عجوز المقاطعة.. 86 عاماً من التيه والمتاجرة بالقضية الفلسطينية

عجوز المقاطعة.. 86 عاماً من التيه والمتاجرة بالقضية الفلسطينية

الضفة الغربية – الشاهد| دخل رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس عامه الـ 86، وسط حالة من التيه والضياع والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، والتي لم تشهد حالة من التردي على جميع الأصعدة منذ النكبة الفلسطينية كما تشهده هذه الأيام.

عباس والذي يطلق عليه الشارع الفلسطيني بـ"عجوز المقاطعة"، من مواليد مدينة صفد شمال فلسطين المحتلة، بتاريخ 15 نوفمبر 1935، وهي القرية التي تخلى عنها عندما قال في تصريحات متلفزة عام 2012: "من حقي أن أرى صفد، ولكن ليس من حقي أن أعيش فيها، ففلسطين في نظري هي التي تقع في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".

من هو محمود عباس؟

بعد أن احتلت العصابات الصهيونية مدينة صفد عام 1948، انتقل عباس وعائلته للعيش في سوريا، والتي تلقى فيها تعليمه الثانوي والجامعي، ومع انطلاقة حركة فتح في ستينات القرن الماضي، تنظم في صفوفها، ولكنه لم يؤمن بنهجها العسكري واقتصر عمله في صفوفها على الجانب السياسي والإعلامي، وقاد مفاوضات مع الجنرال الإسرائيلي ماتيتياهو بيليد والتي أدت إلى إعلان مبادئ السلام على أساس إقامة دولتين والتي أعلن عنها في 1 يناير 1977.

انتقل في بداية ثمانيات القرن الماضي للعمل في قطر وهي البلد التي أسس بها شركاته وشركات أبنائه، ويودع حالياً في بنوكها غالبية ثروته التي تقدرها العديد من المصادر بين مليار ومليار و200 مليون دولار.

استمر عباس في اتصالات ومحادثاته السرية مع الاحتلال الإسرائيلي في ثمانيات القرن الماضي، وشارك في المحادثات السرية بين منظمة التحرير والاحتلال من خلال وسطاء هولنديين عام 1989، كما ويعد المنسق الأساسي للمفاوضات أثناء مؤتمر مدريد للسلام والذي عقد عام 1991، لينال بعدها لقب مهندس اتفاق أوسلو 1993، وهو الاتفاق الذي وأد الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

بعد عام واحد فقط من عودته للأراضي الفلسطينية، انتخب عباس عام 1996، في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومن خلال ذلك المنصب الذي دعمه فيه شخصيات عربية ودولية لدوره في المفاوضات بين المنظمة والاحتلال، أصبح الرجل الثاني في المنظمة والسلطة الفلسطينية، وهي الخطوة التي مهدت الطريق له ليصبح عام 2005، في منصب رئيس السلطة بعد أن أزاح عرفات بالتآمر مع الاحتلال والغرب وبعض العرب.

وفي عام 2003، بدأ صراعه مع رئيس السلطة محمود عباس يطفو على السطح، وتعرض عرفات لضغوطات غربية وعربية لوضع عباس في منصب رئيس الوزراء، وسلب الكثير من الصلاحيات التي كانت تحت يد عرفات، وبعد الصراع بين الرجلين على الصلاحيات قدم عباس استقالته من منصبه، وبذلك فتح الباب أمام المخطط الغربي والإسرائيلي لإزاحة عرفات من المشهد وتنصيب عباس بدلاً منه.

تولى عباس منصب رئاسة السلطة في 15 يناير 2005، واستمر في المنصب حتى اليوم، رغم انتهاء ولايته الدستورية منذ 13 عاماً، إذ أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أن مدة البقاء في منصب الرئاسة هي 4 سنوات فقط، وهي سنوات سخرها لتنمية ثروته وأبنائه مقابل تفتيت حركة فتح وإضاعة القضية الفلسطينية.

ثروات وشركات

مسؤول قطري كشف عام 2007، خلال إحدى اللقاءات مع صحفيي قطاع غزة عن طبيعة العلاقة التجارية بين شركاته وشركات عباس وأبنائه، مشيراً إلى وجود ارتباط تجاري مهم بينهما.

وأوضح ذلك المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن إخوان عباس وأبنائهم يمتلكون الجنسية القطرية، ويخدمون العلم القطري شأنهم شأن بقية القطريين، كما أن شركات أبناء الرئيس في الدوحة تعمل في مجالات مختلفة أحدها كانت مع شركاته.

وأسس أبناء عباس وبغطاء من والدهم العديد من الشركات التي احتكرت ما يحتاجه السوق الفلسطيني من سلع استهلاكية أو حتى تلك في قطاع الانشاءات، وكان من ضمن تلك الشركات شركة "فالكون للتبغ" والتي تملك حصرياً إنتاج السجائر الأميركية بالأراضي الفلسطينية.

ويمتلك ياسر نجل الرئيس عباس عدة شركات استثمارية وتجارية، بعضها لها عقود احتكارية مع السلطة، ومن ضمن أهم الشركات التي يديرها ياسر عباس، شركة فيرست أوبشن للمقاولات، والتي أشرفت على تنفيذ الكثير من مشاريع بنى تحتية وبناء مدارس وشق طرقات وإنشاء مستشفيات وأبنية للمؤسسات التابعة للسلطة.

كما وأسس ياسر بعد ذلك وبمساندة أبيه، مجموعة فالكون القابضة في الأردن والتي تضم تحت شعارها عدداً من الشركات، هي: فالكون للاستثمارات العامة والتي تعمل في مجال الاتصالات، وفالكون إلكترو ميكانيك كونتراكتينغ ومقرها عمان وتعمل في مجال المحطات والمولدات الكهربائية، وكذلك شركة فالكون غلوبل تلكوم وفالكون توباكو كومباني المتخصصة باستيراد كافة أنواع السجائر البريطانية، وشركة فيرست فالكون للهندسة المدنية والكهربائية والمقاولات والتجارة ومقرها قطر، وكذلك شركة femc ومقرها في دبي.

ياسر كان قد تسلم شركة مقاولات بعد وفاة شقيقه الأكبر مازن عام 2002، وفي عام 2004 أسس شركة للإنجازات الميكانيكية، فيما ترأس مجلس إدارة شركة المشرق للتأمينات وهي شركة تأمين فلسطينية ابتاعها ومجموعة من رجال الأعمال الأردنيين عام 1999، وتعتبر الشركة الثالثة في مجال التأمين في الأراضي الفلسطينية.

خيانة رفيق دربه

أكدت العديد من الشهادات والشواهد أن علاقة محمود عباس مع رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات والتي بدأت منذ سبعينات القرن الماضي، كانت متوترة في كثير من الأحيان، فقد كان الاثنان يسيران في خطين متوازيين.

الرئيس الراحل والذي تبنى خيار المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يعود للمسار السياسي في السنوات الأخيرة من حياته بعد أن تم احتواء حركة فتح إقليمياً ودولياً، كان عباس منذ البداية يرفض خيار المقاومة ويعلي صوته بضرورة السير في طريق السياسة والمفاوضات من أجل تحقيق أهداف منظمة التحرير وحركة فتح في العودة للأراضي الفلسطينية.

ولمع نجم عباس ابتداءً باتفاق أوسلو الذي يوصف بأنه "مهندس الاتفاق"، ومرورا بإبرازه على الساحة الفلسطينية "غصبا"، حين فرضت الإدارة الأمريكية عباس على عرفات، وأجبرته على تعيينه وزيرا للمالية عام 2002 ثم رئيسا للوزراء، وإلا قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة.

واشتد الخلاف بين عرفات وكرزاي فلسطين، عقب محاولات الأخير سحب معظم الصلاحيات عن رئيس السلطة إن لم يكن جميعها، وكرّس حينها كل طاقاته وحلفائه لمحاربة عرفات، ووصل الحد به للاجتماع بمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين في منزله للتخلص من عرفات، الذي كان يُعتبر "عقبة" في وجه السلام وفق أمريكا والكيان الإسرائيلي، وأطلق عرفات حينها على ذاك الاجتماع "اجتماع الذل والعار".

كرزاي فلسطين

عرفات كان يعتبر في ذلك الوقت أن "نحت" منصب رئيس الوزراء على مقاس عباس يعني محاولة لإزاحته من منصبه، انعكس ذلك حتى على طبيعة العلاقة الشخصية بين عرفات و"كرزاي فلسطين"، فكان الأخير لا يحب لقاء الأول، وكان يبلغه بنتائج اجتماعات مجلس الوزراء عن طريق مبعوثين، الأمر الذي زاد من شكوك عرفات بأن عباس يعمل على عزله وتقليص صلاحياته، وفق حديث سابق لمروان كنفاني المستشار السياسي السابق لعرفات.

عباس كان يعرف الوصف الذي أطلقه عرفات عليه ودلالاته، فكتب في ورقة استقالة حكومته عام 2003 "وما دمتم مقتنعين بأنني كرزاي فلسطين وانني خنت الامانة ولم أكن على قدر المسؤولية، فانني أردها لكم لتتصرفوا بها".

ووفقاً لأحد قيادات فتح التي فصلت من الحركة في عهد عباس، فإن عرفات كان يطلق أيضا لقب "رئيس الوكالة اليهودية" على عباس، وحاول الأخير بكل السبل نزع كل صلاحيات عرفات، متجاهلا رمزيته، بخلاف مع فعله مع إسماعيل هنية حين تولى رئاسة الحكومة عقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، إذ حاول جلب كل الصلاحيات للرئاسة ونزعها من هنية.

ويبدو أن عباس كان يخشى بروز من يشبهه ويفعل به ما فعله بعرفات، فمارس سياسة الإقصاء ورفع سيف الاعتقال والفصل في وجه كل من يعارض آرائه، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة فتح الداخلية بل ووحدة الساحة الفلسطينية، فقسم فتح نصفين، وعزز الانقسام الفلسطيني لتصبح الفصائل الفلسطينية حتى تلك الشريك التاريخي لفتح في منظمة التحرير فضلا عن حماس والجهاد الإسلامي في جهة، وحركة فتح والسلطة في جهة أخرى.

بناية العار

ويستذكر القيادي الفتحاوي حسن عصفور الأحداث التي أعقب تآمر الرئيس عباس على عرفات قائلاً: "أنه في عام ٢٠٠٣، خرجت عناصر فتح بمدن الضفة بمسيرات تأييد لعرفات، كان وقتها استُحدث منصب رئيس الوزراء وكُلف أبو مازن فيه، ومكانش مرضي عنه، لأنه خاين وجاسوس!!".

وأضاف: "هتافات المسيرة كانت (يا أبو عمار دوس دوس على أبو مازن الجاسوس!).. مما أضطر عباس أن يقدم إستقالته من المنصب، وما تجرأ يقدمها لعرفات بصفته رئيس للسلطة حسب الأصول، ولكن بعتها مع ياسر عبدربه!".

وتابع: "بعديها بسنة زمان سمموا هالختيار، وبقدرة قادر صار عباس الجاسوس هو خلف عرفات وقائد المرحلة!! اسألوا من قال: اجتماع العار، في بناية العار، ومن قصد بهذا الوصف!.. لتعرفوا أن فتح سُرقت واختطفت وتحولت لأقبح ظاهرة تنظيمية، وجعلت جماهيرها عبيدا للرواتب والنزوات.. مشكلتنا لا تنحصر في شخصيات وأسماء، بل بالمنظومة ككل".

تفتيت فتح

بعد توليه منصب رئاسة السلطة، عمل عباس على طرد الشخصيات المنافسة له والذي كان في مقدمتهم محمد دحلان، وألحق به مئات القيادات والكوادر المؤيدة له في الحركة، وهو الأمر الذي أحدث حالةً من الصدع الداخلي في فتح، لتصبح الحركة تيارين منذ ذلك الوقت.

فيما تتهمه العديد من الأوساط داخل فتح وخارجها برفض إخراج مروان البرغوثي من السجن، وذلك خوفاً من خسارته لمنصب الرئاسة والحركة بسبب الشعبية الكبيرة للبرغوثي، وتحديداً بعد حالة التفسخ الذي عانت منها الحركة، والتي كان آخرها فصل عباس لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة من الحركة، وسحب جميع المناصب التي كان يشغلها لا سيما رئاسة مؤسسة ياسر عرفات.

وبتلك الخطوة يكون عباس قد أحدث صدعاً جديداً في الحركة، وأضعفها تنظيمياً مقابل الفصائل الفلسطينية الأخرى وتحديداً حركة حماس، ودفعت التحذيرات العربية والغربية من خسارة فتح الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر أن تجري في مايو الماضي، إلى قيام عباس بإلغائها.

كره الشعب له

وأظهر آخر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره في رام الله نهاية أكتوبر الماضي، أن 16 بالمائة فقط هم من سيصوتون لعباس في حال تم إجراء انتخابات رئاسية وترشح عباس لها، فيما سيحصل إسماعيل هنية على 30 بالمائة من أصوات الجمهور الفلسطيني وسيحصل القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي على 51 بالمائة.

وأوضح الاستطلاع أنه إذ جرت الانتخابات الرئاسية واقتصرت على التنافس بين عباس وهنية فإن الأول سيحصل على 39 بالمائة من أصوات الناخبين، فيما سيحصل الثاني على 55 بالمائة.

وطالب 74 بالمائة من الشارع الفلسطيني عباس بالاستقالة من منصبه، فيما أبدى 71 بالمائة سخطهم من أدائه في منصبه منذ انتخابه عام 2005.

كما وأظهر استطلاع للمركز ذاته، نهاية سبتمبر الماضي، أن ما يقرب من 80% من الفلسطينيين يريدون استقالة محمود عباس، ما يعكس حالة الكره والغضب في الشارع الفلسطيني تجاه الرجل، لا سيما في ظل حالة الضياع والتيه التي تعاني منها القضية الفلسطينية، ناهيك عن جرائم أجهزته الأمنية ضد الشعب الفلسطيني.

إغلاق