ضمير رئيس مجلس القضاء الانتقالي ينتهك الدستور والقانون

ضمير رئيس مجلس القضاء الانتقالي ينتهك الدستور والقانون

بقلم: د. عصام عابدين – الشاهد| تقدم العديد من القضاة الفلسطينيين المنتدبين بغير وجه حق بشكوى جزائية ضد رئيس المحكمة العليا رئيس المجلس الانتقالي غير الدستوري، عيسى أبو شرار، على خلفية الجرائم التي ارتكبت يوم السابع من أيلول 2020 بفعل قيام شرطة المحكمة العليا، التي تعمل تحت إمرة رئيس المحكمة، بمنع القضاة المنتدبين الذين تقدموا بطعن على قرار انتدابهم ومنع المحامين ومنع المتضامنين من حضور جلسة المحاكمة العلنية وإحالة المحكمة العليا إلى ثكنة عسكرية. الأمر الذي دفع جمعية نادي القضاة الفلسطينيين إلى إعلان السابع من أيلول من كل عام يوماً أسود في تاريخ العدالة الفلسطينية.

 

ورد في حيثيات الشكوى الجزائية؛ أن المشتكى ضده رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس القضاء الانتقالي بحكم الأمر الواقع، أبو شرار، هو المسؤول عن أمن المحكمة العليا وحسن انتظام سير العمل فيها، وهو المخول بحكم القانون بإصدار التعليمات لشرطة المحكمة العليا، وأن الوقائع المسندة للمشتكى ضده أبو شرار تشكل جرائم موصوفة في قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وهي جريمة المتاجرة بالنفوذ وجريمة إساءة استعمال السلطة وجريمة المحسوبية والمحاباة وجريمة تضارب المصالح وجريمة إعاقة سير العدالة وجريمة التهاون في واجبات الوظيفة، والطلب بجلب المشتكى ضده رئيس المحكمة العليا السيد أبو شرار والتحقيق معه وإحالته للنيابة العامة والمحكمة المختصة لمجازاته حسب الأصول والقانون.

 

رد المشتكى ضده، أبو شرار، على موقع وكالة وطن للأنباء التي نشرت الخبر بتاريخ 15 تشرين الأول 2020 بالآتي "من حق القضاة رفع الشكوى وأنه سبق لهم أن قدموا شكوى للنائب العام ضدي، ولا أصادر حقاً لأي مواطن في تقديم الشكوى، ولكن أرى أن ما يقومون به هو من قبيل المناكفة التي لن توصلهم إلى نتيجة". وتابع "القضاة المنتدبون هم 20 قاضياً، وأنا ضميري مرتاح باتخاذ القرار بحقهم، لأنه بنظري ونظر جزء مهم من الرأي العام أنهم غير صالحين في القضاء بسبب عدم صلاحية البعض، لأسباب تتعلق بسلوكهم أو تطوير قدراتهم العلمية". وتابع أيضاً "لا أستطيع منع أحد من تنظيم مؤتمر صحفي ولا من دخول المحكمة ولم أفعل ذلك، القضاة غير ممنوعين من حضور المحاكمات، لكن ربما الإجراءات الوقائية التي تفرضها وزارة الصحة تتطلب تحديد عدد الحضور لتطبيق البروتوكول الصحي لمواجهة فيروس كورونا".

 

إن الشكوى الجزائية المقدمة من العديد من القضاة المنتدبين ضد رئيس المحكمة العليا والمجلس الانتقالي بالأمر الواقع تشير بحد ذاتها إلى حجم الإنهيار غير المسبوق في تاريخ السلطة الفلسطينية الحاصل في القضاء. وإن هذا الرد – إن جاز التعبير – أمام جرائم فساد موصوفة واردة في الشكوى ضده وفي ضوء الوقائع قد تؤدي إذا تم التعامل معها بجدية ومحاكمة عادلة وناجزة لإدانة السيد أبو شرار وإيداعه مركز الإصلاح والتأهيل (السجن) على الجرائم الواردة في الشكوى الجزائية.

 

ما يثير الانتباه أيضاً، حجم التخبط، والتناقضات، في الأداء الإعلامي، الذي يعاني منه رئيس المحكمة العليا والمجلس الانتقالي الذي انفردت السلطة التنفيذية بتعيينه وتحديد مكافآته الشهرية، لدرجة أنه عاجز عن التصريح بجملة واحدة بعيداً عن سيل الأخطاء والضياع، وفيما يبدو أن المسألة تتعدى ضحالة الثقافة القانونية، والقدرة على الرد، حيث نلاحظ أن رئيس الانتقالي يستخدم تعابير  غريبة مثل "لا أصادر حقاً لأي مواطن في تقديم شكوى" وكأنه يملك مصادرة هذا الحق الدستوري والقانوني للمواطنين ولا يرغب في مصادرته! من المهم، قراءة مثل تلك الردود، في مجال علم النفس الجنائي

 

 

ضمير رئيس مجلس القضاء الانتقالي ينتهك الدستور والقانون بقلم: د. عصام عابدين 16 تشرين الأول 2020 تقدم العديد من القضاة…

Posted by Isam Abdeen on Friday, October 16, 2020

يرى السيد أبو شرار في تصريحه الإعلامي بأن ما يقوم به القضاة هو من قبيل "المناكفة" التي لن توصلهم إلى نتيجة، وفيما يبدو أنه لا يفرق بين الجرائم الموصوفة الواردة في الشكوى الجزائية وبين ما أسماه المناكفة، ومن ثم يتحدث كخصم وحكم بذات الوقت في الشكوى الجزائية ضده "ما يقوم به القضاة لن يوصلهم إلى نتيجة"! فكيف وصل لهذه النتيجة في الشكوى المقامة ضده؟ تلك النتيجة لا تخرج عن أحد احتمالين؛ الأول: أن رئيس الانتقالي يراهن على الأجواء المرعبة التي نشرها داخل القضاء من خلال "قوائم إحالة القضاة للمنازل تحت عنوان الندب" خلافاً للدستور والقانون والتلويح بها بين الحين والآخر لإخضاع القضاء لأوامره على قاعدة التعاون أو الندب. والثاني: أنه وصل لهذه النتيجة بالتنجيم بعد عجزه عن الرد القانوني على جرائم موصوفة، وشتان بين التنجيم وبين الإجراءات الجزائية ومبدأ الشرعية في النصوص العقابية.

 

يتابع السيد أبو شرار في تصريحه الإعلامي رداً على الشكوى الجزائية ضده "أنا ضميري مرتاح باتخاذ القرار بحق القضاة المنتدبين لأنه بنظري ونظر جزء مهم من الرأي العام أنهم غير صالحين في القضاء بسبب عدم صلاحية البعض لأسباب تتعلق بسلوكهم أو تطوير قدراتهم العلمية". مجدداً العبارات التي تصدر عن رئيس المجلس الانتقالي تستوجب قراءتها في سياق علم النفس الجنائي. وحيث أن رئيس المجلس الانتقالي، من خلفية عسكرية، فمن الجيد التذكير بأنه عندما تواصلت الاحتجاجات في الولايات المتحدة رداً على إسقاط الملاحقة القضائية على شرطي أبيض قتل شاباً من أصول إفريقية (مايكل براون) خرج ذاك الشرطي إلى الإعلام لأول مرة ليعلن أن "ضميره مرتاح" إنها قراءة لمسار الضمير في علم النفس الجنائي.

 

 ورغم أنه قد مضى ما يزيد على أربعة شهور على قرار ندب القضاة المخالف للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية (قرار منعدم) ومكوثهم منذ ذلك الوقت في منازلهم بغير وجه حق، وتخبط رئيس المجلس الانتقالي طيلة هذه المدة في التعامل مع هذا الانتهاك للمبادىء والقيم الدستورية وكرامة القضاة تارة بذريعة أن الندب قد جرى للمصلحة الوطنية العليا، وتارة بأن هناك ملفات حملها رئيس الانتقالي معه لدى دخوله المجلس كما صرح رئيس دائرة التفتيش القضائي للإعلام ودون توضيح مَن أعطاه تلك الملفات المزعومة؟ مع تأكيد رئيس دائرة التفتيش بعدم وجود ملفات لديه على القضاة المنتدبين، وحرمانهم من أبسط حقوقهم القانونية في الدفاع عن أنفسهم وقواعد المحاكمة العادلة، وبالرغم من تأكيد عضو  المجلس الانتقالي المستقيل عبد الكريم حنون للإعلام أنه لم تُطرح أية ملفات للقضاة على المجلس الانتقالي، وركون رئيس الانتقالي إلى "حاسة الشم" في وجود ملفات على القضاة كما صرح للإعلام، وبعد كل ذلك، لا يتردد رئيس الانتقالي بحكم الواقع، في أن يُعلن للإعلام بأن "ضميره مرتاح" باتخاذ القرار بندب القضاة الشباب ومكوثهم بالمنازل بغير وجه حق.

 

ورغم صدور العديد من البيانات وأوراق الموقف التي تؤكد أن قرار ندب القضاة مخالف للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، ويندرج في إطار تصفية الحسابات، كما أوضحت نقابة المحامين التي تمثل آلاف المحامين وجمعية نادي القضاة التي تمثل الهيئة العامة للقضاة وعشرات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والأحزاب السياسية وحملة واسعة من الناس تطالب بحل المجلس الانتقالي وتشكيل مجلس دائم طبيعي وفق القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، والإشارة الصريحة إلى دور المستشار القانوني للرئيس في انتهاك الدستور والقانون في ندب القضاة والشللية القائمة حالياً في إدارة القضاء، التي بدت واضحة في تعيين وندب وكيل وزارة العدل للقضاء خلافاً للدستور والقانون، وافتقار المجلس الانتقالي أيضاً للنصاب القانوني اللازم لصحة عقد أي اجتماع واتخاذ أي قرار واستمرار المجلس والحالة تلك بإقرار تشكيلات قضائية وحلف اليمين أمامه من قبل القضاة الجدد بما يعرض السلطة القضائية وحقوق الناس لأفدح المخاطر والأضرار، يكتفي رئيس الانتقالي (نحو 85 عاماً) بتبرير قرار  ندب القضاة بأسلوب العزل بأنه "بنظره" و "بنظر جزء مهم من الرأي العام" أن القضاة غير صالحين في القضاء ودون أن يوضح مَن يقصد بالجزء المهم من الرأي العام الذي يتحدث عنه؟ وفيما يبدو أن رئيس المجلس الانتقالي بات يُصنف الرأي العام (عبارة جزء مهم) إلى رأي عام مهم ورأي عام غير مهم!

 

وإذا كان القضاة "غير صالحين" كما يرى رئيس المجلس الانتقالي فلماذا صدر قرار الندب تحت عنوان "المصلحة الوطنية" وفق المادة (23) من قانون السلطة القضائية؟ وما هو مفهوم المصلحة الوطنية للندب عند رئيس الانتقالي؟ وهل رئيس المجلس الانتقالي هو مَن يقرر بأن القضاة صالحين أو غير صالحين للعمل القضائي ودون أي أساس قانوني ويعتدي بفجاجة على صلاحيات المجلس التأديبي المشكل بقوة قانون السلطة القضائية بل ويعتبره غير قادر على اتخاذ القرارات ويعتبر أن قانون السلطة القضائية المتطور يكرس الفساد وفق ما صرح سابقاً للإعلام؟ وبخاصة مع تأكيد عضو المجلس الانتقالي المستقيل حنون بأن ملفات القضاة المنتدبين لم تطرح على المجلس الانتقالي؟ وتأكيد رئيس دائرة التفتيش القضائي بأنه لا يوجد أي ملفات للقضاة المنتدبين في دائرة التفتيش القضائي وأن رئيس المجلس الانتقالي هو الذي جلب الملفات معه؟

 

واستمراراً لحالة الضياع التي يعاني منها رئيس الانتقالي، والإصرار على انتهاك الدستور والقانون في عملية ندب القضاة، وتشبثه، والنصف المتبقي من المجلس الانتقالي، بكرسي إدارة القضاء، في زمن الجائحة والأجواء البوليسية وحالة الانحطاط التي يعيشها القضاء الفلسطيني في عهده، يقول رئيس الانتقالي بأن ندب القضاة جاء لأسباب تتعلق بسلوكهم وما زال يفشل في بيان طبيعة السلوك الذي يتحدث عنه؟ ولماذا لم يتم التعامل مع القضاة وفق الإجراءات الواضحة الواردة في قانون السلطة القضائية في مسألة السلوك؟ وماذا عن سلوكه هو بشأن القضاة المنتدبين والفشل الذريع في إدارة القضاء؟ 

 

لافت أن يتحدث رئيس الانتقالي في خِضم حالة الضياع والفشل التي يعانيها لتبرير قرار ندب القضاة بأنه جاء لأسباب تتعلق بــ "تطوير قدراتهم العلمية" فكيف يستقيم ذلك والندب وفق المادة (23) من قانون السلطة القضائية التي تم الاستناد إليها إنما يكون للقيام بأعمال قانونية اقتضتها مصلحة وطنية عليا ناتجة عن خبرات قانونية متوفرة لدى القضاة المنتدبين اقتضت مغادرتهم مؤقتاً منصة للحكم للقيام بتلك الأعمال القانونية في مؤسسات الدولة للحاجة الماسة لخبرتهم القانونية؟

 

لافت حقاً، بعد الفشل الذريع الحاصل في إدارة القضاء، وحالة التخبط وتراكم الفشل التي يعاني منها رئيس الانتقالي، وما تكشفه تصريحاته الإعلامية من ضحالة واضحة في الثقافة القانونية، وفي الإلمام بقانون السلطة القضائية، كما هو الحال لدى المستشار القانوني للرئيس بشأن القرارات بقوانين التي صدرت وبخاصة خلال مرحلة الطوارىء، وغياب أي منتوج علمي صادر عنه، وبالنظر إلى الأحكام القضائية الضعيفة في الصياغة والمضمون التي كانت تصدر عنه عندما كان قاضياً وما تحمله من محاباة للسلطة التنفيذية وأجهزتها من قبيل شرعنة شرط الحصول على براءة الذمة من شركة الكهرباء ومصلحة المياه والبلديات كشرط لقبول المعاملات الحكومية خلافاً للدستور والقانون، واعتبار حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير صلاحية حصرية للرئيس لا تخضع لرقابة القضاء في محاولة فاشلة لتعديل قانون السلطة القضائية والتمديد لنفسه بغير وجه حق وخلافاً للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وذلك عندما تولى رئاسة المجلس القضائي بدون تنسيب من المجلس خلافاً للدستور والقانون في فترة ولايته السابقة بحكم الواقع من عام 2005 حتى عام 2009. لافت حقاً، بعد كل ذلك وغيره، أن يتحدث السيد عيسى أبو شرار عن "القدرات العلمية" فالحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره.

 

وتستمر حالة الضياع التي يُعانيها رئيس الانتقالي بتسارع عندما يعزو منع القضاة والمحامين من حضور جلسة المحاكمة في 7 أيلول في الطعن المقدم من القضاة للمحكمة العليا على قرار الندب بالآتي "لا أستطيع منع أحد من تنظيم مؤتمر صحفي ولا من دخول المحكمة ولم أفعل ذلك، القضاة غير ممنوعين من حضور المحاكمات، لكن ربما الإجراءات الوقائية التي تفرضها وزارة الصحة تتطلب تحديد عدد الحضور لتطبيق البروتوكول الصحي لمواجهة فيروس كورونا". علماً أن رئيس الانتقالي ذاته كان قد صرح بتاريخ 14 أيلول على برنامج عدل الذي يبث على وكالة وطن بأن "المستوى السياسي كان لديه إحساس بأن هذا التحرك موجه ضد المستوى السياسي وضد الرئيس بشكل شخصي وبالتأكيد إن الرئيس هو الذي أصدر الأمر بحظر إجراء أيّ تجمع أمام المحاكم". ولم يتحدث وقتها، عن فيروس كورونا المستجد، لمنع القضاة من دخول المحكمة.

 

يبدو أن استفحال حالة التخبط والضياع تدفع رئيس الانتقالي للتصريح للإعلام تارة بأن منع القضاة والمحامين وحشود المتضامنين من حضور جلسة المحاكمة العلنية وتنظيم مؤتمر صحفي جاء بأمر من الرئيس وموجه ضد الرئيس معتمداً على إحساس السلطة التنفيذية ومُتحدثاً باسمها ونيابة عنها، وتارة أخرى بأن المنع ربما يكون بسبب الإجراءات الوقائية التي تفرضها وزارة الصحة لمواجهة فيروس كورونا، وأنه لا علاقة له (أبو شرار) بالأمر  رغم أنه المسؤول قانوناً عن أمن المحكمة العليا، وحسن انتظام سير العمل فيها، والمخول قانوناً بإصدار التعليمات لشرطة المحكمة العليا في تلك الحالة!

 

استفحال الحالة أدت برئيس الانتقالي لأن يتذرع بالإجراءات الوقائية ووزارة الصحة والبروتوكول الصحي وفيروس كورونا لتحديد عدد الحضور في جلسة المحاكمة، وأن ينسى أو يتجاهل أنه لم يتم السماح لأحد من القضاة ولم يتم السماح لأحد من المحامين ولم يتم السماح لأحد من المتضامنين بحضور الجلسة، وأن ضابطاً من شرطة المحكمة خرج وأبلغ المتواجدين أمام مبنى المحكمة العليا في ذلك اليوم (السابع من أيلول) بأن الجلسة قد رُفعت! بما يؤكد ما قلناه بداية بأن رئيس الانتقالي عاجز عن الإدلاء بجملة واحدة للصحافة بعيداً عن حالة التخبط والضياع التي يعاني منها وجلبها للقضاء.

 

راحة الضمير، ربما تكون خطرة على الذات والمحيط في علم النفس الجنائي، وشتان بينها وبين حكم الدستور والقانون.

إغلاق