13:55 pm 28 فبراير 2023

الصوت العالي

كتب حسن مليحات: دبلوماسية الخيبة والحصاد المر!!!

كتب حسن مليحات: دبلوماسية الخيبة والحصاد المر!!!

رام الله – الشاهد| كتب حسن مليحات: تنتشر وتتوزع السفارات والممثليات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الكثير من الدول حول العالم، بعدد يقارب (130) سفارة او بعثة فلسطينية، وتعتبر تلك السفارات والبعثات مثالا حيا للفشل الدبلوماسي الفلسطيني، الذي يمثل أقدس قضية تحرر على وجه الارض في العصر الحديث، قدم خلالها الشعب الفلسطيني على مذبح تلك القضية قوافل من الشهداء والأسرى والجرحى والمعذبين.

 

وما زالت مسيرة عطاء هذا الشعب العظيم مستمرة، ولم يبخل يوما على فلسطين بأغلى ما يملك وهي النفس والروح، وتكلف تلك السفارات والبعثات الدبلوماسية خزينة السلطة الفلسطينية سنويا وفق آخر تقرير عام 2022، ما يقارب (69)مليون دولار امريكي سنويا، هذا عدا عن المصاريف التشغيلية والتكميلية.

 

وزارة الخارجية لا تتابع بشكل حثيث عمل السفارات والبعثات الفلسطينية، وقد أدى ذلك الى انعكاسات سلبية على القضية الفلسطينية، فأخذت في الانحدار والتراجع دوليا وإقليميا وإعلاميا، حتى نكاد نجزم بالقول بانه لم تنظم يوما في أي بعثة او سفارة ورشة عمل أو مؤتمر صحفي إعلامي عن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان والاقتحامات والاعتقالات التي تستهدف الشعب الفلسطيني.

 

ناهيك عن الجرائم الموصوفة التي يرتكبها الاحتلال بالهدم والتهجير القسري الجماعي وسياسة التطهير العرقي التي تمارس ضد الفلسطينيين في المناطق(ج)، ومشاريع الضم التي تبتلع أراضي الضفة الغربية، وجرائم المستوطنين في الضفة ولا حتى سياسات الاحتلال المائية والعنصرية والامنية والاقتصادية التعسفية، وسياسة الإعدامات اليومية الميدانية واعتقال الأطفال القصر والنساء والاحكام التعسفية.

 

وكان بوسع هذه السفارات والبعثات الدبلوماسية مخاطبة الشعوب وإخراج بيانات ووقفات احتجاجية ودعوة سفراء العالم في مقرها للتعريف بالواقع الفلسطيني حياة ومعاناة وحصار وقتل ومصادرة حقوق ، لكنها ارتضت لنفسها ان تكون دبلوماسية صماء، فكان نتاج حصادها الدبلوماسي حصادا مرا لا يليق بتضحيات شعب عظيم.

 

وباستعراض سريع لأداء الدبلوماسية الفلسطينية، نرى كيف تسببت المقابلة التلفزيونية مع السفير الفلسطيني كفاح عودة بفضيحة مزلزلة، نتيجة عدم قدرته على التعبير بأسلوب دبلوماسي متزن عن هموم وقضايا الشعب الفلسطيني، هذا بالإضافة الى ركاكة لغته الانجليزية، في وقت كانت المقابلة تناقش الاعتداءات الاسرائيلية على شعبنا والمسجد الأقصى المبارك، وفي الوقت التي كانت تقود فيه حكومة الاحتلال الاسرائيلية حملة ضد ايرلندا بسبب مواقفها من الاستيطان، ويقرر البرلمان الأيرلندي ادانة ضم اراضي فلسطينية.

 

وبتاريخ 2حزيران 2021 نشرت صحيفة أيرش تايمز خبر لقاء السفير الاسرائيلي في ايرلندا مع السفيرة الفلسطينية هناك جيلان وهبة على حفل عشاء بتاريخ 24 ايار 2021 في العاصمة دبلن، في خطوة تقضي على أي فرص دعم للقضية الفلسطينية في ايرلندا، ولم تراعي مشاعر التعاطف الايرلندي مع القضية الفلسطينية.

 

وتتواصل الهمجية الدبلوماسية وفي الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال هدم البيوت ويمارس التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، وفي مقابلة مع تلفزيون ريبورت تي في تقول السفيرة الفلسطينية في البانيا هناء الشوا بأنها لا تعترض على جملة بان لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.

 

ويستمر الأداء الدبلوماسي المتخبط في فضائحه ،حيث انه وفي شهر حزيران من العام 2022 أعلنت جمهورية نيكاراغوا بان السفير الفلسطيني لديها اصبح شخصا غير مرغوب فيه على اراضيها، حيث انه وبتاريخ 28نيسان2022 اعتدى بالضرب على دبلوماسية تعمل في السفارة الفلسطينية في نيكاراغوا على أثر مشادة كلامية معها، ثم بعد ضربها القى بها خارج مقر السفارة، وما كان منها الا ان تقدمت بشكوى لدى سلطات نيكاراغوا المختصة.

 

ثم يتواصل مسلسل الهبوط الدبلوماسي وبتاريخ 11كانون ثاني 2023 تقدمت المخابرات الجمركية الباكستانية بشكوى ضد ثلاث شركات استيراد وتصدير باكستانية بتهمة تهريب مشروبات كحولية لحساب السفارة الفلسطينية في باكستان، التي عملت على استصدار تصاريح تحت غطاء بضائع دبلوماسية، وقد صادرت السلطات الباكستانية حاوية باسم سفارة فلسطين تحتوي المشروبات الكحولية، الأمر الذي اعتبرته باكستان انتهاكا للأعراف الدبلوماسية.

 

ثم أننا لا ننسى كيف أقدم دبلوماسي يعمل في السفارة الفلسطينية في جنيف في العام 2009على سحب تقرير المحقق ريتشارد غولدستون قبل التصويت عليه بأيام مما شكل صدمة في الأوساط الفلسطينية والدولية.                                                              

 

عند الحديث عن سوق النخاسة للدبلوماسية الفلسطينية، لا بد من الإشارة بشكل مثير للاستغراب الى مدة بقاء وزير الخارجية على رأس عمله منذ العام 2009، وصمد في البقاء في منصبه رغم تعاقب ثلاث حكومات فلسطينية.

 

أيضا السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج منهمكون بالأعمال التجارية، مستغلين الإعفاءات التي يتمتعون بها وفق البروتوكولات الدبلوماسية، ويعملون على تكديس الثروات، ولا يلتزمون بأنظمة وقوانين الدول المضيفة.

 

فما هي الفائدة من عمل سفراء لا يمتلكون ثقافة واسعة في قضايا بلادهم؟ وليس لديهم القدرة على التعبير لحشد تأييد للقضية الفلسطينية؟ ولا يستطيعون الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وفضح جرائم الاحتلال وانتهاكاته المتكررة للقانون الدولي؟ فمحصلة عمل السفارات الفلسطينية تساوي صفر في العالم، فواقعها مخجل ومزري، وبات الفساد هو السمة العامة، وعلى رأسها سفراء لا يفقهون شيئا في أبجديات العمل الدبلوماسي، واصبح مرتعا للظلم والفساد.

 

حتى المنح الدراسية في الخارج يتلاعب بها السفراء، إذ يضيف السفير اسماء تتوافق مع اهوائه ورغباته من غير المرشحين للدراسة، كما حدث في منحة الجزائر للدراسات العليا عام 2019و2020،حيث قامت السفارة الفلسطينية بشطب اسماء طلبة مرشحين واضافة اسماء اخرى من غير المرشحين.                                                   

 

لقد أثر غياب المتابعة الجادة من قبل الدبلوماسية الفلسطينية في ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين امام المحكمة الجنائية الدولية على الحقوق الفلسطينية، ازاء ارتكاب دولة الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في الأراضي الفلسطينية كجرائم هدم المنازل والابارتهايد والتطهير العرقي الممنهج في المناطق(ج)، دون أن تتحرك الدبلوماسية الفلسطينية لرفع قضايا ضد دولة الاحتلال.

 

فمنذ انضمام السلطة الفلسطينية كدولة عضو في محكمة الجنائية الدولية، وانضمامها لنظام روما المؤسس للمحكمة بتاريخ 31/12/2014، ادعت بأنها تنوي احالة ملفات الاستيطان وجرائم الاحتلال بالترحيل القسري وملف الأسرى للمحكمة الجنائية الدولية، ومنذ ذلك الحين تراوح الملفات الخاصة بالفلسطينيين مكانها في اروقة المحكمة، ولم يتم احالة اية ملفات، إلا على شكل شكاوى وابلاغ، ولم يطلب من المحكمة فتح تحقيق رسمي، أي انها لم تستخدم مبدأ الولاية القضائية للمحكمة.

 

فيما تطل علينا السلطة الفلسطينية عقب كل جريمة ترتكبها دولة الاحتلال لتعلن عن نيتها احالة تلك الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية، فيما يبدو بأنها ليست اكثر من محاولة لممارسة الخداع السياسي تجاه الرأي العام الفلسطيني.

 

فالسلطة الفلسطينية وبخطوات متثاقلة تلوح بالتوجه الى المحكمة الجنائية الدولية، الا انها تصر على ربط المسار القانوني بالمسار السياسي، وتحاول استخدام الملف القانوني كورقة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي، في سبيل تحقيق بعض المتطلبات السياسية التي تفتقد الى القيمة الجوهرية.

 

ان الموقف الافتراضي للسلطة الفلسطينية يتمثل في الاحتكام للقانون الدولي، على أمل أن يأتي المجتمع الدولي بالحقوق للفلسطينيين نيابة عنهم، وهذا يعد بمثابة أحد أوهام السلطة الفلسطينية منذ استبدال الدبلوماسية بالكفاح المسلح من اجل الحصول على الاعتراف الدولي محل الشرعية الثورية، ودليل ذلك ابتلاع دولة الاحتلال للقدس، الإضافة لسياسة الضم الفعلي والاستيطان في الضفة الغربية، فقيمة القانون الدولي تدين بالفضل في نهاية المطاف الى المناخ السياسي السائد ومواقف رعاته الأساسيين، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس خلافا قانونيا.

 

ايضا القانون الدولي لم يساعد في حل الصراعات في شبه جزيرة القرم وقبرص وكوسوفو، كما انه لم يجبر دولة الاحتلال على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء او جنوب لبنان، ولكن الذي أجبرها على ذلك استخدام مزيجا من القوة المترافقة مع دبلوماسية مواجهة نشطة، وفقدت القضية الفلسطينية زخمها وبريقها وتجاهلتها الدول لعدم وجود مدافعين اكفاء عن القضية.

 

لذلك فالأجدر بنا تغيير المدافعين لا أن نغير القضية، الامر الذي يعني فشل الدبلوماسية الفلسطينية فشلا ذريعا، لأن الأداء الدبلوماسي ليس اداء عابرا او ردات فعل قائم على مفهوم الفزعة، وانما هي خطة عمل وجهد يومي مثابر وعلى مدار الساعة.                                                                                                           

                                                                                     

ونخلص الى القول بأن الحوادث الدبلوماسية المشينة لم تكن مفاجأة للمتابعين للشأن الدبلوماسي، فالأساس الهمش الذي بنيت عله التعيينات في المواقع الدبلوماسية يعتريه خلل جوهري قائم على المحاباة والمحسوبية.

 

كما ان هناك ضعفا كبيرا في الكفاءات العلمية والأكاديمية، اضافة الى ذلك لا يوجد نظام محاسبة لمتابعة الأخطاء والخطايا التي يرتكبها الدبلوماسيين الفلسطينيين في الخارج، والمطلوب اليوم الارتقاء بالدور الدبلوماسي الفلسطيني لما لهذا الدور من اهمية بالغة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وفضح جرائمه المستمرة.

 

وينبغي ان تعمل الدبلوماسية الفلسطينية وفقا لخطة استراتيجية متكاملة مبنية على الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، والبدء في العمل بما يمكن تسميته دبلوماسية المواجهة والاشتباك.

 

ويجب ان تكون دبلوماسية رشيقة، وملاحقة الاحتلال الإسرائيلي ومحاكمته دوليا بما يضمن تحقيق نوع من العدالة الدولية دون تسيس او مساومة، دون ربط المسار القانوني بالمسار السياسي، وتفعيل والاستفادة من امتداد نطاق الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية الذي يشمل فلسطين، عبر رفع دعاوى ضد دولة الاحتلال عما ترتكبه من جرائم ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني.   

 

-كاتب وخبير استراتيجي                 

Email:- [email protected]