من ذاكرة الفساد في تلفزيون فلسطين: ملف هشام مكي

من ذاكرة الفساد في تلفزيون فلسطين: ملف هشام مكي

عمان – الشاهد| كتب الأستاذ رياض صافي ضمن سلسلة ملفات عن الوطن فلسطين، مقالا عن الفساد في تلفزيون فلسطين، ورئيسه الأول هشام مكي:

 

اما كيف وصل هشام مكي الى ما وصل اليه , فالرواية على لسان البعض تقول , حين دخل ابو عمار الى غزة ( بموجب اتفاقية اوسلوا غزة واريحا أولاً ) قدم هشام بيت جده القديم المقام قرب الشاطئ مقراً لإقامة أبو عمار . وتم تسمية المبنى المكون من طابقين ( بالمنتدى) , وتبرع هشام بأنشاء قناة محلية تلفزيونية مقرها الطابق الارضي للمنتدى , واستعان ببعض أجهزة البث المتواضعة من هنا وهناك مع بناء برج متواضع , كان البث لا يصل الى أكثر من كيلو متر واحد , ومع افتتاحية كل صباح وبالاعتماد على جهاز الفيديو كان يُعرض السلام الفلسطيني مع صورة أبو عمار وهو يؤدي التحية للعلم , وكان البث يصل مبيت أبو عمار جلياً واضحاً , مما شجع هشام مكي على طلب ميزانية تلو أخرى لتحسين البث وشراء اجهزة حديثة لتوسيع دائرة البث .

 

وشيئاً فشيئاً أنشأ هشام مبنى فخماً للفضائية في غزة وأحضر الاجهزة والمعدات اللازمة وبنى الاستوديوهات الداخلية, وحسب ما قيل لي أن الاجهزة المستوردة كانت تورد على أساس انها أجهزة جديدة في أغلفتها . والحقيقة أن معظمها كان مستعملاً وأعيد تغليفه و تم توريدها بأسعار خيالية على انها جديدة .

 

وفي رحلاته بين مصر والاردن , توخى هشام التعاقد على شراء برامج ومسلسلات معظمها مستهلك وبأسعار زهيدة . وبفواتير عالية القيمة والفروقات الهائلة في جميع الاحوال تعود الى حساب هشام البنكي في الخارج بالاتفاق مع الموردين . ولا يسمح لغيره أياً كان بأن يقوم بهذا الدور اطلاقاً .

 

حدثني المخرج يحي بركات مدير البرامج بالفضائية أنذاك انه وبدافع من حرصه على التوفير على الفضائية , قام باتصال مع بعض شركات الانتاج العربية للحصول على مواد متلفزة , واستطاع أن يحصل على موافقة تلك الشركات بالتبرع بالمواد مجاناً , وحين علم مكي بالأمر قام بتوبيخ بركات على فعلته الشنيعة ورفض اي مادة قدمت بدون مقابل .

 

اما ما توصلت اليه شخصياً ومن خلال علاقتي بالمنتجين في الاردن , أن منتجاً وموزعا فنياً يملك شركة في عمان اقسم لي انه ورّد الاف الساعات الدرامية والوثائقية لفضائية فلسطين , كان يشتري الساعة من المنتجين مع شريط التسجيل بمئة دولار , ويوردها الى فضائية هشام مقابل ما يزيد عن خمسمائة دولار امريكي تدفع في الحال .

 

أما كيف اصبح هشام صاحب سطوة ونفوذ , فحدثني أحد المقربين منه , أن هشام كان يزور بعض المعارض وشركات بيع السيارات والاجهزة الثمينة, ويقنعهم بأن عليهم أن يقدموا الهدايا لبعض المتنفذين في أجهزة السلطة من ألوية وعقداء , وبدافع طلب الحماية والسماح لإجراء معاملاتهم بسهوله يقدم أحدهم مفتاح سيارة من وكالة ما , او جهاز ثمين من مؤسسة أخرى , ويقوم هشام بتقديمها لأصحاب الالوية والعقداء بنفسه . ناهيك عن الحفلات التي كان يرعاها بنفسه ويقدم لأصحاب الفخامة ما يسيل اللعاب من فتيات عابرات من مصر الى مطار غزة بأشراف امبراطور الاعلام الفلسطيني ورافع رايته .

 

وكل هذا مكن هشام من تحصين نفسه ضد اي اتهام اومساءلة لأن جزء من المتورطين معه يدركون أن اي سقوط لهشام هو سقوط لهم بالتبعية مما جعله متسلحاً واثقاً من عدم المساس به من أي جهة كانت , او حتى مساءلته عن الفساد الذي يمارسه .

 

ومع هذا وحفاظاً على ما تبقى من ماء الوجه لدى القلة القليلة ممن لم يلوثهم هشام , طالبوا أبو عمار بأبعاد هشام عن منصبه بعد أن بدأت تنكشف بعض الحقائق للجمهور الفلسطيني وأصبح عبأ ثقيلاً على السلطة , وبالفعل أتخذ قرار بتعيين بديل عن هشام الذي رفض تسليم زمام سلطته , مما أغضب دحلان كون المعين مقرب منه .

 

وخلال انشغال ابو عمار بالتحضيرات لمؤتمر طابا والذي كان مقررا مابين 21-27 /1 /2001 ، راجت في الضفة وغزة إشاعات ذات أسس وشواهد، من بينها أن عرفات أمهل هشام مكي، المنسق العام لتلفزيون فلسطين  عشرة أيام، اي بعد عودته من المؤتمر لكي يعيد مبلغ عشرة ملايين دولار، كان قد سرقها ـ عيني عينك .

 

وقيل أن مبلغاً يقدر بخمسة ملايين دولار أمريكي قد ضبط مع زوجته المتوجهة الى مصر قبل اقلاع الطائرة من مطار غزة .

 

اما الحقيقة الانصع والاهم فقد كانت تتمثل في رواج اشاعات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي – لم يتبين مدى صحتها – أن هشام مكي وسها عرفات يقيمان مشاريع مشتركة في أكثر من قطر وبخاصة في جمهورية مصر العربية , ومنها مشاريع ملاهي ونوادي ليلية وماشابه من مشاريع مشبوهة , مما أصبح الأمر يتطلب حلاً جذرياً لكل هذه المجريات الخطيرة .

 

وفي تاريخ 17/1/2001 واثناء تواجد هشام مكي في فندق بيتش على شاطيء بحر غزة , امطر شخصان ملثمان مكي بوابل من الرصاص اثناء جلوسه في صالة الفندق , وغادر الملثمان المكان على الفور حيث كانت تنتظرهم سيارة خاصة ولاذا بالفرار .

 

حدث هذا كله خلال انعقاد قمة كامب ديفيد في الولايات المتحدة وبحضور الرئيس أبو عمار .

 

أما من قتل هشام مكي فهناك رأيان : رأي يقول أن وعيد أبو عمار بمحاسبة هشام مكي عند عودته من كامب ديفيد ,كان سيفتح باب جهنم على مصراعيه على كل من لهم علاقة من قريب او بعيد مع هشام ولذا كان الخلاص منه ومن اسراره مفتاحاً لنجاتهم .

 

ورأي أخر يقول أن الرئيس أبو عمار اعطى أوامره بتصفية هشام وتصفية كل الاقاويل والاشاعات التى باتت تسبب قلقاً كبيراً لابو عمار وعائلته . والله أعلم .

 

إغلاق