
09:43 am 30 مارس 2023
كتب المحامي عصام عابدين: تشريعات فاسدة على المقاس ومزيد من احتقار الناس

رام الله – الشاهد| كتب المحامي د. عصام عابدين: ليس جديداً، أو مفاجئاً، القولُ إنَّ القرار بقانون رقم (4) لسنة 2023 بشأن تعديل قانون المخابرات العامة رقم (17) لسنة 2005 المنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) بتاريخ 2023/03/28 يندرج في سياق نهج الفساد التشريعي الممنهج الذي عبّر عنه الرئيس عباس المنتهية ولايته منذ سنوات بعشرات القرارات بقوانين وسيطرته "مُنفرداً" على النظام السياسي الفلسطيني البائد وكامل صلاحيات المجلس التشريعي وصلاحيات القضاء (عيّن نفسه رئيساً للهيئات القضائية) وصلاحيات الحكومة ووزارة الخارجية والمالية والاقتصاد والمنظمة ومملكة الشعوذة التي تُدير هذه البلد بأكملها.
باختصار، هذا القرار بقانون، الذي ينص على أن "يُعيَّن رئيس جهاز المخابرات العامة وتُنهى خدماته بقرار من الرئيس، بصرف النظر عن السن" وغيره الكثير من الأوامر الفرعونية، يعكس هلوسات المرحلة الانتقالية؛ أي مرحلة ما بعد موت الرئيس؛ ومصير مملكة الشعوذة.
لا يمكن تسمية هذا العبث تشريعاً، إنها أوامر فرعونية على مقاس أشخاص، وهي رأس حربة مملكة الشعوذة؛ والشواهد على ذلك كثيرة؛ ومن بينها تفصيل قرار بقانون ديوان الرئاسة 2020 (حكومة الظِل) على مقاس مكتب الرئيس؛ وتفصيل قرار بقانون السلطة القضائية 2020 الذي دمّر القضاء على مقاس رئيس المجلس القضائي فرعون القضاء، وتفصيل قرارات بقوانين المحكمة الدستورية والمحكمة الإدارية على مقاس فراعنة المحاكم، وتفصيل قرارات بقوانين هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة على مقاس الأتباع، وغيرها الكثير، وإحكام السيطرة على القوى والأحزاب والاتحادات والنقابات والجمعيات والأندية والقطاع العام والخاص والأهلي وكل البلد.
هذا العبث والتدمير الذي يُسمى زوراً "تشريعات" هو في حقيقته جرائم دستورية موصوفة في القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) وجرائم فساد موصوفة في قانون مكافحة الفساد، وهدفه الحفاظ بل إنقاذ مملكة الشعوذة في الربع ساعة الأخيرة من عمرها مع كم هائل جداً من احتقار الناس مصدر كل السلطات وأصل السيادة.
الناس، الذين تخلوا بإرادتهم عن دورهم الرقابي، والدفاع عن الحقوق والقيم الديمقراطية والدستورية، وباتوا في الدرك الاسفل من مرحلة الانحطاط، وحُلُمُهم أنْ يُقلِدوا ديمقراطية جلاديهم داخل كيان العدو، فينجح العدو في ديمقراطيته أمام العالم، ويبقون داخل الحظيرة.
بداية، من الضروري أن نُؤكد على انتهاء الولاية الدستورية للرئيس عباس منذ مطلع العام 2009 ودخوله عامه الـ 19 في الرئاسة بما يُشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) ويَعني أن القرارات والتصرفات "كافة" التي يقوم بها الرئيس "مُنعدِمة" ولا قيمة لها إطلاقاً لخروجها عن الولاية الدستورية للرئيس (أربع سنوات) والقَسَم الدستوري باحترام النظام الدستوري والقانون.
ومن الضروري أن نُؤكد، أيضاً، على أنَّ تعيين رئيس جهاز المخابرات العامة، كما غيره من قادة قوى الأمن الفلسطينية، لا يقع نهائياً ضمن الاختصاصات والصلاحيات الدستورية "الحصرية" (الثانوية) المُبينة للرئيس عباس المنتهية ولايته الدستورية بموجب أحكام الدستور.
وهذا ما أكدته بوضوح المادة (38) من القانون الأساسي (الدستور) التي شددت على أن يُمارس الرئيس سلطاته ومهامه التنفيذية "على الوجه المُبَيّن في القانون الأساسي". وكذلك المادة (63) التي شددت بوضوح على أنه "... وفيما عدا ما لرئيس السلطة الوطنية من اختصاصات تنفيذية "يُحدّدها القانون الأساسي" تكون الصلاحيات التنفيذية والإدارية من اختصاص مجلس الوزراء".
وحيث أنه لا توجد أيّ مادة في القانون الأساسي (الدستور) بأكمله (121 مادة) تُعطي الرئيس صلاحية تعيين رئيس جهاز المخابرات فإنَّ تلك الصلاحية هي للحكومة حتماً بموجب الدستور. وهذا القرار بقانون مُنعدِم (ميت) لمخالفته أحكام الدستور الفلسطيني ولا يُرتب أيّ أثر قانوني.
إنَّ ما ورد في قانون المخابرات العامة رقم (17) لسنة 2005 وقانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم (8) لسنة 2005 بشأن صلاحية الرئيس بتعيين رئيس المخابرات، وغيره من قادة قوى الأمن، ينهار أمام القانون الأساسي (الدستور) وإرادة المشرّع الدستوري التي حَسَمت أمرها بأنَّ كل ما يتعلق بالتعيينات والمهام والصلاحيات التنفيذية والإدارية بشأن قوى الأمن هو من اختصاص الحكومة.
ومن البديهي؛ أنه إذا تعارض أي نص في قانون عادي أو قرار بقانون على فرض دستوريته مع أحكام الدستور، يتم تطبيق الدستور؛ باعتباره "التشريع الأسمى" التزاماً بمبدأ تدرّج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية، وهرمية التشريع، وإعمالاً لحُكم الدستور وإرادة المشرّع الدستوري التي تَعلو على الجميع ولا يُعلى عليها.
كما أن قانون المخابرات العامة رقم (17) لسنة 2005 ينص في المادة (4) فقرة (2) على أن "مدة تعيين رئيس المخابرات ثلاث سنوات، ويجوز تمديدها لمدة سنة فقط". ما يعني أن تلك المدة القانونية قد انتهت منذ سنوات. وهذا القرار بقانون غير الدستوري لا يستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ردحاً طويلاً من الزمن. وهذا ما ينطبق أيضاً على غيره من قادة قوى الأمن.
وإنَّ تجاهل المُدَد المُحددة قانوناً لتعيين قادة قوى الأمن لا يعني إطلاقاً أنَّ استمرارهم في شغل المنصب على أرض الواقع قد بات دستورياً وقانونياً.
علاوة على ذلك، فإنَّ قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم (8) لسنة 2005 ينص بوضوح على أن مدة "خدمة اللواء" يجب أن لا تتجاوز "أربع سنوات" في جميع الظروف والأحوال. وهذا ما أكدته المادة (42) من قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية والتي نصت صراحة على أن "تكون مدة خدمة اللواء ثلاث سنوات تنتهي بعدها خدمته ويجوز مد خدمته سنة أخرى لمدة أقصاها أربع سنوات ما لم يبلغ سن إنهاء الخدمة قبل ذلك". وبذلك، مدة خدمة اللواء تنتهي بعد "أربع سنوات" بقوة أحكام القانون. علاوة على انتهاك أحكام الدستور.
يَعْلَم الرئيس المنتهية ولايته، جيداً، أنَّ إمبراطورية الرئاسة انهارت تماماً على المستوى الدستوري في التعديلات الهائلة التي جرت على القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) في العام 2003 والتحوُّل باتجاه النظام البرلماني والصلاحيات الحصرية "الثانوية" للرئيس. فالترتيبات التي تُسابِق الزمن، لمرحلة ما بعد الرئيس، تنتهك أحكام الدستور، ومصيرها السقوط حتماً أمام قوة إرادة المشرّع الدستوري.
إنَّ كل ما يجري على الأرض، مِن سباق للزمن، إنما يسعى باستماته لإنقاذ مملكة الشعوذة ونهج الفساد المُمَأسس وضمان استمراريتها، في مرحلة ما بعد الرئيس. إنها تجارب الوقت الضائع، التي لم ولن تكترث بحجم الاحتقار الهائل الذي يطال الناس نتيجة تلك الشعوذات الممنهجة، التي وصلت حدَّ حُلُم بل شغف الفلسطينيين بتقليد ما يجري من ممارسات ديمقراطية ناجحة أمام العالم داخل كيان العدو.
مملكة الشعوذة، ستسقط، حتماً، إنْ بقي كرسي الرئيس "شاغراً" في المرحلة القادمة بعد وفاة الرئيس. وجرى الترتيب للانتخابات العامة المتزامنة للرئاسة والمجلس التشريعي وفقاً لأحكام الدستور، بالتزامن، مع برنامج "عدالة انتقالية" شامل للقطع نهائياً مع الماضي والتحوُّل الديمقراطي على قاعدة الالتزام الصارم بالقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) إنه طريقكم الوحيد للخلاص والتحوّل الديمقراطي وتقرير المصير أيها الناس يا مصدر كل السلطات وأصل السيادة.