12:25 pm 9 ديسمبر 2022

الصوت العالي

كتب عقل ابو قرع: في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. وصعوبة القضاء عليه

كتب عقل ابو قرع: في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. وصعوبة القضاء عليه

رام الله – الشاهد| كتب عقل ابو قرع: يصادف في التاسع من كانون اول من كل عام ما يعرف بـ" اليوم العالمي لمكافحة الفساد"، حيث تم اعتماد هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك من اجل التوعية حول مكافحة الفساد، وكذلك للتذكير بأهمية الاتفاقية الاممية لمكافحة الفساد والتي تم توقيعها في 31 تشرين اول من عام 2003.

 

وفي هذا العام عام 2022،  يتم  تسليط الضوء على حقوق الجميع ومسؤولياتهم في التصدي للفساد، بمن فيهم الدول والمسؤولين الحكوميين والموظفين المدنيين وموظفي إنفاذ القانون وممثلي وسائل الإعلام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والجمهور والشباب، وتحت شعار" نحو عالم متحد ضد الفساد".

 

وفي إطار حملة مكافحة الفساد هذا العام التي تقودها الامم المتحدة وتستمر لمدة 6 اسابيع، يتم التركيز كل اسبوع على قطاع أو موضوع محدد، فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومنها القطاع الخاص، والتعاون الدولي، والرياضة، والتربية والشباب والنوع الاجتماعي.

 

حيث تهدف الحملة الى  تبادل الممارسات الجيدة والأمثلة على منع الفساد ومكافحته في جميع أنحاء العالم من خلال تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد،  واسترداد المصادر المسروقة وإعادتها، وتطوير حلول مبتكرة، فضلا عن تعزيز موضوع الوقاية بالتعليم، والاستفادة من مشاركة الشباب في مكافحة الفساد.

 

والفساد متنوع ومتشعب ومتراكم، وحسب تعريف الامم المتحدة، الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، معقدة تؤثر على جميع البلدان، حيث يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في الاضطراب الحكومي، ويؤدي الى انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة والمهنية، وفي المحصلة يراكم الجهل والتخلف وتطبيق القوانين، ومنح الحقوق وبالأخص لفئات هشة أو ضعيفة، مثل المرأة وذوي الإعاقة.

 

والفساد، وبأنواعه، من استغلال السلطة ومن رشوة، ومن اختلاس، ومحسوبية وواسطة، ليس من السهل القضاء عليه، وهو من اهم معيقات التنمية والتقدم بكافة أنواعه، ونلاحظ ان معظم الدول، سواء في محيطنا العربي او العالم قامت بأنشاء هيئات او اطر او اجهزة لمكافحة الفساد.

 

وباتت اي عملية تغيير سياسي في اي بلد تنادي اولا بمكافحة الفساد، سواء اكان فسادا سياسيا، او اقتصاديا، او فساد التعليم، او احتكار الاسعار، او المتاجرة بالأغذية والادوية الفاسدة، وبدون شك ان للفساد انعكاسات كثيرة، على البلد والمجتمع والمواطن والمستهلك، ورغم ذلك ما زال من الصعب القضاء على الفساد.

 

وفي بلادنا، اشارت دراسات عديدة الى ان الواسطة والمحسوبية هما من أكثر انواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، وبالأخص في القطاع العام، او حتى في قطاع المجتمع المدني والاهلي والمؤسسات غير الحكومية.

 

وللعمل على مكافحة هذه الظاهرة،  فأن ذلك يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم، العمل على ترسيخ ثقافة الاقتداء بمن يملك المنصب الاعلى والمسؤولية الاكبر والقدرة الاقوى، ويتطلب بث الوعي، ويتطلب تطبيق القانون على الجميع، وفي العلن، وبالنزاهة والشفافية، وبالتالي ازالة الانطباع عند الناس ان من يتم محاسبتهم او ملاحقتهم او محاكمتهم هم الصغار او الضعفاء او الفقراء، او الذين لا يوجد لهم حماية او دعم.

 

ولكي تنجح عملية مكافحة الفساد، فأنها يجب ان تركز على الشباب، حيث معروف ان المجتمع الفلسطيني، هو مجتمع شاب، وحسب الاحصائيات الفلسطينية الحديثة، فأن نسبة الاشخاص في فلسطين من الاعمار 15 سنة واقل تبلغ حوالي 40% من السكان، بينما تبلغ نسبة الاشخاص بين اعمار 15الى 29 عاما حوالي 30%، او هذا يعني ان الاستثمار في هذه النسبة الهائلة من الشباب في بلادنا يعتبر الاستثمار الاهم، وهذا يعني ازدياد الوعي بضرورة الابلاغ عن الفساد من قبل جيل الشباب.

 

وتنبع اهمية توعية وتدريب وتثقيف وبناء الشباب الفلسطيني في مجال مكافحة الفساد، وبالإضافة الى النسبة الهائلة منهم في بلادنا، الى الاوضاع الخاصة التي نمر بها، من ازمات وصعوبات اقتصادية، ومن عدم وضوح الطريق او المسارات السياسية، ومن الازدياد المتواصل في اعداد العاطلين عن العمل وبالأخص الشباب والخريجين منهم، وفي ازدياد نسبة الفقر والحاجة، وفي تصاعد التآكل في شبة العلاقات الاجتماعية.

 

وبالتالي فأن بناء جيل من الشباب من خلال ترسيخ مفهوم مكافحة الفساد وبأنواعه وبالأخص ممارسات الواسطة والمحسوبية، سوف يؤدي ولو على المدى المتوسط او البعيد الى تحقيق ما يتطلع له الشباب والمجتمع من بناء مجتمع على اسس النزاهة والمحاسبة ووضع الكفاءة المناسبة في الموقع المناسب.

 

 

والاستثمار المستدام في الشباب الفلسطيني لمكافحة الفساد يعني ازدياد الوعي بضرورة الابلاغ عن الفساد سواء اكان من قبل الافراد او من الهيئات، وعلى الافراد او على المؤسسات، وان تم ذلك، فأن هذا يعني ان المواطن وبالأخص الشاب الفلسطيني، الذي في اعتقادي هو حجر الزاوية في هذه العملية.

 

المطلوب توفير الحماية المعنوية والمادية له، والمطلوب ارساء ثقافة اهمية العمل في الابلاغ عن الفساد كثقافة راسخة في مجتمع مثل مجتمعنا، الذي بأغلبيته الشابة، هو الاساس للوصول الى ما نطمح لة من رؤيا، من بناء مجتمع فلسطيني خال من الفساد.

 

ومن اهم المسارات في اطار مكافحة الفساد هو ازالة الخوف عند المواطن او الشاب للإبلاغ عن الفساد، فالعمل مطلوب كذلك من اجل تطبيق القانون وبسرعة، والابتعاد ولو تدريجيا عن الواسطة التي ما زالت تستشري في اجسادنا ونمارسها في حياتنا، وهذا كلة يتطلب زيادة التواصل مع الشباب الفلسطيني الذي هو الاساس لنجاح مستدام لعملية مكافحة الفساد.

 

وبدون شك ان الفساد متنوع وسوف يبقى، وهو من اهم معيقات التقدم والتنمية، وبدون شك ان الاستثمار في العدد الهائل من الشباب في مجال مكافحة الفساد في بلادنا، سواء من حيث بث الوعي او من خلال الاجراءات على الارض، سوف يؤتي ثماره عاجلا أو اجلا.

 

ولا يوجد هناك جدال او شك في صعوبة القضاء على الفساد، وان عملية مكافحة الفساد، هي عملية معقدة وطويلة وشاقة، لان الفساد بحد ذاته، هو ممارسة وتصرف متشعب ومتجذر ومتنوع، بل واصبح في العديد من المجتمعات والبلدان، اسلوب حياة، ونمط من التعامل، واصبح وسيلة من اجل الحصول على الفائدة والمصلحة والربح، ومن اشكاله او انواعه.

 

وبالإضافة الى  الواسطة والمحسوبية، استغلال النفوذ، وعدم النزاهة، والاستهتار بالمصادر العامة، والالتفاف على الحقوق والكفاءة وعدم الاستقامة والجدية في العمل، وهدر الاموال العامة بدون حق، والاتجار بالأغذية والمواد الفاسدة.

 

وفي بلادنا، ورغم ان هناك تنامي ملموس في عملية فهم الفساد وبالتالي محاولة الحد منه على الاقل، سواء اكان فسادا اداريا وماليا او صحيا او بيئيا او فسادا مت منظور النوع الاجتماعي، وغير ذلك.

 

وكذلك التنامي في الاهتمام في عملية مكافحة الفساد والاهم في اهمية الابلاغ عن ممارسات او عن اوضاع فاسدة، او امور او قضايا لا تتماشى مع القانون، حيث اشارت احدى الدراسات ان حوالي 70% من المواطنين الذين تم استطلاع آراءهم سيبلغون عن الفساد في حال معرفتهم بة، ورغم ذلك، الا ان التصرفات والوقائع وانماط التعامل، تؤكد الحاجة لمواصلة ولتعزيز عملية مكافحة الفساد، وربما الى تغيير في فلسفة او في خطط مكافحة الفساد.

 

  ولكي تنجح اية خطة وطنية فلسطينية لمكافحة الفساد بشكل مستدام، فأنها تحتاج الى ان تعتمد على ثقافة المتابعة والتقييم والمراقبة والشفافية والوضوح، وبأن تتم في اطار الاستدامة، اي لا تنهار او تنتهي نتائج الخطة في مجال مكافحة الفساد مع انتهاء الخطة، وبأن يتواصل التأثير بدون الحاجة الى تدخل او دعم جديدين، وبأن يكون هناك تركيز على الاستثمار المستدام في البشر، وما لذلك من تواصل اثار هذا الاستثمار، وفي مختلف الاصعدة في مجال مكافحة الفساد، وبأنواعه، من الفساد الاداري، والفساد المالي، مرورا بفساد الاغذية والادوية، الى الفساد المتعلق بتلويث البيئة من مياه وهواء واراضي واستخدام مبيدات خطيرة  وما الى ذلك.

 

وبالإضافة الى دور الاجهزة الرسمية في مكافحة الفساد، فأن هناك دور مكمل لمنظمات المجتمع المدني، كاطار يسلط الضوء وينشر الوعي ويقدم الدراسات وربما الادلة، وكذلك هناك لوسائل الاعلام دورا هاما في عملية مكافحة الفساد برمته، وبالأخص حين القيام بذلك بشكل موضوعي بعيدا عن التهويل او التزويق او الإثارة المقصودة أو غير المقصودة.

 

ومع الانتهاء من الاحتفال ب اليوم العالمي لمكافحة الفساد، فأن الفساد كان وسوف يبقى من اهم معيقات التقدم والتنمية، في اي مجتمع او بلد والامثلة على ذلك كثيرة، وبدون شك ان المواطن الفلسطيني وبغض النظر عن مكان تواجده او عملة هو اهم عنصر في عملية مكافحة الفساد، سواء اكان موظفا في القطاع العام اي الحكومة او في القطاع الخاص، او في مؤسسات مجتمع مدني واهلي، او ان كان أحد المستهلكين لخضار او للحوم او لمعلبات فاسدة او ادوية او مستحضرات طبية.