الموقف السياسي والأمني للسلطة في رام الله
رام الله – الشاهد| كتب حازم عياد
أمكن رصد ارتفاع ملحوظ في نشاط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ أفضى إلى ارتفاع حدة التوتر بين الأجهزة الأمنية والشارع الفلسطيني في مدينة الخليل ونابلس، ومن قَبْل ذلك في مخيمات جنين وطولكرم.
وفي حين تبرر السلطة ارتفاع وتيرة الاعتقالات بملاحقة المجرمين والخارجين على القانون؛ فإن فصائل فلسطينية تستنكر في بياناتها حملة الاعتقالات، التي أفضت إلى اعتقال ما يقارب 300 من النشطاء خلال العام الحالي، بحسب البيانات المتكررة للفصائل الفلسطينية، بما فيها الجبهة الشعبية والديمقراطية والجهاد الإسلامي.
الموقف الأمني
التحركات الأمنية لم تخلُ من محاولات استعادة السلطة في رام الله سيطرتها المطلقة على الضفة الغربية، في موازاة مقاومة متصاعدة للاحتلال انتزعت زمام المبادرة من السلطة وأجهزتها الأمنية؛ وباتت تزاحمها في الضفة الغربية، بطرحها برنامجا جديدا للمقاومة يحل مكان برنامج السلطة القائم على التنسيق الأمني مع الاحتلال والتفاوض معه، ما أثار جدلا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول المساحة الواجب إعطاؤها للسلطة، لاستعادة مكانتها وسيطرتها على الأرض في الضفة الغربية، فاتحا الباب لتشكل مسار جديد في السياسية الأمنية الإسرائيلية.
الموقف الأمني غير المستقر والمضطرب للسلطة في رام الله، وتمسكها بنهجها السياسي والأمني الرافض للفعل المقاوم، أنتج موقفا سياسيا أشد سوءا سعت من خلاله السلطة لتحقيق اختراق عبر مسار جديد، تخلّق من رحم اتفاقات أبراهام التطبيعية وجهود الولايات المتحدة للتطبيع بين الاحتلال والمملكة العربية السعودية.
وهذا مسار دعمته واشنطن بقوة؛ بتسليمها مدرعات وأسلحة للسلطة في رام الله من قواعد أمريكية في الأردن يوم الثلاثاء الفائت (12 أيلول/ سبتمبر)، إلى جانب معدات تجسس جديدة تهدف لتطوير قدرات جهاز “المخابرات الفلسطيني”، وهو ما أكدته تصريحات مستشار الأمن القومي في حكومة نتنياهو، تساحي هنغبي، كشف فيها وجود اتصالات بين حكومة الاحتلال وقيادات في السلطة الفلسطينية، ما أثار غضب واستياء وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أكد أمام أنصاره بأنها لا تمثله ولا تمثل نتنياهو، الذي لن يستقبله الرئيس الأمريكي جو بادين في البيت الأبيض، وإنما في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك خلال الأيام القليلة المقبلة، ملوحا (بن غفير) في الآن ذاته بالانسحاب من الائتلاف، في حال لم ينف نتنياهو الأنباء حول الاتصالات وتزويد السلطة بالأسلحة.
الموقف السياسي
الموقف الأمني غير المستقر والمضطرب للسلطة في رام الله، وتمسكها بنهجها السياسي والأمني الرافض للفعل المقاوم، أنتج موقفا سياسيا أشد سوءا سعت من خلاله السلطة لتحقيق اختراق عبر مسار جديد، تخلّق من رحم اتفاقات أبراهام التطبيعية وجهود الولايات المتحدة للتطبيع بين الاحتلال والمملكة العربية السعودية.
فتحركات السلطة السياسية شملت مؤخرا لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وسعوديين مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الحالي؛ انخرطت فيها القيادة الأمنية الفلسطينية والقيادة السياسية الصاعدة التي مثّلها حسين الشيخ، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، والمرشح الأوفر حظا لخلافة الرئيس محمود عباس، بحسب مجلة فورين بولسي، التي أعد فيها الكاتبان آدم راسغون وآرون بوكسرمان تقريرا عن المسؤول الفلسطيني حسين الشيخ، الذي زار السعودية والعاصمة الأردنية عمّان مؤخرا، حيث نشرت المجلة لقاء مع حسين الشيخ ضمن تقريرها المنشور في شهر آب/ أغسطس الماضي؛ ومن قبلها صحيفة نيويرك تايمز في تموز 2022 تحت عنوان “زعيم جديد يصعد في الضفة الغربية، لكنه دون شعبية”
تفاعل المسار السياسي والأمني
رغم توافر دعم عربي لتحركات السلطة السياسية والأمنية، ورغم توافر الغطاء الأمريكي، إلا أن الضغوط الإسرائيلية الأمنية والتجاذبات الإقليمية يرجح أن تفضي إلى تفاقم أعباء السلطة، بشكل يرفع مستوى التوتر داخل الأراضي المحتلة، التي تعاني من هجمة استيطانية وتهويدية للمسجد الأقصى، لم تهدأ أو تتراجع، بل تشتد وتزداد عنفا وغلوّا.
الموقف السياسي والأمني للسلطة الفلسطينية في رام الله، بات معقدا ومنفتحا على احتمالات أشد تعقيدا، متخلّقة عن ضيق مساحة المناورة التي تتحرك فيها، في ظل تآكل شرعيتها، وصعود الحكومة اليمينية الإسرائيلية الفاشية، وتصاعد التوترات الإقليمية. مساحة سعت قيادة السلطة في رام الله لتوسعتها عبر الانخراط في حوارت ونقاشات إقليمية حول خلافة الرئيس عباس، ومشاريع تطبيع لا تتوافر على أفق سياسي حقيقي، أو ضمانات لإقامة دولة فلسطينية؛ لتراوح السلطة بذلك المربع ذاته، والمستنقع عينه الذي تحاول الخروج منه.
فمسار التطبيع تتهدده التوترات والتجاذبات الإقليمية، التي عكسها طرح بايدن في قمة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي مشروع طريق الشرق الأوسط الهندي، مرورا بالكيان الإسرائيلي الذي أثار اعتراضا تركيّا وإيرانيّا وعراقيّا، وحرك الهواجس المصرية تجاه قناة السويس؛ كما عكستها تحذيرات وزير الأمن الإسرائيلي يؤاف غالانت بمناسبة حرب أكتوبر/ رمضان 73؛ أكد فيها ضرروة الاستعداد لمواجهة مقبلة تكاد تكون حتمية تشمل لبنان، بالتوازي مع تصريحات لرئيس الأركان هرتسي هيلفي، في كلمة ألقاها خلال مؤتمر جامعة إيخمان، إلى جانب رئيس الشاباك رونين بار حملت ذات المعنى والدلالة الأمنية.
ختاما، رغم توافر دعم عربي لتحركات السلطة السياسية والأمنية، ورغم توافر الغطاء الأمريكي، إلا أن الضغوط الإسرائيلية الأمنية والتجاذبات الإقليمية يرجح أن تفضي إلى تفاقم أعباء السلطة، بشكل يرفع مستوى التوتر داخل الأراضي المحتلة، التي تعاني من هجمة استيطانية وتهويدية للمسجد الأقصى، لم تهدأ أو تتراجع، بل تشتد وتزداد عنفا وغلوّا؛ فالضغوط الأمريكية على الاحتلال لا تكاد تذكر، في حين ينحصر تأثيرها ويشتد على الطرف الفلسطيني الممثل بالسلطة في رام الله، ما سيضعها أمام اختبار صعب لا يتوقع أن تنجح في تخطّيه سياسيا وأمنيا.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=61009