مخاطر شتى لموافقة السلطة على المقترح الأمريكي لإدارة غزة
رام الله – الشاهد| هشام عبدالله.. تحتمل موافقة السلطة الفلسطينية على تولي إدارة قطاع غزة بعد وقف العدوان الإسرائيلي وفق التصور الأمريكي الحالي، مخاطر يمكن أن تطال مستقبل السلطة ذاتها، فضلا عن تأثيرات كبيرة قد تهدد احتمالات التوصل إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن لها ان تتعدى ذلك إلى ترسيخ الانقسام الفلسطيني ودفعه إلى مستويات خطيرة غير مسبوقة. وتزداد هذه الاحتمالات مع استمرارغياب موقف فلسطيني سياسي شامل وموحد.
واعتبرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، انه لا مناص من تولي السلطة الفلسطينية حكم قطاع غزة حال وقف الحرب الإسرائيلية، وزار أكثر من مسؤول أمريكي، لاسيما وزير الخارجية انتوني بلينكن، قيادة السلطة في رام الله لبحث المسألة مع حديث أمريكي عن ضرورة “تجديد” السلطة الفلسطينية كي تتأهل للمهمة.
وحتى الآن لم يعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسميا عن هكذا موافقة، لكن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قال في تصريحات صحافية إن “السلطة الفلسطينية تعمل مع مسؤولين أمريكيين على خطة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب”. في حين قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني المقرب من الرئيس محمود عباس، إن السلطة الفلسطينية “مستعدة لاستعادة السيطرة الكاملة على قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع”. وأوضح مجدلاني في تصريح لمجلة “نيوزويك” الأمريكية أن السلطة الفلسطينية “ستقبل اقتراح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت سيطرة السلطة، إذا دعم المجتمع الدولي إعادة إعمار غزة، ودفع إسرائيل للموافقة على حل الدولتين”.
المشروع الأمريكي على أرض الواقع
لكن الطرح الأمريكي بدأ يأخذ بعدا عمليا على أرض الواقع مع وصول وزير دفاع بريطانيا (الشريك الأساسي لأمريكا في خطط مشابهة) غرانت شابس، إلى رام الله قبل أيام وإعلانه عن وجود فريق عسكري بريطاني في الضفة الغربية للمساعدة في إعداد السلطة الفلسطينية لتولي إدارة قطاع غزة. وقال شابس، خلال زيارته لرام الله، إن “تولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة قد يكون الحل للصراع الدائر”. بل انه ذهب إلى أبعد من ذلك مكرسا أهمية ذلك بقوله إن “لتحقيق هذا ستحتاج السلطة لقدر هائل من المساعدة والدعم الدوليين”.
وهكذا تكون الإدارة الأمريكية قد أطلقت عمليا، وبموافقة فلسطينية غير معلنة رسميا، مشروع العمل على تولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب بعيدا عن أي مفهوم سياسي للحل وفرض مقاربة وحيدة للموضوع، وهي المقاربة الأمنية حيث تسكن جميع شياطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي سيتوجب على الفلسطينيين وحدهم، ضمن التصور الأمريكي، التعامل معهم وتطويعهم .
وليس التأييد الأمريكي الصارخ لمواصلة إسرائيل عدوانها على قطاع غزة والسماح لإسرائيل بتحويله إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، وهو ما يحدث على أرض الواقع، وجعله مكانا غير قابل للعيش، سوى ترجمة عملية للتصور الأمريكي لإدارة قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار.
إصلاح ما أفسدته الحرب الإسرائيلية
سينشغل العالم أجمعه، لاسميا الدول العربية والمؤسسات الدولية، في محمولات وجهود محمومة، ستستغرق سنوات على الأغلب، لإصلاح جزء بسيط مما أفسدته الحرب الإسرائيلية. في حينه لن يكون ثمة مجال لنقاش سيناريوهات أخرى حول من سيدير قطاع غزة، وبالتأكيد لن تتوفر فرصة لمجرد الحديث في حل سياسي يريده الفلسطينيون.
سينشغل الفلسطينيون بمحاولات إنعاش غزة، وسيتعرضون لضغوط هائلة، كما حصل في جميع المنعطفات السابقة للقضية الفلسطينية، لتدبر الأمر بتنازلات جديدة، سياسية طبعا، وسيبدو الحديث عن حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وكانه ضرب من الخيال. وفي غضون ذلك ستكون الإدارة الأمريكية، ومعها بريطانيا بشكل أساسي، قد أتمت مشروع “تجديد” السلطة الفلسطينية وتأهيلها لتولي إدارة غزة، إدارتها فقط وليس ضمها ضمن مشروع سياسي كامل بناء على حل الدولتين الذي يموت ويحيا وفق ما تريد له الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي وبقية العالم.
وتراهن إدارة بايدن ومعها إسرائيل، في ظل صمت وعجز عربي وفلسطيني رسمي وعالمي، على ان ينجح القتل والتدمير في غزة غير المسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، في هزيمة المقاومة الفلسطينية، أو اضعافها إلى حد كبير، وفي تمكين السلطة الفلسطينية “المتجددة” في أداء مهمتها في إدارة غزة بأفضل ما يمكن. كل ذلك طبعا مع الاعتقاد ان الجميع سيعطي الأولوية لإعادة إعمار غزة وتضميد جراحها.
بيد ان مثل هذه الرهانات التي تعمل إدارة بايدن على ترجمتها إلى حقائق فعلية، لا تبدو واقعية إلى حد كبير، وانها يمكن ان تجلب معها احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية ودخول الفلسطينيين في مواجهة داخلية وانقسامات جديدة تضاف إلى انقسامهم الحالي. من جانب ما زالت إسرائيل بعد مرور أكثر من شهرين على عدوانها المتواصل على غزة وبالرغم من الدعم الهائل من إدارة بايدن، غير قادرة على حسم الأمور، وعاجزة عن الحاق هزيمة ولو متوسطة بالمقاومة الفلسطينية.
ومن شأن خروج المقاومة بانتصار على إسرائيل، ان يعزز من موقف وموقع حركة حماس على الساحة الفلسطينية ويمنحها فرصة كبيرة لمنافسة فتح والسلطة الفلسطينية على قيادة الفلسطينيين، وان لم يكن ذلك ممكنا فإنه يرجح ان يشعل المنافسة الفلسطينية مجددا. يضاف إلى ذلك ان ارتفاع منسوب الرفض العالمي الشعبي والحوقي الإنساني سيمهد الطريق أمام محاسبة إسرائيل لأول مرة منذ إقامتها، وسيترك ذلك آثارا مباشرة على مخططات التصور الأمريكي للتحويل السياسي للقضية الفلسطينية إلى حل أمني إداري كما فعلت طوال الوقت، لاسميا مع حل الحكم الذاني لاتفاق أوسلو الذي أثبت فشله.
عملية تجديد السلطة الفلسطينية
وللتذكير، فإن عملية تجديد السلطة الفلسطينية التي يرغب الغرب بتطبيقها ليست الأولى، إذ طبقت ذات الخطة بعد نهاية انتفاضة الأقصى الثانية التي شاركت فيها قوات الأمن الفلسطيني حتى وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات مسموما كما يؤكد الفلسطينيون. ولم ينتج عن الوضع سوى توقف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية منذ عام 2014 وارتفاع غير مسبوق في عدد المستوطنين والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وانفصالها عن قطاع غزة وعودة المواجهات المسلحة مع الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.
وعليه سيكون من الصعب ان لم يكن من المستحيل تصور تكرار ذات المحاولة، مع تسميات مختلفة، في قطاع غزة بعد وقوع عشرات آلاف القتلى والمصابين والجرحى والتدمير شبه الكامل لقطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ تشرين الأول/اكتوبر الماضي.
لن ينجح الحل الأمني الإداري في إصلاح ما تفسده إسرائيل ومعها إدارة جو بايدن على أرض الواقع، لكن الفلسطينيين، حماس وفتح والسلطة وبقية الفصائل، تأخروا كثيرا في إخراج أنيابهم السياسية التي شكلت ضربات المقاومة الأخيرة في غزة فرصة لاظهارها.
لم تتوقف النيران، ولم تكف إسرائيل يدها الثقيلة التي تسندها على أكتاف الولايات المتحدة الأمريكية عن تدمير غزة، واجهاض الحلم الفلسطيني بالدولة والسيادة وتقرير المصير، وحتى تنتهي المعركة إلى مآلات لا يعرفها ولا يمكن تنبؤها مع استمرار صمود غزة الأسطوري وبسالة الفلسطينيين غير المسبوقة في التاريخ الحديث، لا يمكن أيضا التنبؤ بمستقبل رهانات إسرائيل وإدارة جو بايدن التي لا يغذيها سوى صمت العالم الذي يواصل إشاحة وجهه عن “محرقة” الفلسطينيين المتواصلة في غزة.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=67339