إقالة المحافظين.. هل فقد عباس ثقته بالدائرة المقربة منه؟

إقالة المحافظين.. هل فقد عباس ثقته بالدائرة المقربة منه؟

رام الله – الشاهد| كتب صلاح علي موسى: كتبت العديد من المقالات التي أمعنت بوصف وتحليل قرار الرئيس حول احالة المحافظين للتقاعد حتى ان المختصين في الجانب الاسرائيلي قد تناولوا الموضوع ودسوا السم فيما كتبوا.

قد تكون التحليلات جميعها منطقية ان تم قراءتها بالسياق العام والظاهر وقد تكون مقبولة شعبيا ومستساغه في ظل حالة الصراع على الخلافة وغيرها من أسباب أخرى تتعلق بالحكومة وحركة فتح واللجنة المركزية والانقسام والخلاف مع حماس والحصار المالي والسياسي الإسرائيلي والعربي والدولي للسلطة. الا ان ما يلفت النظر بقرار الرئيس المسائل التالية:

إن القرار صدر دون معرفة أحد حتى من الدائرة المقربة لسيادة الرئيس حيث ان المستشار القانوني للرئيس على ما يبدو اول من عرف بالقرار بحكم وظيفته وطلب منه إعداده لسيادة الرئيس لغايات اصداره.

جاء بعد فشل جولة المصالحة التي جرت في مصر وما شهدته من توترات داخلية بين أعضاء الوفد المرافق للرئيس بخصوص شكل وطريقة إدارة ملف المصالحة وما يتعلق بالسلطة ومنظمة التحرير وطبيعة الشخصيات التي رافقت الرئيس في افتتاح جلسة لجنة الحوار.

كما أنه أعقب زيارته المفاجئة واجتماعه مع الملك عبد الله الثاني بخصوص المبادرة السعودية، وكان قد سبقها تعيين قدورة فارس رئيس لهيئة الاسرى محل الراحل قدري ابو بكر، خاصة وان الاخير محسوب على مروان البرغوثي وكان مغيبا عن المشهد الرسمي وان كان له وجود شعبي ملحوظ بملف الاسرى.

ان القرار جاء بعد ان سرب الاعلام العبري ان جهات امنية اسرائيلية سلمت الرئيس معلومات تفيد بمشاركة عدد من ضباط الامن بالمواجهات والاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين وبلاطة ونابلس وطولكرم وغيرها، وقد تكون اسرائيل سلمت الرئيس معلومات تفيد بتدخل أطراف وازنة في السلطة بتسليح عدد من المسلحين في مخيم جنين وبلاطة ونابلس مما دق ناقوس الخطر لدى الرئيس حول إمكانية قيام إسرائيل  بمهاجمة افراد ومقرات السلطة ان تدحرجت الامور مما يعني دخول السلطة بمواجهة غير محسوبة والرئيس لا يرغب أي صدام عسكري مهما كان مع اسرائيل، وبالتالي فان المحافظين  ومدراء الاجهزة الامنية لا يقدمون له الصورة الحقيقة.

ان القرار جاء بعد تقديم رئيس الوزراء استقالته ومطالبته للرئيس بتفهم استقالته لعدم قدرته على الاستمرار في ظل عدم تعاون المحافظين معه ومدراء عدد من الاجهزة الامنية وغياب اي رقابة على السفراء كما ان عدد من الوزراء لم يعودوا يتعاونون مع رئيس الوزراء في إدارة الشأن العام. كما ان وضع القضاء مأساوي مما يمنع الحكومة من أداء دورها بفاعلية.

ان القرار جاء في ظل الحديث عن حاجة ملحة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية وتلقي الرئيس طلبات من الجانب الامريكي بضرورة اعادة الحوكمة ومحاربة الترهل والفساد المنتشر في أكثر من جهة حسب ما يدعي الامريكان، حتى ان امريكا والاتحاد الاوروبي تدخلوا وطلبوا بضرورة سحب المرسوم القاضي بتشكيل مرجعية موحدة للهيئات القضائية مما يعني ان امريكا والغرب وبالطبع عدد من الدول العربية تتدخل بالتفاصيل الداخلية، فأن تدخلوا حول مرسوم وطالبوا بإلغائه فكيف بباقي المسائل الأخرى!.

رافق قرار اقالة المحافظين تشكيل لجنة من الرئيس للبحث في تعيين محافظين جدد ولم يتم الاعلان عن اسماء هذه اللجنة، ويعد عدم الاعلان عن اسماء اعضاء اللجنة رسالة اخرى من الرئيس انه لا يرغب بأي تدخلات من اي جهة و/او جهات بأسماء المرشحين، وقد تكون رسالة من الرئيس تعكس غياب ثقته بالمنظومة القائمة والعاملة معه!

كل ما ذكر قد يكون صحيحا لكن الأخطر في القرار من وجهة نظرنا ان الرئيس لعلى ما يبدو لم يعد يثق بأحد ممن حوله، ولا اتفق ولا اميل بان الرئيس قد فرضت عليه هذه الخطوة فهو متقد الذهن وقد يكون قد اتخذ القرار للاعتبارات التالية:

ان شكل القرار وطريقته المفاجأة تعكس رسالة قوية لكل المقربين منه انه لم يعد يثق بأي واحد منهم وانه قد يتخذ اي قرار بحق اي منهم بأي لحظة وبالطريقة والوقت الذي يراه مناسبا.

ان طريقة اتخاذ القرار تعكس رغبة الرئيس بإيصال رسالة بانه يتحكم بالأمور وأن أقرب دائرة له لم تكن تعرف بالقرار بل يقال ان الرئيس اعتبر ان تغييرهم يحتاج الى وقت، ليفاجأ الجميع باتخاذ القرار بعد عدة ساعات. على الرغم ان عدد من المحافظين كانوا قد تقدموا بطلبات تقاعد للرئيس من السابق وآخرين طلبوا نقلهم لأماكن أخرى.

الرئيس اراد تجنب اي تدخلات قادمة تعيق او تؤخر احالة المحافظين للتقاعد، وبالتالي فان هذا القرار يؤشر الى  الاسلوب الذي سيتبعه الرئيس في المرحلة الحالية والقادمة حيث أشيع عن نيته احالة اكثر من 30 سفيرا للتقاعد وإجراء تبديل واسع في الاجهزة الامنية   ويقال انه احد الاجهزة الامنية سيتم دمجها مع اجهزة اخرى كما ان هناك مسارين للحكومة ،واحد يقول انه سيوافق على تعديل واسع على حكومة اشتية واخر يقول ان الدكتور محمد مصطفى ماضي في لقاءاته لتشكيل الحكومة عندما يقبل الرئيس استقالة اشتيه، كما ان التغيير القادم قد يشمل الجهاز القضائي! خاصة وان رئيس مجلس القضاء قد بلغ الثمانين وأكثر.

الرئيس يعيد تجربة ابو عمار عندما ذهب الى كامب ديفيد حيث لم يفصح ابو عمار لأي فرد من افراد الطاقم المفاوض بالسقف الذي سيقدمه في جولة المفاوضات، وابو مازن بهذه المرحلة قد لا يثق بأحد وهذا تقدير  وليست معلومات لذا فانه طلب من الطاقم العامل معه في مكتب الرئيس بالبقاء تحت الطلب تحسبا لأي خطوات سيقوم بها، لذا فانه بات يعتمد على مصادر مختلفة لتدفق المعلومات التي يتلاقها، فأراد الرئيس ان يرسل رسالة هامة وحاسمة انه لا يثق باي احد الا من يعمل وفق توجيهاته خاصة بعد استحكمت كافة السلطات بيده  ونعتقد اننا امام تسونامي داخلي وخارجي يرتبط بطبيعة المرحلة السياسية القادمة وحرب الخلافة فإما ان يعزز من مكانة اشخاص موجودين في المشهد و/او يقدم أشخاص جدد لم يكونوا في المشهد و/او كانوا في الظل!

فهل فقد بالفعل الرئيس الثقة بالدائرة المحيطة به ام انه يعمل على اعادة تشكيلها من جديد، وهل امريكا تلعب دورا في ذلك؟!!! ام ان أطراف عربية لها دور في ذلك؟ الايام القادمة ستجيب عن ذلك. في كل الأحوال كان يفضل تجنب احالة المحافظين بهذه الطريقة على التقاعد حفاظا على هيبة من يمثلون الرئيس والسلطة بشكل عام.

إغلاق