14:43 pm 22 يناير 2023

الصوت العالي

كتب علاء الريماوي: الاستراتيجية الفلسطينية الغائبة وطريق البحث عن الحل

كتب علاء الريماوي: الاستراتيجية الفلسطينية الغائبة وطريق البحث عن الحل

رام الله – الشاهد| كتب علاء الريماوي: نستمع كثيرا في الحالة الفلسطينية عن الاستراتيجية الوطنية وتعكف عديد المؤسسات الفلسطينية على عقد دورات تتعلق بالكيفية التي يتم فيها بناء الخطط والاستراتيجيات التي تغيب من حيث الحقيقة في الحالة الفلسطينية.

 

حديث غياب الرؤى الفلسطينية ومنهجيات العمل(التخطيط)، ليس جديدا، بل يمكن الادعاء بأن الحالة الوطنية قائمة على منهجيات متعددة، لرؤية ضبابية لا تصلح من حيث الأساس للمراكمة عليها ولا للادعاء أن هناك من يملك استراتيجية تكاملية تضع من خلالها برامج يمكنها التخفيف من المنهجية الصهيونية التراكمية في الأداء، الأمر الذي أفقدنا عوامل قوة كنا نمتلكها أثناء وبعد انتفاضة الحجر حتى توقيع اتفاقية أوسلو، وبعيد هزيمة منظمة التحرير وخروجها من لبنان.

 

الحديث عن الغياب للاستراتيجيات ليس مرسلا بل يمكن وضع مؤشرات للدلالة عليه، خاصة في جوانب المصالحة أو خيار الاحلال لمنهجيات العمل الوطني، المواجهة للمشروع الاسرائيلي في القدس والضفة، التعامل مع واقع غزة وافرازات الحصار، الواقع في الداخل المحتل، تراجع تأثير الفلسطيني في الشتات، وغيرها من الملفات التي وجب الوقوف عليها لبناء رؤية تمكننا من حالة البقاء الايجابي في مواجهة المشروع الاسرائيلي.

 

وحتى لا نقف أمام منهجية العجز عبر التوصيف أرى ومن خلال المعايشة للواقع ضرورة الوقوف على مرحلية التخطيط لإدارة ملفات ملحة وخطرة تنذر بنتائج كارثية خلال السنوات الخمس، ويمكن تقسيمها على النحو الاتي:

 

أولا: القدس: يعد الواقع في المدينة المقدسة هو الاخطر، لتسارع المشروع الاحتلالي في المدينة المقدسة على ثلاثة أصعدة، استيطان متسارع ونوعي في القدس الشرقية والبلدة القديمة، منهجية تقسيم للمسجد الأقصى ستطال ساحاته وبعض أبوابه لتكوين جيوب لكنيس ومسار توراتي، الاستمرار في نزيف الخروج من القدس إلى ما وراء الجدار لتفريغ المدينة من أهلها.

 

الرؤية الفلسطينية عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ما أشرنا إليه، وتضع منهجية لمواجهة أو تخفيف نتائج المشروع الاسرائيلي من خلال استرداد التعليم في القدس، تمكين المواطن البناء في المدينة، شراء الأراضي المعلنة للبيع من قبل البلدية، ترسيخ تحرك نوعي دولي وجماهري للحفاظ على الأقصى، تعزيز حضور المدينة المقدسة في ثقافة أهلنا في الداخل كمقصد للسياحة والاقتصاد، عدا تكريس نضال شعبي لمواجهة تهويد أي شبر في المدينة المقدسة.

 

ثانيا: القرار الفلسطيني والمرجعية في ظل الانقسام: من العبث الاستمرار في محاولة صناعة مصالحة فلسطينية تقوم على دمج أطر السلطة بين غزة ورام الله الأمر الذي بات غير ممكن، ولا نية حقيقة لدى الرئيس عباس لإحداثه، ولا النافذين في السلطة، الأمر الذي يعني بقاء الواقع بالصيغة الحالية مما يعني إنهاء فرصة العمل المشترك.

 

الحالة الوطنية أمام خيارين لا ثالث لهما، العمل البنيوي بصيغة الانقسام القائم مع الاتفاق على برنامج الحد الأدنى وطنيا.

 

الاتجاه الثاني: خلق إطار جمعي يلتحق به من يؤمن بمرتكزاته، تبتعد الحركة الاسلامية عن قيادته مع ضرورة المبادرة اليه، بحيث يجمع المكونات العامة الفلسطينية من الشتات للداخل المحتل مرورا في الضفة وغزة، يتبنى منهجية عمل تضع جملة أهداف موضوعية قابلة للتحقق. 

 

ثالثا: الحالة الفلسطينية في الداخل: يتعزز لدي أن المشروع الاسرائيلي ذوب القيادة الوطنية في الداخل أو أدخلها في معترك البحث عن حياة تحت ظل المشروع الاسرائيلي، الأمر الذي يزحف فيه المشروع إلى استراتيجية عزل مناطق الثقل في المثلث لإخراجها من حيث الديمغرافيا المؤثرة، بالإضافة إلى محاولة خلق تكتلات وكيانات تؤمن بالمشروع الاسرائيلي.

 

هذا الأمر يحتاج الى إعادة تقييم الواقع الفلسطيني في الداخل، للحفاظ على الهوية الوطنية، وخلق حافز التمثيل للرواية التاريخية التي قامت عليها النكبة، مع بقاء المشروع في ذهنية الفلسطيني في الداخل لترسيخ منهجية عمل عبر أدوات ونضالات، تحقق الحضور في الحالة الوطنية.

 

رابعا: الضفة الغربية: فم المشروع الاحتلالي بات من حيث الأثر يرى في الضفة، عبر استدامة الانقسام، إضعاف السلطة، تحقيق استدامة التنسيق الأمني والمقايضة الاقتصادية، توسيع الاستيطان النوعي والتمدد الكبير في الضفة، ضرب وتصفية ركائز المقاومة الناشئة، تفكيك البنى الارتكازية للعمل الوطني في الضفة والقدس.

 

الضفة تعد في هذه المرحلة الهدف الكبير الذي يسعى الاحتلال لمراكمة الانجازات فيها، لذلك باتت الحالة الوطنية أمام مسؤولية جدية لتقييم الواقع، والقفز عن سلبية الاستحواذ الى بناء منهجية تبقي للفلسطيني وجود، وهذا بالضرورة يحتاج إلى خلق رؤية قيادية جديدة وقيادة شعبية نوعية، والايمان بعمل خارج فضاء الحزبية غير القابلة للعمل المشترك إلى منهجية عمل تؤسس لفكر الواقع القائم وهنا أميل الى بناء قيادة اجتماعية بأطر متخصصة يجمعها خطة نضالية جمعية.

 

خامسا: غزة: بلا شك بأن الواقع في غزة على صعيد المقاومة بات رصيدا نوعيا للقضية الفلسطينية لكن الحصار بصيغته الحالية ينذر بضرب حاضنة المقاومة، بل تحطيم البنية المجتمعية للفقر الفاحش المشاهد في غزة، الأمر سيساهم في تحجيم الثقل الفلسطيني في الداخل عبر وضع غزة أمام مقاربة العيش الممكن وشكل التدخل في النضال الوطني وتراجع حصر حالة المواجهة مع المشروع الاسرائيلي عبر موجات التصعيد ثقيلة النتائج، عدا عن ضرب البنية القناعية في المشروع من خلال شيطنته عبر ضرب الصورة.

 

الأمر الذي يلزم الحالة الوطنية البحث عن خيارات، تخفف من نتائج الحصار، وتقفز عن السعي الصهيوني لتفريز قطاع غزة ضمن حدود أريد لها أن تكون قاسية من حيث النتائج على ما صنعته وراكمته غزة في الحالة الوطنية.

 

سادسا: الشتات: فشلت كافة التحركات من صناعة حضور للشتات الفلسطيني، بل على العكس، بتنا أمام خسارة نوعية لدور الفلسطيني في الشتات في حركة النضال الوطني، تراجعنا في الولايات المتحدة وخسرنا الحضور المؤثر في أوروبا، وتقهقر الدور الفلسطيني في العواصم العربية والأهم الغياب الكلي عن مشهد النضال الجمعي لأسباب مختلفة ليس هنا المقام لشرحها.

 

الساحة الدولية لا زالت خصبة اليوم لإمكانية التحرك، خاصة في ظل البنية النوعية الكادرية التي يمكن تفعيلها في الخارج لإسناد الحالة الوطنية في الداخل.

 

هذا الأمر يتطلب ايجاد إطار عمل جمعي للشتات يدمج فيه الرؤية الوطنية يمكنه من خلق ربيع إحياء القضية الفلسطينية على المنصات الدولية وبين المؤسسات العالية والمجتمعات، هذا الامر برأيي متاح من الناحية العملية لكنه يحتاج إلى عقلية جمعية لأن الكادر متوفر في كافة الاقطار التي يتواجد فيها الفلسطيني.

 

أخيرا في هذه المقالة، حاولنا تحريك مياه راكدة تتواجد أفكارها في عقل كل فلسطيني، لكن ينقصها تحرك ممنهج يعتمد على الاستدامة كطريقة تفتقد في الحالة الفلسطينية.

 

في المقابل الاحتلال يمضي ضمن خطة لها أركان وقواعد، واستراتيجيات يراكم من خلالها انجازاته، الأمر الذي يتطلب خطوات نوعية في مأسسة العمل الوطني الذي نفتقده منذ انطلاق الحركة الوطنية لذلك يتنقل حالنا ما بين فشل وتراجع.