أزمة الرواتب أم أزمة إنسانية؟

أزمة الرواتب أم أزمة إنسانية؟

رام الله – الشاهد| كتب خالد فحل: حين يتحول الموظف — الذي يفني عمره في خدمة مجتمعه — إلى مطارد بقانونٍ جامد لا يرحم، ندرك أننا لم نعد أمام أزمة رواتب فحسب، بل أمام أزمة إنسانية عميقة.

قصة مدير مدرسة، الذي انتقل من داخل فصوله الدراسية إلى خلف قضبان الاعتقال، تختصر وجع الموظف الفلسطيني اليوم. فقد سدد فاتورة الكهرباء بوسيلة رسمية — شيك بقيمة 1500 شيقل — غير أن تأخر الرواتب أعاد الشيك قسراً لا اختياراً. وما كان ينبغي أن تكون مجرد عثرة مالية عابرة، تحولت إلى قضايا قانونية، تدخل الشرطة، ثم اعتقال!.

أي منطق يجعل من العجز القهري جريمة؟

وكيف يُهان من يربّي الأجيال لأن جيبه خاوٍ؟

أليس الموظف ضحية أزمة عامة ليست من صُنعه؟

الأمر يزداد تعقيداً حين يستغل المحامي هذه الأزمة، مطالباً بمبلغ إضافي قدره ألف شيقل لإغلاق ملف الشيك، ليصبح المجموع 2500 شيقل — مبلغ يفوق قدرة أي موظف يعاني من تأخر الرواتب على دفعه.

وأين نقابة المحامين من هذه الممارسات التي تزيد من معاناة الناس بدل أن تحميهم؟.

المؤلم حقاً أن يُرفع القانون سيفاً على رقاب من طحنهم الواقع،

بينما كان الأجدر أن يكون مظلة تحميهم من السقوط.

البلدية — باعتبارها مؤسسة خدمة عامة — مطالبة بأن ترى المواطن شريكاً لا رقماً في سجلات الجباية.

والشرطة مطالبة بحماية كرامته لا العبث بها.

والقانون مطالب بأن يفرّق بين المُفلس بسبب الفقر والمُفلس بسبب التهرب.

إننا أمام مشهد يهزّ الثقة بين المواطن ومؤسساته:

فإن كان المعلم يهان ويُقتاد مكبلاً،

فماذا تبقى من قيمة العلم؟

وماذا بقي للأجيال من قدوة؟

الأزمة ليست أزمة نقود… بل أزمة تعاطٍ مع الإنسان.

فنقص الرواتب يُعالج بالرفق والتفهّم،

لا بالملاحقة والإذلال.

على الجهات الرسمية أن تتذكر:

الراتب قد يتأخر…

أما كرامة المواطن فلا تحتمل التأجيل.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في سياسات الجباية وأساليب التعامل مع ضحايا الأزمات المالية، وإقرار معايير تحفظ حقوق المؤسسات دون سحق البشر تحت عجلات القانون.

إن حماية الإنسان ليست ترفاً أخلاقياً…

بل أساس أي دولة تريد أن تبقى قائمة على الثقة والعدل.

لا تجعلوا الذي يضيء عقول أطفالنا… يعجز عن إبقاء بيته منيراً.

في النهاية، تبقى كرامة الإنسان هي المقياس الحقيقي لأي مجتمع.

فإذا فقدنا الرحمة والإنسانية في تعاطينا مع أبسط معاناة مواطنينا، فإننا نخسر ما هو أغلى من المال والقوانين: ثقة الناس بوطنهم، وأملهم بغدٍ أفضل.

لنعمل جميعاً من أجل وطن يحمي ضعيفه، ويرفع من شأن كادحه، ويؤمن للجميع حياة كريمة تليق بإنسانيتهم.

إغلاق