17:13 pm 23 ديسمبر 2022

الصوت العالي

كتب عقل أبو قرع: التسمم بالمبيدات الكيمائية بين الوفيات والامراض المزمنة

كتب عقل أبو قرع: التسمم بالمبيدات الكيمائية بين الوفيات والامراض المزمنة

رام الله – الشاهد| كتب عقل أبو قرع: أثارت قضية وفاة الاطفال وحدوث الاصابات في مدينة بيت ساحور قبل عدة ايام، نتيجة احتمال التعرض الى غاز سام له علاقة بالمبيدات الكيميائية، أثارت جدلا واسعا حول طبيعة هذه المواد الكيميائية السامة، وحول وسائل وصولها الى بلادنا، واجراءات تخزينها وبيعها واستخدامها، وحول الجهات المسؤولة عن مراقبة والتعامل مع المبيدات سواء في مجال الصحة العامة او الزراعة.

 

وكذلك حول مدى خطورتها، وبالأخص حول الاثار بعيدة المدى نتيجة التعرض لكميات قليلة منها على فترات طويلة، وكذلك حول توفر الوسائل والاجهزة والمختبرات لأجراء الفحوصات المتعلقة بها.

 

ومن المعروف ان المبيدات الكيميائية تستخدم في بلادنا وبكثافة في بعض المناطق، وخاصة مناطق الزراعة المكثفة مثل مناطق الاغوار، وكذلك في مجال مكافحة الآفات والقوارض في اطار الصحة العامة، والمبيدات هي مواد كيميائية سامة يتم تصنيعها في المختبر، وسميتها قد تكون شديدة، بالأخص المبيدات الفسفور وعضوية، حيث ينتمي الغاز السام الذي من المشتبه التسمم به في مدينة بيت ساحور ، ومن الامثلة على هذه المبيدات والتي استخدمت في بلادنا، مبيد " الفيلدول" و"المالاثيون" ومبيد" دورسبان" ومبيد " ديازينون" والعديد من المبيدات الاخرى التي تنتمي الى نفس العائلة الكيميائية.

 

والمبيدات الحشرية بشكل محدد هي مواد كيميائية خطيرة، حيث تعمل على القضاء على الحشرات عن طريق تثبيط عمل انزيمات في الجهاز العصبي للحشرة ومن ثم شل عملة، حيث يؤدي ذلك الى الارباك من خلال عدم التحكم في الاشارات والرسائل العصبية الى اجزاء الجسم المختلفة ومن ثم الموت، وما ينطبق على الحشرة يمكن ان ينطبق على الانسان اذا تعرض الانسان لمبيدات وبتراكيز اعلى.

 

والمثال على ذلك مبيد " الفيلدول"، وتظهر اثار التسمم بشكل سريع وشديد نتيجة شل عمل الجهاز العصبي، ومن اعراضها سيلان الدموع واللعاب والدوخان والرجفة ومن ثم الشلل فالموت، ويعتبر الاطفال والنساء الحوامل من اكثر الناس حساسية للتعرض لهذه المبيدات.

 

والمبيدات الفسفور وعضوية مثلا تم اكتشافها من قبل الالمان من خلال الابحاث على الاسلحة الكيميائية، وان اسلحة كيميائية استخدمت وما زالت تستخدم في حروب وصراعات تنتمي اليها، مثل مواد " السارين" و "السومان" وغير ذلك، وبالتالي فأن هذا يتطلب الحذر في التعامل مع المبيدات في بلادنا، من حيث التسجيل والتخزين والاستخدام، وكذلك كيفية التخلص من بقاياها.

 

ويجب عدم تخزين المبيدات او تجزئتها في اوعية غير الاوعية الاصلية، او اعادة استخدام اوعيتها الاصلية لاستخدامات اخرى مثل تخزين الزيت او المياه ، وكذلك يجب التخلص من عبوات المبيدات الفارغة فورا وبالطرق الصحيحة وحسب الارشادات المتواجدة على العبوة.

 

واثار التسمم بالمبيدات قد تكون لحظية او سريعة كما حدث في حادثة التسمم في بيت ساحور، وفي احيان عديدة لا تظهر الاثار بشكل فوري، وذلك نتيجة التعرض الى مواد كيميائية بتراكيز قليلة، ولكن ومع استمرار التعرض للمواد الكيميائية، تبدأ الاثار تظهر ويمكن ان يكون ذلك بعد عدة سنوات على اشكال امراض فتاكة ومزمنة، وهذا ربما يفسر تزايد نسبة امراض السرطان او امراض الجهاز التنفسي او تزايد التشوهات الخلقية والاعاقة في مناطق محددة، تستخدم فيها مواد كيميائية محددة وبشكل متواصل.

 

والاطفال والنساء الحوامل هم من اكثر حساسية للتعرض الى مخاطر المبيدات، وذلك بسبب هشاشة الجهاز العصبي ونموه المتواصل عند الجنين والطفل، وهذا ربما يفسر وفاة الاطفال في حادث التسمم في بيت ساحور بينما لم يمت البالغون الذين تسمموا في الحادث، حيث هناك دراسات عديدة منشورة تظهر ان العديد من المبيدات تنتقل من الام الحامل الى الجنين خلال فترة الحمل حين تتعرض الام الى المبيدات، وأن تأثير هذه المبيدات على الأجنة قد يكون وخيماً، وذو آثار بعيدة المدى تتمثل في أحداث تشوهات خلقية، وأحداث اضطرابات سلوكية أو حتى إحداثها تغييرات في جنس الجنين.

 

وفي إطار قضية التسمم بالمبيدات في مدينة بيت ساحور، المطلوب وجود أو تفعيل مختبر وطني متخصص بالسموم في إطار مركز وطني أكبر واشمل للعلوم الجنائية، بحيث يعتبر هذا المختبر ركيزة أساسية من اجل اتخاذ القرارات او لتوضيح الشبهات او من اجل نزاهة الأحكام القضائية المبنية على أدلة علمية، وذلك من خلال تقديم الحقائق والوقائع بأسلوب علمي موضوعي.

 

ويعتبر مختبر السموم أو مختبر العلوم الجنائية احد الأسس لبناء جهاز قضائي نزيه، وفي نفس الوقت لاتخاذ قرارات مصيرية او لتوضيح طبيعة وكمية مواد مشبوهة، او للإجابة على اسئلة تتعلق بحوادث تسمم مثل الذي حدث في الهند، والتي قد تحدث في بلادنا.