السلاح الموجود في الضفة الغربية يستخدم في الخلافات العائلية والنزاعات الشخصية، فيما يستخدم الـ 1 بالمائة فقط لمقاومة الاحتلال، لافتاً إلى أن السلاح الموجود يشكل خطراً على المجتمع وليس الاحتلال، وهو ما يدفع الأخير لعدم ملاحقته والسماح بإدخاله إلى الضفة.

هدف السلطة بانتشار السلاح

السلطة ومن خلال ما تعانيه من فساد ينخر جسد مؤسساتها الرسمية، وحالة الغليان التي يعيشها الشارع الفلسطيني، على سلوكياتها، وتحديداً في جوانب الفساد والتنسيق الأمني وغياب العدالة الاجتماعية، وتفشي البطالة واستئثار الطبقة الحاكمة بالمال والوظائف، جعل من أهدافها إغراق الضفة بالسلاح لإلهاء الشعب بالصراعات الداخلية.

ومثل الشجار الكبير بين عائلتي الجعبري والعويوي في الخليل خلال الأيام الماضية، المثال الأوضح على أهداف السلطة من سماحها بانتشار السلاح، إذ أوهمت السلطة نفسها بأن تلك الحادثة وتوقيتها قد يشكل طوق نجاة لها من جريمة اغتيال الناشط بنات وحرف أنظار الشعب عنها.

مصادر خاصة من مدينة الخليل كشفت لـ"الشاهد" أن السلطة لم تدفع فعلياً بقوات يمكنها من السيطرة على الخلاف الكبير بين العائلتين، ناهيك عن أن القوات القليلة التي وصلت الخليل تنتشر في بعض المفترقات دون أن تحرك ساكناً تجاه أعمال التخريب والحرق وإطلاق النار على منازل المواطنين.

وأوضحت المصادر أن عملية انتشار بعض عناصر السلطة في الخليل لا توحي بالمطلق أن الانتشار وفق خطة أمنية تهدف إلى السيطرة على شجار كبير، بل هو انتشار من أجل الظهور الزائف بأن السلطة وأجهزتها تحاول السيطرة على الشجار وحماية المواطنين.

المصادر أكدت أن المعلومات التي وصلت من قيادة السلطة في رام الله إلى محافظ الخليل جبرين البكري وقادة أجهزة السلطة بالمدينة، بأن لا يتدخلوا في إنهاء الخلاف أو السيطرة على عمليات الحرق وإطلاق النار وتحديداً في المناطق التي تسيطر عليها السلطة.

وشددت المصادر على أن الهدف من ذلك هو إبقاء الخلاف بين العائلتين أكبر مدة ممكنة بهدف حرف الأنظار عن الاحتجاجات التي يشهدها الشارع بشأن قضية اغتيال نزار بنات، والتي تصل ذروتها يوم السبت من كل أسبوع.

ارتفاع مخيف في الجريمة

هذا وشهد العام 2021 زيادة كبيرة في نسبة ارتكاب الجريمة بنحو 40% في الضفة الغربية، مقارنة مع ذات الفترة من العام السابق، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام التساؤل عن الدور الغائب الاجهزة الامن في ضبط الحالة الأمنية ومنع حدوث جرائم.

وأعلن الناطق باسم جهاز الشرطة في رام الله لؤي ارزيقات، أن نسبة الجريمة ارتفعت بنسبة 40% منذ بداية عام 2021 حتى حزيران، فيما ارتفعت جريمة القتل بنسبة 69% مقارنة مع نفس الفترة من العام 2020 في الضفة الغربية.

وأضاف ارزيقات إنه منذ مطلع العام الجاري قتل 22 مواطنا، في 18 جريمة، مقارنة مع العام 2020 الذي قتل فيه 13 مواطنا في 13 جريمة.

فيما شهد الشهر الماضي 5 جرائم قتل بالضفة، نتيجة شجارات عائلية وخلافات شخصية، ناهيك عن إصابة العشرات وحرق وتدمير عشرات المحال التجارية والممتلكات.

السلطة تتحمل المسئولية

مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان عمار دويك اعتبر أن ما يحدث في مدينة الخليل وغيرها من مدن الضفة من جرائم وشجارات بالأمر الخطير جداً لكنه ليس بجديد، فالظاهرة بدأت تتكرر وتقوى في الضفة منذ عدة سنوات، نتيجة عدة تراكمات واخطاء وتساهل الجهات الرسمية.

وأضاف: التواطؤ من قبل السلطة كان في منحنيين، الأول هو مسألة فوضى السلاح حيث دخلت العائلات الفلسطينية في سباق تسلح وبدأ البعض بتكديس الأسلحة لحماية نفسه دون وجود ضبط، أما المنحى الآخر فهو وجود بعض الظواهر السلبية للأعراف العشائرية، حيث تتسامح معه الحكومة وتشرعنه وتمأسسه في بعض الأوقات من خلال لجان في المحافظات".

وأوضح الدويك أن من بعض مظاهر القضاء العشائري السلبية هي العقوبات الجماعية وإجلاء عائلات من بيوتها وظاهرة ما يسمى بفورة الدم التي يتم فيها استهداف الأملاك بسبب اسم العائلة ورغم ذلك فان السلطة تعلم عن فورة الدم في بعض الاماكن ولا تأخذ إجراءات.

وشدد على أن المؤسسة الرسمية وأجهزة السلطة تتحمل المسؤولية عن كل ما يحدث ويجب فرض هيبة القانون لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.

سلاح فتح

من جانبه، اعتبر الناشط الحقوقي عيسى عمرو أن معظم سلاح العشائر هو سلاح تنظيم فتح، منوهاً إلى أنه عندما يتم اعتقال أي مسلح أو خارج عن القانون تتدخل قيادات وازنة لأجهزة السلطة للإفراج عنه، منوهاً إلى أنه وصل الحد إلى إرجاع سلاح لبعض الخارجين عن القانون بعد اطلاقهم الرصاص على منازل المواطنين الآمنين.

وأوضح عمرو أن بعض الفاسدين في السلطة حاولوا ابتزاز المواطنين بسلاحهم المحمي من أجهزة السلطة، مضيفاً: "عندما تعمل الأجهزة الأمنية على مصادرة جميع الأسلحة وأولها أسلحة التنظيم الذي لا يستخدم ضد الاحتلال بتاتاً ويستخدم في فرض العضلات ومعظم حامليه أفراد أجهزة أمنية، وعندما يسود القانون على الجميع ستختفي معظم مظاهر الفلتان".

وختم عمرو بالقول: "أنتم مسؤولون عن الفلتان إما بالمشاركة فيه أو بالسكوت عنه أو بسبب خوفكم وضعفكم، فبلاش خطابات وشعارات والظهور امام الجمهور وكأنكم تحلون المشاكل، إللي بده يحل المشاكل يطبق القانون على نفسه وجماعته وابناء تنظيمه أولاً".

إغلاق