تحقيق صحفي يكشف: تهريب الذهب للضفة يتم عبر متنفذين يحملون بطاقات VIP

تحقيق صحفي يكشف: تهريب الذهب للضفة يتم عبر متنفذين يحملون بطاقات VIP

الضفة الغربية – الشاهد| كشف تحقيق صحفي عن تورط شخصيات متنفذة ودبلوماسيون في مافيا تهريب الذهب للضفة الغربية، وهو ما يتسبب في زيادة سعره وتحمل المستهلك لهذه الزيادة.

ووفق التحقيق الذي أجرته الصحفية أنصار اطميزه، فإن إدخال الذهب إلى الضفة يتمّ عن طريق التهريب فقط، بواسطة تجار ونافذين ودبلوماسيين، وسط تقاعس السلطة الفلسطينية عن إقرار آليات رسمية لاستيراده على غرار السلع الأخرى، ما جعل الذهب سلعة احتكارية -بيد المهربين والتجار- تباع للمستهلك بأسعار أعلى من السعر العالمي.
وأوضح التحقيق أن عمليات تهريب إدخال أطنان من الذهب سنوياً إلى الضفة، تكشف الكثير من الأسرار، خصوصاً أنها تعتمد على طريقة واحدة: التهريب.
وذكر التحقيق أن لهذا التهريب مسارات تجعله شبه قانوني، على مرأى السلطة ‏الفلسطينية. ويتحكم المهرّبون بأسعار الذهب؛ إذ يباع غالباً بأسعار أعلى من السوق العالمية.

متنفذون ومسؤولون

وأكد التحقيق أنه ليس بمقدور أيّ شخص ممارسة التهريب، إلا إذا كان تحت عباءة “نافذين”، أو من “الدبلوماسيين” أو “كبار الشخصيات”، أو التجار، وفق شهادات تجار، ومسؤولين حاليين وسابقين، ومحاضر جلسات محاكم أردنية، وبيانات صحفية.
ونقل التحقيق عن المدير السابق لمديرية المعادن الثمينة، يعقوب شاهين، تأكيده أن السلطة الفلسطينية دمغت أكثر من 180 طناً من الذهب (منذ عام 1998) ولم يدخل منه غرام واحد بطريقة رسمية.
وكشف التحقيق عن أن التهريب يتم عبر نقطتين: جسر الملك حسين (الحدود الأردنية)، ومطار “بن غوريون” الذي تديره إسرائيل، بحسب ما أكده عاملون في قطاع الذهب، ومنهم طارق عبد الله (اسم مستعار).
ونقل عن عبد الله أن “الذهب يدخل عبر المطار بدعم من أطراف إسرائيلية، أو عبر جسر الملك حسين، من خلال فلسطينيين وأردنيين بواسطة أشخاص ينظمون كل شيء بشكل مسبق؛ بما في ذلك تجنيد موظفين على الجانب الإسرائيلي من الحدود لتسهيل دخول الذهب”.
كما كشف رئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة، محمد غازي الحرباوي، عن أنه منذ عام 1999، أصبحت عملية إدخال الذهب إلى الأراضي الفلسطينية تدار عبر اتفاق غير معلن، بين السلطة والتجار.
ووفقا للاتفاق، يقوم صاحب المصنع أو الصائغ بإحضار الذهب بطريقته الخاصة، وبعد تصنيعه يشترط حصوله على الدمغة الفلسطينية في مديريات المعادن الثمينة (تابعة لوزارة الاقتصاد)، وبالتالي يصبح ذهباً أبيض (قانونياً)، ويُعرض في الأسواق.
ووصف الحرباوي عملية التهريب بالصعبة والمعقدة؛ فلا يتحمل تبعاتها إلا من يملك الأدوات الكافية: “يمكن لأي شخص لديه علاقات مع ذوي الامتيازات، (الذين يدخلون عبر معبر الكرامة – الحدود الفلسطينية الأردنية) من دون تفتيش، أن يُعرض عليه إدخال الذهب، وغالباً لا أحد يقول لا.. هي هيك”.

تورط السلطة

ويؤكد حديث الحرباوي، يعقوب شاهين، المسؤول السابق لمديرية المعادن الثمينة بالضفة الغربية: “البعثات الدبلوماسية عن طريق اليهود المتدينين وحملة بطاقات الـ vip، هم الوسيط الذي يُدخِل الذهب تهريباً إلى فلسطين؛ فالذهب صغير الحجم ويمكن حمله بسهولة، لهذا السبب لا يمكن السيطرة على دخوله”.
كما كشف تاجر ذهب من رام الله، باسم مستعار سامر فيصل”، عن أن تهريب الذهب يتمّ بالأساس عبر دبلوماسيين لا يتمّ تفتيشهم عبر نقاط المعابر الأردنية والإسرائيلية، وهم يتمتعون بخدمة الـ VIP عبر الشقين الإسرائيلي والفلسطيني، سواء عبر الجسر (الحدود الأردنية) أو مطار اللد (بن غوريون)”.
وأشار فيصل إلى أن أيّ سيارة لا يتمّ تفتيشها عبر الحدود، يمكن أن تكون قناة للتهريب؛ “لأن هؤلاء يتقاضون مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي عن كل كيلو ذهب يقومون بإدخاله، وفي حال ضُبط ما يتمّ تهريبه، تُلقى المسؤولية على سائق المركبة باتفاق مسبق”.
ومن الأردن، أشار عبد النابلسي، صاحب محل للمجوهرات في وسط عمّان (عضو هيئة إدارية في النقابة العامة لأصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات)، إلى أن المهربين ينتمون غالباً لفئة الدبلوماسيين. وأضاف: “ليس شرطاً أن جميعهم يعملون بهذا العمل (التهريب)، لكنّ جزءاً منهم يعملون في المجال، وهذا يسيء للدولة التي ينتمي لها هذا المسؤول”.
وأشار التحقيق إلى أن المفارقة تكمن في أن السلطة الفلسطينية “تُشرعن” الذهب المُهرّب، وفي المقابل تعلن بين الحين والآخر عن إجراءات لمحاربة التهريب.
وتدمغ وزارة الاقتصاد الفلسطينية أطناناً من الذهب سنوياً، عبر مديرية المعادن الثمينة، مقابل ضريبة قدرها “شيكل واحد” عن كل غرام. ففي 2022 مثلاً، بلغت الإيرادات 17.6 مليون شيكل (نحو 4.8 مليون دولار أميركي)، عن دمغ نحو 18 طن ذهب.
وأوضح التحقيق أن الحكومة الفلسطينية أظهرت تناقضاً لما تقوم به الإدارة العامة للمعادن الثمينة؛ فقد أصدرت في اجتماعها (رقم 131 بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2021) قراراً بما وصفته “محاربة تهريب الذهب عبر الجسور”، لأنه يضر بالاقتصاد الوطني، وفق قرار الحكومة.
وعرج التحقيق على قرار مجلس الوزراء، في جلسته المنعقدة في رام الله بتاريخ 10 نيسان/أبريل 2023، الذي ينص على “تعزيز جهد الحكومة في مكافحة قضايا التهريب، ومنها تهريب الذهب وما يترتب على ذلك من خسائر لاقتصادنا الوطني”.
ونص القرار -الذي لم ينشر على موقع مجلس الوزراء الفلسطيني- على “تكليف وزارتي المالية والاقتصاد الوطني، وسلطة النقد، بوضع تصور لمحاربة هذه الظاهرة، على أن يتمّ تقديم المقترح بما قد يشمل إنشاء شركة حكومية للاستيراد، خلال فترة لا تتعدى شهراً”، بينما لم يصدر أيّ قرار حكومي يتعلق بإنشاء الشركة الحكومية الخاصة باستيراد الذهب حتى الآن.
كما حمل رئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة، محمد غازي الحرباوي، وزارة المالية جزءاً من مسؤولية ملف تهريب الذهب؛ بسبب عدم كفاءة نظام الاسترداد الضريبي للتجار، الذي يستغرق الحصول عليه (الرديات) سنوات، وفق الحرباوي.

الحل ليس صعباً

من جانب آخر، يقول أحمد القواسمي، رئيس ملتقى رجال الأعمال، عضو مجلس إدارة اتحاد المعادن الثمينة (لديه مشغل ذهب) أن حل “هذه المشكلة ليس صعباً، وقد يتمّ باتفاقية على غرار السيارات المستوردة، التي تُدفع جماركها مباشرة إلى خزينة السلطة، بعيداً عن المقاصة، الأمر ليس صعباً لو أرادت السلطة أن تجد له حلاً”.
يعقوب شاهين، المدير السابق لمديرية المعادن الثمينة، يتفق تماماً مع هذا الأمر بالقول: “تهريب الذهب وشرعنته، وضع السوق المحلي تحت سيطرة المهربين، من حيث العرض والطلب والسعر؛ إذ يتحكمون بالأسعار ويفرضونها على الجميع، وهذا السعر يكون مرتفعاً بنحو 40 إلى 200 دولار على الأقل، عن سعر الأونصة العالمي، والمستهلك الفلسطيني هو من يتحمل هذا الفرق، ويدفعه من دون أيّ حسيب أو رقيب”.

إغلاق