بحر من المراسيم.. كيف يؤمن عباس نفسه وحزبه في مفاصل السلطة؟

بحر من المراسيم.. كيف يؤمن عباس نفسه وحزبه في مفاصل السلطة؟

الضفة الغربية – الشاهد| يواصل رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس تغوله على القانون والدستور عبر الاستمرار في إصدار مراسيم بقوانين، تهدف إلى تأمين نفسه في السلطة وكذلك حزبه (حركة فتح)، ناهيك عن تحصين نفسه من أي ملاحقة قانونية في ملفات الفساد وانتهاك السلطة.

التغول الذي بدأه عباس منذ عام 2007، وبرصيد 310 قرارات حتى الأول من مارس الماضي، والتي كان آخرها قرارات بقانون بشأن الانتخابات وحالة الطوارئ بسبب تفشي وباء كورونا، على الرغم من أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أن إصدار تلك المراسيم يتم للضرورة القصوى التي لا تنتظر التأجيل، وأن تعرض بعد ذلك على المجلس التشريعي.

ولم تفلح كل الاحتجاجات الشعبية أو الحزبية أو النقابية من وقف ذلك التغول، إذ يضرب عباس بعرض الحائط كل صوت يدعوه لوقف ذلك التغول، الأمر الذي جر جملةً من الاعتصامات لنقابة المحامين الفلسطينيين خلال الأشهر الأخيرة، وذلك عندما وصلت القرارات بقوانين لتمس بهيبة القضاء.

المس بهيبة القضاء

عباس كان قد أصدر في 11 يناير الماضي، ثلاثة قرارات لها قوة القانون تضمنت تشكيل محاكم نظامية جديدة، وإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وتعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002، كما وأصدر قراراً بترقية عددٍ من القضاة، وإحالة 6 قضاة إلى التقاعد المبكر.

مع بداية يناير الماضي، بدأت نقابة المحامين احتجاجاتها والتي استمرت حتى منتصف أبريل الجاري، ضد القرارات الثلاثة السابقة، وفي ظل الضغط والتعطيل الذي أصاب المحاكم، اضطر عباس للتراجع خطوة للخلف بهدف إحباط تلك الخطوات الاحتجاجية.

خطوة عباس حملت انتهاكاً جديداً للقانون عبر إصدار مرسوم رئاسي جديد منتصف أبريل الجاري، يقضي بتشكيل لجنة تحقيق لدراسة القرارات بقانون المعدلة للتشريعات القضائية خلال مدة 30 يوماً.

احتيال لإحباط الاحتجاجات

وبحسب المرسوم الرئاسي، فإن اللجنة تبدأ عملها فور إنهاء نقابة المحامين خطواتها الاحتجاجية على القرارات بقانون المقوضة لاستقلال القضاء، وانتظام عملها بموجب تلك القرارات بقانون.

ويترأس اللجنة، علي مهنا المستشار القانوني للرئيس عباس، وتضم ممثلاً عن مجلس القضاء الأعلى ونقيب المحامين الأسبق أحمد الصياد، نقيب المحامين جواد عبيدات، عمداء كليات الحقوق في جامعات القدس النجاح وبيرزيت والخليل.

المرسوم الجديد نال رضى النقابة، والتي شددت على وجوب انسجام المرسوم الخاص بتشكيل اللجنة وفق سياق المبادرة التي تبناها رئيس وزراء حكومة فتح محمد اشتية ومن ضمنها إشراك مؤسسات المجتمع المدني فيها والحفاظ على حيادية تشكيلها ورئاستها وبالنتيجة ضمان حيادية مخرجاتها والزامية توصياتها.

وقال البيان: "استطعنا وفق الظروف المحيطة ومعطيات فن الممكن تشكيل حالة ضاغطة وإختراق لحالة التنكر التي رافقت اصدار القرارات بقانون المقوضة لاستقلال القضاء والتي نتج عنها المرسوم الصادر عن سيادة الرئيس بتاريخ ١٤ أبريل ٢٠٢١، لمراجعة هذه القرارات بقانون والتي لا زلنا نتمسك بأنها تقوض استقلال القضاء.

وأضاف: "ما زلنا نتمسك ونرى أن الصيغة التي خرج وتوج بها المرسوم قد أخرجت عن سياق المبادرة التي تبناها اشتية وذلك بإستبعاد مؤسسات المجتمع المدني من اللجنة والحفاظ على حيادية تشكيل اللجنة وبالنتيجة ضمان حيادية مخرجاتها والزامية توصياتها".

تغول على الدستور

مدير مؤسسة الحق الحقوقي شعوان جبارين أوضح أن القانون الأساسي الفلسطيني يجيز للرئيس في فترة عدم انعقاد المجلس التشريعي، وفي حالات استثنائية جداً أن يصدر قراراً بقوة القانون، على أن يخضع القرار لمراجعة المجلس في أول جلسة يعقدها.

وأضاف جبارين أن المعضلة مع استمرار تعطيل عمل المجلس التشريعي لأن يصبح الرئيس عباس مشرعاً، عبر إصداره أكثر من 310 قرارات بقانون، وهو ما ضرب المؤسسة والأسس الدستورية.

وحذر جبارين من أن القرارات بقانون الأخيرة والتي تمس هيبة القضاء تعني أن القاضي أصبح موظفاً لدى السلطة التنفيذية بدل أن يكون مستقلاً ليأخذ قراراته بالعدل وبعيداً عن أي ضغوط.

تأمين عباس لنفسه وحزبه

عباس ببحر القرارات بقانون التي أصدرها يعمل على تأمين نفسه وحزبه في مفاصل السلطة، إذ أن كل مؤسسة من مؤسسات السلطة هي بيد الرئيس عباس، فعطل المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة بقرار بقانون، وأصبح هو المشرع، فيما جاءت أصعب الانتهاكات بتشكيل المحكمة الدستورية العليا عام 2016.

تكمن أهمية المحكمة الدستورية بالنسبة لعباس في أنها السلطة الأرفع في مواجهة السلطات الثلاث التقليدية المعروفة: السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، إذ أنها تمتلك العديد من الصلاحيات الحساسة بالنسبة لعباس.

ومن أبرز تلك الصلاحيات هي البت بأي طعون بشأن فقدان الرئيس أهليته القانونية للحكم، والرقابة على دستورية التشريعات التي يصدرها المجلس التشريعي، ما يعني أن تلك المحكمة هي يد الرئيس الباطشة التي سيوظفها لاحقاً في ملاحقة خصومه السياسيين وإصدار قراراتٍ مثيرة للجدل.

كما وأحكم سيطرته على الحكومة عبر تغيير الحكومات ورؤسائها كل عدة أعوام وتعيين شخصيات فتحاوية صرفةً، على الرغم من أن آخر حكومة صادق عليها المجلس التشريعي هي الحكومة العاشرة التي كانت ترأسها حماس التي فازت في آخر انتخابات تشريعية عام 2006.

السيطرة تواصلت حتى وصلت القضاء، فأصبح تعيين القضاء وإلغاء محاكم أو استنساخ محاكم جديدة هي بيد الرئيس عباس، فيما أصبح فرض حالة الطوارئ أبسط القرارات التي يصدرها عباس والتي قيدت الحريات العامة بشكل كبيراً تحت ذريعة مواجهة تفشي وباء كورونا.

 

إغلاق