إصلاح السلطة الفلسطينية.. خدعة أم استحقاق؟!

إصلاح السلطة الفلسطينية.. خدعة أم استحقاق؟!

رام الله – الشاهد| كتب د. أحمد رفيق عوض.. ما تريده حكومة إسرائيل يتمثل في تفكيك الجغرافية الفلسطينية إلى ثلاثة أجزاء لا رابط سياسي أو اداري بينها، ولذلك فهي تعمل من اجل هذا الهدف بسرعة و جنون ، فهي تقصف غزة و تحاول اجراء عمليات لا عودة عنها من اجل (تحييد) القطاع امنيا و سياسيا ، و تقشيره و تقديمه لكل طرف فلسطيني او عربي او دولي يستطيع ان يتحمل وزر ذلك الوضع ، شريطة ان لا يكون له علاقة بالضفة الغربية المحتلة التي يتم مهاجمتها و حصارها و محاولة تقزيم السلطة الفلسطينينة او اضعافها او حتى تفكيكها اذا كان ذلك بالامكان ، اما في القدس المحتلة ، فقد استطاعت اسرائيل و منذ زمن و خصوصا بعد صفقة القرن من اخراجها من النقاش الى حين .

اذن ما تريده اسرائيل من محاولة الفصل الجغرافي وصولا الى التعدد السياسي و التمثيلي للشعب الفلسطيني تهدف ضمن امور اخرى الى وأد الدولة الفلسطينية و ما يجر ذلك من اسقاط حق العودة و غياب العاصمة الابدية و محو السيادة و تحويل الشعب الفلسطيني الى مجموعات ديموغرافية غير معرفة ، و اذا كان هذا المسعى الاسرائيلي هو ارتداد او تنكر لكل الاتفاقات السابقة دون الاخذ بعين الاعتبار او حتى احترام بعض مطالب الدول العربية او الدول الصديقة ، فأن اسرائيل تعتقد انها قادرة على تسويق هذا المفهوم بمساعدة امريكية تضمن الكثير من الاغراء او التهديد او كليهما ، و هنا يكمن سر المطلب الامريكي بما يسمى (اصلاح السلطة الفلسطينية) او تأهيلها او تنشيطها او تجديدها ، و هي مصطلحات جديدة و مريبة و غامضة و تحتمل الشييء و نقيضه ، فما هي بالضبط مضامين هذا المطلب و ما هي حدوده و مرجعياته و اهدافه ؟!

و للاجابة على هذا السؤال ، و بدون تفاصيل او فذلكة ، ادعي ان هذا المطلب يتوافق مع الرؤية الاسرائيلية الجديدة الحالية ، حيث المطلوب سلطة فلسطينية محدودة بالمكان و الصلاحيات و هوامش الحركة ، سلطة تكتفي بالرمزي و الهامشي و الخدماتي و البلدياتي و البرتوكولي ، سلطة تقبل التكيف و التعايش و المرونة و تقبل ان تتحول الى مجرد قطعة ديكور في مشهد الديموقراطية الليبرالية المتنورة الاسرائيلية ، سلطة تمنح شرعية للنشاط الاحتلالي بأعتباره التعبير عن توازنات القوة و انحيازات و توجهات في الاقليم الذي من الواضح انه ينوي التطبيع مع اسرائيل ضمن شروط غير محرجة او فاقعة ، المطلوب سلطة تبارك ذلك او لا تعارضه ، و تتعاطى معه تحت شعار الواقعية و اشتراطات الحال ، فعندما يتم الكلام عن اصلاح السلطة الفلسطينية دون الكلام عن انهاء الاحتلال و تصفية الاستيطان و التواصل الجغرافي لدولة فسطينية امنة و محمية و قادرة على ان تسهم في الامن و الاستقرار في المنطقة ، فأن الحديث عن اصلاح هذه السلطة يعني انه فخ دبلوماسي اخر من اجل تسهيل التطبيع و شرعنته و من اجل الاسراع في تحقيق ترتيبات الامن لاسرائيل و اضفاء مشروعية اقليمية على مشروعها انف الذكر ، ما اقصده هنا ان الكلام عن اصلاح السلطة كشرط من اجل تهيئة الظروف لدولة فلسطينية الله وحده يعلم متى ستقوم ، سيترافق مع اجراءات فورية لدمج اسرائيل في المنطقة من جهة و لتثبيت الخطوات و الاجراءات العسكرية و الامنية لحماية اسرائيل من جهة اخرى .

و هذه الخدعة رأيناها في كل مراحل التفاوض ، حيث تعطي امريكا وعودا كاذبة لنا فيما تعطي اسرائيل اجراءات ملموسة و فورية ، ان ما ذكره جيك سوليفان في دافوس حول التصور الامريكي لليوم التالي كما يسمى المتمثل في التطبيع و الامن لاسرائيل و دولة للفلسطينين انما هو شعار عريض و فضفاض جدا لادارة قد لا تبقى في البيت الابيض حتى نهاية السنة ، و اذا كانت اميركا صادقة فلماذا لا تنفض التراب عن المبادرة العربية التي قايضت الدولة الفلسطينية و انهاء الاحتلال بالتطبيع الكامل و الشامل ؟! .

و لماذا تفترض امريكا ان السلطة الفلسطينية بحاجة الى اصلاح الا اذا كانت اميركا و اسرائيل من بعدها تريدان ابقاء السلطة تحت سيف المراقبة و طلبات الحوكمة و الشفافية و محاربة (الارهاب) و (التطرف) و الدخول في مناكفات حزبية و مجتمعية .

لماذا لا تطلب اميركا من اسرائيل اصلاح احتلالها او حتى مجرد تخفيفه ؟! .

لماذا لا نعترف بأن اميركا لا تستطيع او انها لا تريد ان تحاصر او تنتقد او تعاقب اسرائيل على اعمالها على الاطلاق ، و لهذا فهي تقوم بمعاقبة الشعب الفلسطيني و تحميله مسئولية الاحتلال و وحشيته ، ان المطالبة دائما بأن نكون مجرد ضحية ايجابية ، و ان يقوم الجميع بلومنا على (فسادنا) او (ارهابنا) او (عدم ديموقراطيتنا) او (انقسامنا) كشرط من شروط اقامة الدولة الفلسطينية انما هو مجرد افلاس و عجز و خوف من لوم اسرائيل او محاسبتها ، هذا لا يعني اننا نقوم بعملنا كما يجب او اننا لسنا بحاجة الى اعادة اصطفاف او بضرورة اعادة التقييم ، ليس هذا ما اعني ، و لكني اقول ان المطالبة بأصلاح السلطة الفلسطينية كشرط للتقدم من اجل انضاج الظروف لدولة فلسطينية انما يعكس عدم جدية و ينم عن وجود اغراض مبيتة و يدل على سوء نية ، فأن لم يكن ذلك كذكلك ، لماذا لا تقوم اميركا بأجبار اسرائيل على وقف الهجمات المستوطنين على المواطنين في الليل و النهار و لماذا لم تعمد اميركا الى رفع اسم منظمة التحرير الفسطينية عن قائمة الارهاب و لماذا تحول الكلام عن اصلاح السلطة الفلسطينية الى (شرط) تعجيزي خصوصا في ظل غموض هذا المصطلح .

اخيرا ، ان الرؤية السياسية لحكومة اسرائيل الحالية القائمة على الفصل الجغرافي و تخفيض السقف و التمثيل السياسي الفلسطيني يتوافق بشكل ما مع مطالب الاصلاح و التأهيل للسلطة الفلسطينية حسب الرؤية الامريكية

إغلاق