.jpg)
10:34 am 21 يونيو 2021
كتب خالد بطراوي: شذرات فلسطينية داخلية
.jpeg)
رام الله – الشاهد| كتب خالد بطراوي: الآن، وقد وضع العدوان على قطاع غزة أوزاره كما يقولون، فقد عاد كل شيء تقريبا الى ما كان عليه قبل هذا العدوان الأخير، ولكن بمعادلات جديدة.
عندما تصدر محكمة ما قرارها المكتسب الدرجة القطعية لصالح أي من الفريقين، فإن الفريق الذي حكمت المحكمة لصالحه " يمدد رجليه " عند التفاوض لوضع قرار المحكمة موضع التنفيذ. ومن دون أدنى شك، فإنه يحق له ذلك.
وعندما تصدر المعركة الميدانية قرارها القطعي بأن النصر للفريق المجاهد المقاوم، فعندها يحق لهذا الفريق أن "يمدد رجليه" أيضا ويضع شروطه للتفاوض ولغير التفاوض.
ولكن، يجب أن نعلم جميعا أن الاحتلال الصهيوني الغاصب لا يؤتمن له مطلقا، وأنه يتربص بنا وأنه سيعيد الكرة مجددا في العدوان وأنه سيحاول قلب المعادلة لصالحه، لذلك يجب علينا أن نحذر أولا وأن لا نمدد أرجلنا كثيرا ثانيا، فالحرب "لسه في أول السكة" كما يغني الشيخ إمام.
في العلوم العسكرية يظن البعض أن الهدف من الحرب هو تحقيق الانتصار والسيطرة، بينما في الحقيقة فإن الهدف من الحرب هو الجلوس على طاولة للتفاوض بيضاوية الشكل " وليس حتى دائرية" بهدف إجراء مفاوضات، لكن هناك فرق كبير بين أن تجلس منتصرا وأن تجلس مهزوما.
لذلك على الصعيد الداخلي الفلسطيني، يحق لمن حقق الانتصار أن يشعر بالزهو والفخار وأن يضع تصوراته الجديدة فيما يتعلق بالتركيبة السياسية الفصائلية في منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك في السلطة الوطنية والمجلس التشريعي ومؤسسة الرئاسة ومجالس الحكم المحلي والنقابات ومن دون أدنى شك يهدف من خلال الى تعزيز مكانته في الخارطة السياسية الفلسطينية وبضمنها حتى السيطرة على مقاليد الحكم.
ومن دون أدنى شك، فإن معادلات الأمس المتعلقة بوحدة الشطرين سوف تختلف أيضا، فلا يقبل العقل العلمي بأي حال من الأحوال أن تسلم جهة حققت نجاحا ميدانيا على الأرض مقاليد هذا النجاح الى جهة وصفت مقاومتها ذات يوم " بالعبثية" أو الى جماعة الصالونات السياسية وصفحات " التفصيع" عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجماعة مظاهرات " البلالين" وهتافات " يا يهودي طق موت"، أو الى تلك الفصائل التي بالكاد تملأ حمولة " باص" و "الشوفير حتى مش من عندهم".
لذلك كله فإن ترتيب البيت الفلسطيني سيخضع لمعادلات فرضتها "المعركة" ما يستوجب إعادة النظر في مجموعة من الأمور.
أولى هذه الأمور ضرورة تولد القناعة لدى الكل الفلسطيني دون استثناء بصحة مقولة الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر بأن " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وما أظهره الفعل المقاوم على الأرض جعل بل وفرض على أن تنشط الدبلوماسية العربية والإقليمية والعالمية بعد طول سبات عميق تعاملوا بها مع الكيان الوطني الفلسطيني " كما التعامل مع الهسهس"، فرأينا موسم الحجيج الى مقر الرئاسة في رام الله بعد الانتصار، ما يوجب تغيرا جذريا في البرامج السياسية للفصائل قاطبة تتعلق بـ المرحلي والاستراتيجي ووسائل النضال وأشكالها.
ثاني هذه الأمور يتعلق بـ " قلب الطاولة" رأسا على عقب، بالتحلل من "اتفاقيات أوسلو" التي تحلل منها الكيان الصهيوني الغاصب قبل أن يجف حبرها، والشروع في ترسيم الحدود مع كل من الأردن ومصر بشكل رئيسي، وعدم السماح والتعامل مع أي كان من الأجانب يدخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية دون الحصول على تأشيرة دخول وبرسوم رمزية أو دون رسوم، بحيث لا تقبل الفنادق ولا المطاعم ولا المحلات التجارية ولا الحافلات ولا غيرهم التعامل وتأدية الخدمة لأي أجنبي دون أن يبرز وثيقة سفره ممهورة بتوقيع ممثلياتنا في الخارج، وإن أراد تجديد مدة إقامته فوزارة الداخلية الفلسطينية هي العنوان. نحن بحاجة الى فرض حقائق على الأرض بزخم جماهيري كبير.
ثالث هذه الأمور يتعلق بالاستعداد لما هو قادم جماهيريا وعسكريا، فلا يعقل أن تستباح مناطق الكيان الوطني الفلسطيني يوميا بل ويتم قتل وبدم بارد حتى عناصر الأمن الفلسطيني تحت مختلف المسميات والذرائع.
ولا يعقل أن "تتمختر" الدوريات الإسرائيلية في مناطق الكيان وتقوم باعتقال من تشاء وتزج بهم رهن " الاعتقال الإداري" أي بدون تهمة أو محاكمة حتى مع كبار السن كما حصل مؤخرا بتحويل مواطن فلسطيني تعدى السبعين من العمر الى الاعتقال الإداري، ومن يدري فقد تعود دولة الاحتلال الى سياسة الإقامة الجبرية والإبعاد ، وهي تمارس دوما سياسة العقاب الجماعي وبضمنها هدم المنازل، وإغلاق مقرات المؤسسات الأهلية. فما الذي تهدف إليه قيادة الاحتلال الغاصب في اعتقال شخص قد تجاوز السبعين من العمر " إداريا" ومن إغلاق مقر مؤسسة طبية أهلية؟.
رابع هذه الأمور يتعلق بالمقاطعة الشعبية والرسمية للاحتلال، وفي الوقت الذي أوجه فيه تحية الى تلك الهيئات المحلية التي قامت بإعفاء كل متجر يخلو من البضائع الإسرائيلية من الضرائب والرسوم السنوية للهيئات المحلية، أستغرب أشد الاستغراب عدم قيام الهيئات الأخرى بذلك، وبضمنها تلك الهيئات الكبرى التي تتفاخر دوما بإنجازاتها النضالية الصورية كما "دون كيشوت" الذي يصارع طواحين الهواء" ..... أم أنها لا تجرؤ على فعل ذلك؟ أم أنها لا تريد فعل ذلك؟
خامس هذه الأمور يتعلق بالحاجة الى نهضة دبلوماسية فلسطينية تعيد القضية الفلسطينية الى موقعها الأول على الساحة الدولية وتروي الرواية الفلسطينية بلغات العالم أجمع و تستنهض الموروث السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي والفلكلوري والفني الفلسطيني، مع ما يجب أن يرافق ذلك كله من رفد البعثات الدبلوماسية بالكوادر حتى وإن تطلب الأمر استبدال بعض السفراء وبعض كوادر الممثليات ممن "عفى الدهر عنهم وشرب".
سادس هذه الأمور يتعلق بالماكنة الإعلامية الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية وبصراحه فإن توصيفها بـ " المهترئة" من قبل البعض هو توصيف له ما يبرره، فلا يعقل بل ومن المخجل أن تدور الأحداث الطاحنة وفي ذات الوقت نشاهد الإعلام الرسمي الفلسطيني وبضمنه الفضائية الفلسطينية والتلفزيون الفلسطيني والإذاعة يسلطون الأضواء على أخبار ليست من " وقع المعركة" كما قال شاعرنا الراحل محمود درويش، فلا يوجد لدينا إعلاما رسميا منحازا للقضايا النضالية.
سابع هذه الأمور يتعلق بقول كلمة الخير أو الصمت والتواجد في أماكن فعل الخير، وكم كان غريبا أن نرى في لجّة المعركة بعض القيادات والأفراد يتناولون إفطارا رمضانيا جماعيا على أنغام الموسيقى العربية الشرقية " التخت الشرقي"، أو أن يطالب أحدهم بإرسال برقية تهنئة لهذا البلد أو ذاك بعيد ميلاد الحزب الحاكم ليتلقى " الشتيمة" المدوية التي كانت صراحة "في مكانها"، فـ " عيد ميلاد إيه اللي إنت جاي تقول عليه"، على هدي أغنية أم كلثوم " حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه".
ثامن هذه الأمور .... الحذر ... الحذر ... من محاولات تقويض الجبهة الداخلية الفلسطينية، عبر بث تسجيلات صحيحة أو غير صحيحة تهدف الى البلبلة وتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية وحرف الأفعال عن بوصلتها النضالية المقاومة، فهناك من يتحرك من داخلنا و عقر دارنا بهدف زعزعة الجبهة الداخلية، وينبغي لنا أن نحذر أيضا من محاولات خلق حالة من السخط والغضب على السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال الإيقاع بها في مسائل حساسة (كقضية اللقاحات) تمس حياة المواطن الفلسطيني.
تاسع هذه الأمور يتعلق بإعمار قطاع غزّة، وهو جهد مشترك بين الجميع لا يتوجب أن ينزع أيا كان عن غيره حق المشاركة به، ومن البديهي أن يتم ذلك أيضا عبر ومن خلال وبالتنسيق مع من صنع الانتصار حفاظا على أشياء كثيرة فوق وتحت الأرض، وما تسجيل هذا الانتصار رغم أنه باهظ الثمن، إلا ليكون رافدا لتوفير سبل العيش الكريم ووقف معاناة أهلنا في قطاع غزّة، فلا تستقيم محاولات متاجرة البعض وتكسبهم من عملية إعادة الإعمار ولا تستقيم أيضا محاولات التقليل أو التشكيك من النوايا الصادقة في بلورة رؤيا اعمارية استراتيجية لإعادة إعمار قطاع غزّة.
وبين ذلك كله وفي ثناياه، يوجد الكثير الكثير مما يقال ويحتاج فعلا على الأرض وفلتونا من "الصالونات السياسية".