
21:53 pm 11 يناير 2022
كتب حسن مليحات: عرب المليحات.. الدفاع المشهود والظهير المفقود!

رام الله – الشاهد| كتب حسن مليحات: لطالما شكلت الأغوار بعدا جيوسياسيا مركزيا للمخططات الاستيطانية الاسرائيلية، وخطة الضم الأخيرة التي تستهدف الأغوار ما هي الا حلقة من ضمن سلسلة طويلة من المشاريع الاستيطانية التي بدأتها حكومة الاحتلال منذ احتلال الضفة الغربية في العام 1967، ولا تزال مستمرة في قضم وتقطيع أوصال الضفة الغربية.
وتنتشر التجمعات البدوية في منطقة الأغوار بشكل واسع والأغلبية العظمى من البدو هم لاجئون يعانون ويلات التهجير القسري والتطهير العرقي المستمر منذ عام 1948، ويعيشون بمرارة الحنظل فصول نكبة محدثة وليست لفصولها نهاية.
والمتمعن في الاحداث التي جرت وتجري في منطقة عرب المليحات والتي تقع شمال غرب اريحا وعلى نهاية طريق المعرجات وتحيط بها الجبال من الجهة الغربية، ويسكنها البدو منذ العام 1967.
وهي منطقة تفتقد لكل مقومات البنية التحتية والخدمات الأساسية ويسكنها ما يقارب (1200) مواطن يعود أصلهم الى صحراء النقب، وتوجد فيها مدرسة اساسية يتلقى فيها الطلاب تعليمهم حتى الصف التاسع الأساسي، وايضا يوجد فيها جامع للصلاة يصلي فيها اولئك المعذبون صلاة يمكن تسميتها بأنها (صلاة الصبر والصمود) متضرعين الى الله ان يمنحهم ارادة البقاء والصمود.
في الوقت الذين هم يشعرون بانكشافهم ووحدتهم امام دولة احتلال عنصري وبغيض لا يرحم، وفي ظل تراخي مؤسسات السلطة الفلسطينية والاحزاب الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية في دعمهم والوقوف معهم، سيجد بان تلك المنطقة والتي تتعرض بشكل يومي لهجوم مبرمج من قبل ثلاثة مستوطنات رعوية مدعومة من جيش الاحتلال الاسرائيلي ومن مجلس المستوطنات، بان هؤلاء المواطنين الفلسطينيين يقفون وحدهم كالرماح في وجه غول الاستيطان، وان السلطة الفلسطينية تفتقر لأية خطة استراتيجية لحماية التجمعات البدوية ودعمها في مواجهة الاحتلال والاستيطان ممثل بالاستيطان الرعوي.
فقد نفذ المستوطنين الرعاة وخلال عشرة ايام عدة هجمات متفرقة ومتنوعة ضد عرب المليحات منها مثلا محاولة بعض المستوطنين بتاريخ 25/12/2021 تفتيش منازل السكان هناك، الا ان المواطنين تصدوا لهم بصدور عارية ولكنها تفيض عزة وشهامة، وهجوم اخر يوم 3/1/2022 حاول فيه المستوطنين سرقة اغنام لمواطن بدوي اثناء رعيها.
وهجوم اخر حاول فيه المستوطنين في غياهب الليل احراق بعض البيوت من عرب المليحات، وقد قام المواطنين في تلك المنطقة بتشكيل لجان حراسة لحماية أنفسهم وصغارهم واغنامهم، وقد توجهوا بكتب للسيد محافظ اريحا والاغوار والسيد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان طالبين منهم النجدة وتقديم بعض الدعم اللوجستي لتمكين لجان الحراسة من عملها.
الا ان مطالبهم ذهبت ادراج الرياح ولم تجد اذان صاغية وذلك بسبب عدم الاهتمام بقضايا البدو اولا وثانيا لجهل المسؤولين بالوظيفة السياسية التي يقوم بها البدو والتي تتمثل بالدفاع عن الاراضي الفلسطينية، فالمواطنين هناك دفاعهم مشهود وظهيرهم مفقود ومنكشفين تماما امام احتلال كولونيالي ومستوطنين مشبعين بالعنصرية والكراهية، ويشعرون بمرارة الاغتراب والوحدة في اوطانهم، ولكنهم متشبثين بالأمل وارادة الصمود والبقاء حتى الموت.
فالسلطة الفلسطينية عاجزة تماما ولم ترغب في دعم التجمعات البدوية لمواجهة الهجوم الذي يستهدفهم والذي يهدف الى القضاء على الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة وطمس الهوية الفلسطينية للمكان وخلق واقع ديمغرافي جديد يتفوق فيه اليهود على الفلسطينيين.
ولا شك بأن استهداف البدو الذين يعتمدون اقتصاديا على قطاع الثروة الحيوانية والمعتمد على وجود المراعي سيؤدي بالمئات من العائلات المقيمة بهذه التجمعات الى البطالة والعوز وارتفاع معدلات الفقر، وسيحرم الاقتصاد الفلسطيني من فرص الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالانتاج الحيواني، بالإضافة الى ان تلك التجمعات البدوية بتواجدها تحافظ على الهوية الفلسطينية للمكان وتعمل على تحقيق ميزة التفوق الديمغرافي الفلسطيني في تلك المناطق.
خاصة اذا علمنا بأن البدو تزداد اعدادهم بكثرة لأسباب تتعلق بطبيعة الحياة البدوية وما له علاقة بمفهوم العزوة والعشيرة، وهذا الامر يجعل قضية التجمعات البدوية قضية سياسية بامتياز، فآثار عمليات التهجير المستمر لا تتعلق بالبدو فقط ،بل ايضا بمخططات استيطانية تعمل على اعادة ترسمي الحدود بعيدة المدى.
في خضم المشهد السريالي المحتدم والمشتبك بين التجمعات البدوية والمستوطنين من شبان التلال، نجد بأن الاهتمام المحدود ان وجد اصلا من قبل السلطة الفلسطينية وبعض المؤسسات الدولية الفاعلة في الاراضي الفلسطينية، يركز على البعد الانساني لوضع هذه التجمعات البدوية دون السعي لايجاد حلول سياسية تنطلق من مبدأ السيادة على الأرض بدلا من البحث عن حلول اغاثية لكارثة انسانية لا تنتهي الا بحل سياسي.
وتركزت تلك السياسات البائسة بتقديم بعض الدعم القانوني وبعض المساعدات الاغاثية وتدخلات خدماتية محدودة الفاعلية، وتدور تلك السياسات في حلقة مفرغة من البناء والهدم وكسب الوقت للمراوغة، اذ تعمل اسرائيل على باستمرار على اعادة تدمير وتقويض كل المساعدات والبنى التحتية التي تحاول المؤسسات الدولية توفيرها لبعض التجمعات البدوية المنكوبة والمهددة بالتهجير.
ويزداد ضعف التدخلات الانسانية مع غياب استراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع قضية البدو انطلاقا من مبدأ السيادة لا الحماية، وتكمن اشكالية هذا النهج الانساني في التعامل مع قضية التجمعات البدوية والرعوية بانه يعزز بقاء الحال على ما هو عليه ويستسلم للواقع الاستيطاني الذي تفرضه سلطات الاحتلال.
فهو يعمل على ايجاد سبل للتكيف بدلا من التغيير، ويعمل ايضا على عدم تسييس القضية وذلك بإبعادها عن السياق الاستعماري في جميع الاراضي الفلسطينية، اضافة الى ان هذا النهج يحول البدو الفلسطينيين الى متلقين للمساعدات وغير فاعلين سياسيا ومفتقرين الى حقهم في تقرير المصير ،كما ويعمل على تهجير واقصاء السكان من المناطق المصنفة (ج) وتهميشهم سياسيا وجغرافيا بصورة عامة.
ازاء تلك الاحداث والمعطيات نخلص الى القول بأن السياسة الإسرائيلية والاحتلالية تجاه البدو وترحيلهم بدأت منذ النكبة في العام 1948، وتصاعدت وتيرتها بعد اتفاقية اوسلو واصبحت اكثر شراسة وبشكل طردي مع زيادة الرغبة في التوسع الاستيطاني.
لذلك فالبدو يواجهون تهديدا وجوديا خطيرا منذ محادثات واي ريفر وباتت اكثر خطورة من اعلان شارون حرب التلال في محادثات وي ريفر الثانية، والهدف من ترحيل البدو هو السيطرة على ظروف التطور الديمغرافي والقضاء على اية امكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا عبر تقطيع اوصال الضفة الغربية وعزلها عن محيطها الخارجي وتحويلها الى معازل وكانتونات تشبه معازل الهنود الحمر.
لذلك فالبدو هم خير ترياق ضد سرطان التوسع الاستيطاني وهم في حالة اشتباك يومي ووجودي مع المستوطنين وشبان التلال، لذلك المطلوب اليوم وضع واعداد خطة استراتيجية ووطنية وشاملة ومتكاملة للتعامل مع قضايا البدو باعتبارهم مكون من مكونات الصمود وليست قضية تجمعات سكانية، وانخراط الشعب الفلسطيني في قضية التجمعات البدوية باعتبار قضيتهم هي هم وطني للجميع.
والشروع في حملة اعلامية واسعة النطاق للتعريف بالدور السياسي الذي يقوم به البدو في حماية الاراضي الفلسطينية، وتشكيل مجالس قروية مقاومة في التجمعات البدوية ذات الكثافة السكانية، وتشكيل الوفود وارسالها للدول العربية والاوروبية للتعريف بقضية البدو وجلب المشاريع لدعم صمودهم.
وضرورة التحرك الدبلوماسي لعرض قضية البدو على المؤسسات الدولية وعقد مؤتمر وطني للتعريف بمشاكلهم ودورهم في مقاومة الاستيطان، وكذلك تقديم الدعم اللازم للجان الحراسة التي تتولى حراسة مضارب البدو ليلا من قطعان المستوطنين السائبة، ودعوة الوفود الرسمية والشعبية لزيارة التجمعات البدوية واطلاعهم على الواقع المأساوي للتجمعات البدوية وتفعيل العمل الجماهيري المقاوم لسياسات الاحتلال في المضارب البدوية.
ربما تسلبني اخر شبر من ترابي، ربما تسطو على ميراث جدي، من اثاث واوني وخوابي، ربما تحرق اشعاري وكتبي، يا عدو الشمس لكن، سأقاوم، سأقاوم، سأقاوم، على ما قال الراحل سميح القاسم.
• كاتب وباحث استراتيجي