كتب أنيس فوزي قاسم: شرعية الرئيس محمود عباس

كتب أنيس فوزي قاسم: شرعية الرئيس محمود عباس

رام الله – الشاهد| كتب أنيس فوزي قاسم: يمارس الرئيس محمود عباس نشاطه الدبلوماسي والسياسي كالمعتاد وكأن الأمور طبيعية، ولم تطرأ حوادث تدعو إلى التغيير، حيث اجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي، واجتمع مع وزير الحرب الإسرائيلي، ومع مسؤولين أمنيين إسرائيليين، وارتقى مستوى اجتماعاته حتى التقى في القاهرة مع العاهل الأردني الملك عبد الله، ومع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويطالب رئيس وزرائه، الدكتور محمد اشتيه، بعقد اللجنة الرباعية وتفعيل المسار السياسي الذي اقترحته اللجنة، وطلبه هذا لا يتم طبعاً بدون تفويض من الرئيس محمود عباس.

 

فمن أين يستمد الأخ أبو مازن هذه الصلاحيات، التي يجتمع فيها مع رؤساء دول وسياسيين ويتفاوض معهم، ولابدّ أنه يقدم تعهدات والتزامات لهم للقيام بأعمال محددة، أو يتعهد بعدم القيام بتلك الأعمال؟ وما هي مرجعيته في هذه الصلاحيات، علماً بأن ليس لديه حتى هيئة استشارية؟.

 

من المتفق عليه أن المادة (36) من القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية تنص على أن ينتخب رئيس السلطة لمدة أربع سنوات، وينتخب لدورتين متتاليتين فقط. وقد تمّ انتخاب الأخ أبو مازن بعد وفاة المرحوم ياسر عرفات عام 2005، وقام بأداء اليمين الدستورية بتاريخ 15/1/2005، أي أن فترة رئاسته الأولى انتهت في 15/1/2009.

 

 ولم يتم التجديد له بعد ذلك بسبب الانقسام المشين، الذي مازال ينخر في عظم الوحدة الوطنية، ذلك أن رئيس السلطة ينتخب انتخاباً «عاماً ومباشراً من الشعب الفلسطيني» طبقاً لنص المادة (34) من النظام الأساسي.

 

ولو افترضنا – على سبيل الجدل – أن مدة رئاسته امتدت بسبب الظروف الطارئة التي اجتاحت الساحة الفلسطينية، لأربع سنوات اخرى فإنها تنتهي في 15/1/2013، ولا يمكن تجديد ولايته لأكثر من دورتين، أي أن فترة رئاسته من عام 2013 وحتى تاريخه، غير شرعية، وبالتالي فإن الأخ محمود عباس يتصرف بلا شرعية وبلا صلاحيات دستورية، ولا يجد سنداً له في القانون الأساسي.

 

ويترتب على هذه النتيجة أن الفلسطينيين لا يتحملون أي التزامات يرتبها عليهم الأخ أبو مازن، أو حكومته التي تتبع له وتتصرف بأوامره. وعلى سبيل المثال، وردت تقارير أن السلطة الفلسطينية سوف تقترض (800) مليون دولار من إسرائيل، لتغطية النفقات الجارية والرواتب، هذا الاقتراض هو خارج نطاق صلاحيات الحكومة، لأن الحكومة، هي بالنتيجة مغتصبة للسلطة، باعتبار أن مصدر صلاحياتها، هو الأخ محمود عباس، وهو فقد شرعيته وصلاحياته.

 

إن النظام السياسي الفلسطيني الحالي، فقد أدنى وأبسط مقوماته حين ألغى الأخ أبو مازن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مايو الماضي، وبذلك جرّد السلطة من أي شبهات شرعية، وانتهى الحال إلى تشبيه السلطة الفلسطينية برئيسها بسلطة حامد كرزاي على تعبير المرحوم ياسر عرفات حين كان يصف محمود عباس.

 

هي سلطة بلا سلطة، وهي أداة بيد الاحتلال، ويتم استئجارها من قبل الحكومة الأمريكية لتأدية المهام الأمنية للمستعمرين الإسرائيليين ولمستعمراتهم التي أقيمت على الأرض الفلسطينية المسروقة، وأنشأ المستعمرون فيها نظاماً عنصرياً أشدّ قساوة – وأكرر أشدّ قساوة من نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.

إن نظام الأخ محمود عباس هو أكثر ضعفاً من نظام حامد كرزاي، ذلك أن الأخير كان يستند إلى مجلس منتخب، بينما عباس لم يجرؤ على إجراء انتخابات تشريعية ولا رئاسية. وكرزاي الأفغاني حافظ على وحدة الأراضي الأفغانية، بينما وافق عباس على تجزئة الإقليم الفلسطيني إلى أ، ب، ج وكرزاي أفغانستان لم يعمل في التنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال، بينما عباس ارتقى بالتنسيق الأمني إلى مرتبة القداسة. إن أجهزة السلطة تقوم بمهامها الأمنيّة كواجب مقدس خدمةً للاحتلال، وهذا مناط الخطر على أسرانا المحررين.

 

يجب على النخب الفلسطينية أن تعبئ الرأي العام الفلسطيني والدولي، بفكرة أن السلطة الفلسطينية، فقدت شرعيتها وأنها لا تملك أي صلاحيات ملزمة للفلسطينيين، ومن يتعامل معها يتعامل معها على مسؤوليته، ولا تلزم الفلسطينيين بأي تعهد، أو إقرار مادي أو مالي أو سياسي.

 

السلطة القائمة حالياً تتصرف بدون رقيب أو حسيب، ولا تخضع للمساءلة الشعبية ولا للرقابة المالية، ذلك أنها تتصرف في غياب مجلس وطني منتخب انتخاباً ديمقراطياً وشاملاً لكل مكونات الشعب الفلسطيني.

 

حتى المجلس التشريعي، الذي يعتبر أحد إفرازات اتفاقيات أوسلو، التي حرمت نصف الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في الانتخابات، لم يعد موجوداً، وإن كان موجوداً فهو عديم الفائدة في مواجهة الاحتلال، ويظل الأخ محمود عباس يتصرف شخصياً وعلى مسؤوليته، وبدون صلاحية، بل يتصرف وكأنه الحاكم بأمر الله.

وهناك أسئلة مشروعه يطرحها الفلسطينيون حول من يراقب نفقات الصندوق القومي الفلسطيني، وصندوق الاستثمار ومؤسسة محمود عباس الخيرية، ومن يشرف على عائدات بيع أراضي الدولة وإعطاء امتيازات لبعض الشركات، بدون منافسة، وبدون شفافية، مثل امتياز الاتصالات وغيرها مما لا نعلم من امتيازات.

 

لم يخطر على بال قيادة أوسلو ان تستلهم دروس طالبان وتجربة أفغانستان. فقيادة طالبان، رغم جمودها الفكري، استطاعت أن تنجز انسحاب الاحتلال الأمريكي من أراضيها، بدون أن تقدم أي تنازلات معلنة، وطبقاً للاتفاق الموقع في 29/2/2020 مع الولايات المتحدة.

 

ولم تساوم على مبدأ الانسحاب الكامل، حتى لو قيل إن هناك اتفاقيات سرية بين الطرفين، فإنه من الثابت أن الأراضي الأفغانية، تمّ تحريرها ولم تتم تجزئتها. وأرسلت طالبان في الوقت ذاته دروساً إلى عرب التطبيع، الذين ادعوا أن التطبيع مع إسرائيل كان مفروضاً عليهم، لكي يصلوا إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية.

أثبتت طالبان عقم هذه الأقوال والأُطروحات، وظلت طالبان على عنادها وتمسكها بإنجاز التحرير وطرد الاحتلال، بدون ان تتمسح بأعتاب الصهيونية لضمان الرضى الأمريكي.

 

ولعلم قيادة أوسلو، فإن الوقت مازال يتسع للعودة إلى الأصول، وانتخاب مجلس وطني يجري انتخابه من قبل مجموع الشعب الفلسطيني، والتحلل من قيود ومخابث أوسلو، التزاماً بقرارات المجلس المركزي وقرارات آخر مجلس وطني. إن الانفكاك من مذلة أوسلو، بداية الوعي والسير في الصراط المستقيم.

 

المقال عن صحيفة القدس العربي.

إغلاق