13:58 pm 16 مارس 2023

الصوت العالي

كتب جورج جقمان .. ما هي المشكلة مع اتحاد المعلمين؟

كتب جورج جقمان .. ما هي المشكلة مع اتحاد المعلمين؟

الضفة الغربية-الشاهد| كتب جورج نقمان.. المشكلة تكمن، حسب تعبير ممثلي "حراك" المعلمين الذي يقود الإضراب الآن، في أن الاتحاد "قريب" من السلطة الفلسطينية، أو أنه "موالي" للسلطة، وبالتالي لا يمثل مطالب المعلمين لأن ولاءه ليس للمعلمين ولحقوقهم. غير أن هذا تعبير غامض وخاطئ وسيء لأنه يشخصن الأمور، كأن الأمر يتعلق بشخوص من هم في قيادة اتحاد المعلمين. وهو خاطئ لأن الموضوع يكمن في مكان آخر. 

أين تكمن المشكلة إذا؟ تكمن في أن الاتحاد كهيئة، هو في الواقع الحالي جزء من بنية السلطة وليس مستقلا عنها. وينجم عن ذلك أن أحد أطراف السلطة يمثل المعلمين نقابيا أمام أحد الأطراف الأخرى للسلطة، التي هي الوزارة. ويتبع ذلك أن المشغل، الذي هو السلطة ممثلا بالوزارة، مكلف بقيادة الاضراب ضد نفسه. تعارض صارخ في الأدوار وتعارض صارخ في المصالح.

كيف نجم هذا الوضع؟ نجم عن تماهي منظمة التحرير الفلسطينية مع السلطة الفلسطينية، بل انه حسب موقع رسمي أصبحت منظمة التحرير "دائرة" من دوائر دولة فلسطين. والوزارة هي وزارة الدولة. غير أن المشكلة لا تكمن فقط هنا، بل تكمن اساسا في نقل نموذج منظمة التحرير الفلسطينية لحكم شعب على أرضه وعدم الفصل بين المنظمة والسلطة. وقد بان خطر هذا النموذج إن لم يجر هذا الفصل بين الإثنين.

ذلك أن نموذج منظمة التحرير الفلسطينية يسعى «لتنظيم» المجتمع في هيئات ومجالس ونقابات واتحادات "عامة" و"عليا" وجامعة ودامجة تقف على رأسها، بعد أوسلو، السلطة الوطنية الفلسطينية. غير أن نموذج منظمة التحرير لم يصمم لحكم شعب على أرضه وإنما لغرض تمثيل الفلسطينيين ككل في الداخل وفي الخارج، ولغرض الحفاظ على الكيانية الفلسطينية وحقوقها في أرضها المحتلة، ولغرض صيانة حق العودة أيضا. فكما هو معروف.

لم تكن منظمة التحرير مكونة فقط من فصائل وتنظيمات، أو من تشكيلات سياسية، وإنما تكونت بنيتها أيضا من نقابات عمالية ونقابات طلابية ونقابات للمعلمين واتحادات للمرأة وللكتاب وللصحفيين من بين مهن وهيئات أخرى.  وكانت مقتضيات النضال الوطني والبقاء في الشتات خاصة، وتجميع طاقات المجتمع الفلسطيني تبرر تنظيما شاملا جامعا مثل هذا. وكانت منظمة شمولية مثل منظمة التحرير ضرورية كذلك للحفاظ على الهوية الجماعية للفلسطينيين، وللحفاظ على الذات وتحديد ماهيتها إزاء الإقتلاع والنفي والتشرد والتهديد بالإندثار.

وهنا استقر تعارض النقائض، هنا كمن التناقض الداخلي في نموذج منظمة التحرير الفلسطينية، وإن كان ذلك ضرورة لا مفر منها في غياب سلطة فلسطينية تحكم شعبا على أرضه. فقد احتوى هذا النموذج مكونين أساسيين لا يجتمعان إلا قسراً داخل أطر الدولة:  مجتمع مدني تعددي قيد النمو، زُجَ به داخل دولة قيد الإكتمال. فبحكم التعريف فإن حيز المجتمع المدني يبدأ حيث ينتهي حيز الدولة، وإن كان الحيز الأول يملك استقلالا نسبيا وليس استقلالا مطلقا عن الثاني.

وفي غياب دولة على أرضها، وفي أوضاع الشتات، استمر هذا التعايش مع هذا التناقض كضرورة آنية لا خيار فيها. ولكن، بعد تأسيس كيان سياسي جديد ونشوء سلطة فلسطينية على أرض فلسطين بعد أوسلو، بان بوضوح أكبر تبعات هذا النموذج الوحدوي الشمولي الدامج والجامع على تطور التنظيم المجتمعي المستقل عن الدولة، خاصة في ظل ضعف الأحزاب السياسية وشلل المعارضة داخل منظمة التحرير، ومتطلبات الإتفاق مع إسرائيل.

ويبان الآن بوضوح التناقض الداخلي لهذا النموذج، كون اتحاد المعلمين ما زال ضمن أطر منظمة التحرير التي بعد تماهيها مع السلطة الفلسطينية، أصبحت في هذه الحالة "تضرب ضد نفسها". ومعنى مطلب حراك المعلمين بدمقرطة الاتحاد هو فصل الاتحاد لأغراض حكم شعب على أرضه عن الأطر الشعبية لمنظمة التحرير، وإبقاء نموذج منظمة التحرير لغرض التمثيل السياسي للفلسطينيين ككل، والتمثيل المجتمعي للفلسطينيين في الشتات فقط. 

وتوجد سابقة مهمة لمطلب دمقرطة الاتحاد: إعتبار المجلس التشريعي المنتخب ممثلا للأرض المحتلة عام 1967، وأعضاؤه جزء من المجلس الوطني الفلسطيني، وباقي أعضاء المجلس يمثلون الشتات الفلسطيني. وما يمنع هذا هو إما نزعة محافظة لا ترغب بالتغيير، أو نزعة للسيطرة الشمولية على مفاصل المجتمع الفلسطيني في الداخل