القرار 2803 محاولة جديدة لإعادة إنتاج فشل أوسلو

رام الله – الشاهد| كتب فراس صالح: لم يكن قرار مجلس الأمن 2803 حدثاً عابراً في سياق الضغوط الدولية على الشعب الفلسطيني، بل محطة سياسية تستدعي التوقف عندها، خاصة أنه جاء ليكرّس انتقالاً جديداً في «خطة شرم الشيخ» تحت الرعاية الأميركية، وبما يلامس مباشرة مستقبل الصراع والحقوق الوطنية الفلسطينية.
فالقرار، كما يظهر في نصوصه ومداولاته، لا يقدّم أي ضمانة حقيقية لصون حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف، بل يعيد إنتاج المعادلات ذاتها التي شكّلت جوهر العملية السياسية الفاشلة منذ أوسلو وحتى اليوم، من خلال رفع العنوان الأمني على حساب البعد الوطني التحرري، وإعادة تموضع الدور الأميركي باعتباره المرجعية الوحيدة في إدارة الصراع، بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي.
إن أخطر ما في القرار أنه يتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها ملفاً أمنياً ينبغي إدارته، لا قضية شعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال.
فالمسار الذي يدفع القرار باتجاهه لا يقدّم حلولاً سياسية، بل يشجّع على بقاء الاحتلال وتمدد الاستيطان، ويمنح الحكومة الإسرائيلية غطاءً لمزيد من التصعيد تحت عنوان «الاستقرار».
جوهر القرار يقوم على تكريس الإشراف الأميركي المباشر، عبر إعادة صياغة العلاقة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال ضمن إطار أمني يراد له أن يشكّل بديلاً عن العملية السياسية الحقيقية.
وبذلك يعيد القرار إنتاج وهم المرحلة الانتقالية التي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود، وما زالت تُستخدم غطاءً لتوسّع الاستيطان وفرض سياسة الضم الزاحف وتقطيع أوصال الضفة الغربية.
وما تقدمه واشنطن في المقابل ليس أكثر من وعود فضفاضة ومبادرات غير ملزمة، سبق أن أثبتت التجربة عقمها وانحيازها الكامل للمشروع الإسرائيلي.
إن أي مسار سياسي لا يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ولا يحدّد بوضوح مرجعية الحقوق الوطنية الفلسطينية، سيكون مجرد إعادة تدوير للفراغ السياسي واستنزاف للوقت، بينما يتعرض شعبنا لأقسى أشكال العدوان والاستيطان والحصار.
فالقرار 2803، رغم كل ما رافقه من خطاب دبلوماسي، لم يتضمن آليات لوقف الاستيطان أو حماية المدنيين أو إنهاء الاحتلال، بل يكتفي بالدعوة إلى «إجراءات بناء الثقة» التي أثبتت التجربة أنها تتحول عملياً إلى إجراءات لضبط الأمن، دون أي التزامات سياسية مقابلة.
وتأتي خطورة القرار في توقيته أيضاً، إذ يتزامن مع تصعيد غير مسبوق في الضفة الغربية، وعدوان مستمر على غزة، واندفاع يميني داخل إسرائيل لفرض الوقائع الكبرى على الأرض، من خلال شرعنة البؤر الاستيطانية وتوسيع الضم الفعلي وتكريس نظام فصل عنصري واضح المعالم.
وفي ظل هذا الواقع، فإن أي مسار سياسي لا يضع حداً لهذه الممارسات، ولا يفرض على إسرائيل كلفة لخرقها المستمر للقانون الدولي، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخلل في ميزان القوى ومزيد من التآكل في فرص الحل السياسي.
إن مواجهة مشاريع التهميش وتجاوز الحقوق الوطنية لا تكون بالرهان على الوعود الأميركية أو الاستسلام لمحاولات تصريف الصراع في قنوات أمنية، بل عبر استراتيجية وطنية موحدة، تعيد الاعتبار لمشروع التحرر الوطني، وتستند إلى وحدة شعبنا في جميع أماكن وجوده، وإلى برنامج كفاحي يزاوج بين المقاومة الشعبية والسياسية والدبلوماسية، ويعيد تفعيل مصادر القوة الفلسطينية في الميدان والمحافل الدولية.
فالرهان الحقيقي هو على إرادة الشعب وصموده، وعلى بناء اصطفاف وطني جامع يعيد توجيه البوصلة نحو الهدف المركزي: إنهاء الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال.
إن القرار 2803، مهما بلغت الضغوط لتقديمه باعتباره خطوة نحو «حل الدولتين»، لا يحمل في مضمونه ما يشير إلى التزام فعلي بهذا الحل، ولا يتضمن إطاراً زمنياً أو آليات ملزمة. وما دام الاحتلال يتمتع بالحماية الأميركية، وما دامت إسرائيل تواصل سياساتها العدوانية دون مساءلة، فإن أي قرار دولي لن يكون ذا قيمة ما لم يترافق مع إرادة فلسطينية موحدة تفرض معادلة جديدة على الأرض، وتمنع تحويل القضية إلى ملف إدارة أزمات.
إن الطريق إلى الحل لا يمر عبر بوابة الأمن، بل عبر الاعتراف الكامل بحقوق شعبنا، وفرض تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير.
وفي النهاية، فإن الشعب الفلسطيني سيبقى العامل الحاسم مهما تعددت القرارات والمسارات. فالتاريخ أثبت أن كل المشاريع التي حاولت الالتفاف على حقوقه سقطت، وأن قوة الإرادة الوطنية هي التي تُفشل محاولات التصفية وتفتح الطريق أمام الحرية. والقرار 2803، كبقية المشاريع التي سبقته، لن يكون قادراً على فرض واقع دائم، طالما أن شعبنا متمسك بحقوقه الثابتة ومصمم على النضال من أجلها.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=97729




