كتب يونس الرجوب: الأمن الفلسطيني الميلشياوي
الضفة الغربية – الشاهد| كتب يونس الرجوب: في توضيح جدلية الامن الفلسطيني وتكرار عمليات الاجتياح التي يقوم بها الاحتلال لمناطق السلطة الفلسطينية.
اولاً لا بد من النظر للامن الفلسطيني من حيث انه بضاعة السلطة الوطنية الفلسطينية الرائجة بين جماهيرها وظاهرة مؤثرة في كل مجريات حياتها، حيث ارتبط هذا الامن بعد انكفائه عن مفهوم امن الثورة والقضية الفلسطينية بمفهوم امن السلطة الوطنية الفلسطينية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 وامن علاقاتها الداخلية والخارجية ومحيطها المباشر بالجوار الإقليمي. وبالتالي تأسس الامن الفلسطيني في اطار هذا المفهوم على بعدين اساسيين هما..
1. توحيد السلاح الفلسطيني في إطار مفهوم واحد للشرعية الفلسطينية التي هي شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية وليس شرعية الثورة الوطنية التحررية ومشروعية كفاحها الوطني. ومن ثم استخدام القوة عبر اجهزة السلطة لبسط الأمن وحماية القانون في مناطق ولاية السلطة الفلسطينية الإدارية على السكان الفلسطينيين. وليس على الارض والسكان معا.
وذلك دون تحديد قواعد فض الاشتباك مع الاحتلال. او تحديد ضرورات استخدام القوة الفلسطينية الشرعية. في ردع الاحتلال ومنع تعدياته، أو الاتفاق على اطار دولي يقوم بذلك و يحاسب الاحتلال على هذه التعديات وهذا أصل الاختلال في الدور الأمني الفلسطيني والعقيدة الوطنية التي تحكم هذا الامن.
2. حظر استخدام القوة المسلحة للفصائل والقوى والتيارات الفلسطنية المعارضة التي لم ترى في المفهوم الامني الفلسطيني الجديد مصلحة داخلية او خارجية لانجاز عملية التحرر الوطني وكنس الاحتلال.
وذلك بدافع برامجها وايدولوجيتها التي تمنع عليها التعاطي مع مسارات التسوية السياسية للصراع، وبالتالي اعتبارها لمفهوم أمن السلطة الوطنية الفلسطينية مفهوماً عقيماً يجرد الشعب الفلسطيني من القدرة على مقاومة المحتل.
الى جانب انتهاكه للاجماع الوطني الفلسطيني وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وكل الاهداف والمنطلقات التي تاسس عليها العمل الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة وحتى تاريخه، والتي قد اطلقت حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال .ومنعت اي كان من تعطيل هذا الحق او أعاقته.
وهو الأمر الذي وضع الأمن الفلسطيني بصورة عامة في دائرة مطبقة من الشك والريبة ولم يتم في سياقها تخليصه من ذلك او اعادة ربطه بمنجزات وطنية او سياسية تمكن من تبريره لهذا المنع وصولاً الى عدم اقتناع الآخرين بهذا المفهوم للامن الوطني الفلسطيني الغريب عن حلمهم وتوقعاتهم والتوقف عن دعمه الشعبي، ودفعه الى ترتيب اولوياته وفقاً لاحتياجات الامن الشامل للشعب الفلسطيني وليس الامن المجزوء للسلطة الوطنية الفلسطينية تحت الاحتلال، والتي لا زالت تشوبها هي الاخرى بواعث الشك والريبة ولا زال امنها مقيداً ومحكوماً بالافق السياسي المسدود وشروط الاحتلال في النشاط والمهمات الأمنية..
وبالتالي ظهر الأمن الفلسطيني منذ تأسيسه معزولا عن الدور الأمني التقليدي في حياة الشعب الفلسطيني الذي. هو الدور القائم على حماية الشعب الفلسطيني من الأخطار الداخلية والخارجية ومنع إبادته أو إعادة قمعه وتهجيره عن بلاده من جديد، ومن ثم حماية الشخصية الوطنية الفلسطينية برمتها و حماية بنيتها الثقافية والاستثمارية وانتزاع استقلالها وبنائه.
وبالتالي اصبح لدينا أمن بحكم هذا التوهان البنيوي في اتفاقيات أوسلو. تحكمه العناصر الأساسية التالية..
1-امن بلا عقيدة وطنية يرتجل على أساسها دوره وجدول مهماته والعقيدة الوطنية بالنسبة للشعب الفلسطيني هي مبادئ ومنطلقات الثورة الوطنية التحررية وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية ونظامها الأساسي وأهدافها الاستراتيجية المعلنة وليس الحدود الجغرافية للوطن والثروات الطبيعية والنظام السياسي كما هو جاري في الدول المستقلة..
2-حينما يفرغ الامن من العقيدة الوطنية يصبح أمن مهمات مرتجلة يحددها القادة والضباط المباشرين القائمين على قيادته وتصريف مهماته، وليس الدستور والقانون آلذي هو الآخر غير موجود أو يعتبر حالة فلسطينية خاصة وملتبسة أيضا.
3-امن بعيد عن الحرفية والمهنية في العمل الأمني لافتقاده لبواعث الحرفية من أصلها إلا وهي العقيدة الوطنية.
4-امن موالي لاشخاص ومتداخل في خدمة مصالحهم وتناقضاتهم وصراعاتهم الشخصية وليس أمن وطن أو قضية وطنية.
5-امن غير قادر على تحديد إخطار الامن القومي الفلسطيني وربما لا يعتبر الاحتلال خطر قومي لأنه يقوم بنشاط دائم مع الاحتلال عبر مقولة التنسيق الأمني، وربما لا يعتبر الفقر والبطالة خطر على الأمن القومي أيضا، ويمكن القول هنا أن لدينا أمن لا يمتلك أية قاعدة بيانات عن أعداء الشعب الفلسطيني أو الأخطار والمهددات التي يعيشها الشعب الفلسطيني في المجالات كافة.
6-امن مزاجي وموتور ومضطرب لا تحكمه قواعد وأصول العمل الأمني بالمفهوم الوطني أو بمفهوم العقيدة الوطنية الغائبة من أصلها، لذلك ربما يعتبر التنظيمات والأحزاب والتيارات المعارضة هي أعداء الشعب الفلسطيني وليس الجواسيس والفسدة والمنحرفين.
بل أمن لا يجرؤ على مجرد التفكير بتتبع انحرافات أصحاب المراتب والامتيازات عن الخط الوطني الفلسطيني، وربما لهذه الاسباب لا يعرف الأمن أنه أمن لكل الشعب الفلسطيني وامن لحماية المعارضه وتكريس حقها في المعارضة قبل الموالاة. وبالتالي ما هو موجود لدينا حتى الآن ليس امن وطني بقدر ما هو أمن شخصي وامن حزبي مليشيوي لا تحكمه عقيدة وطنية ولا يستقيم نشاطه على قانون أو نظام وطني معروف لأبناء الشعب الفلسطيني.
وقد تعمق دوره وترسخ في بيئة المصالح الشخصية والحزبية والإقليمية المتداخلة مع القضية الفلسطينية بحكم غياب الرقابة الشعبية عليه وتعطيل المجلس التشريعي والاستملاك الفصائلي لمرافق العمل العام بما في ذلك النقابات ومنظمات المجتمع المدني.
لذلك يقتل الناس بعضهم خطأ وعمدا أيضاً ويندس المندسين ويختلط الحابل بالنابل وينقلب الباطل إلى حق والحق إلى باطل.
لذلك لا يعتبر الامن الفلسطيني جزؤ لا يتجزأ من أمن الاحتلال فقط بل يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر. لهذا يقوم الاحتلال بنفسه بكل ما يعتقد أنه في حدود أمنه وأمن جيشه ومستوطنيه ومصالحه الحيوية في أراضي السلطة الفلسطينية، حيث لا نفهم من اجتياحاته الحالية أبعادا جديدة غير تلك التي تعودنا عليها في الاجتياحات السابقة.
إن كل ما يحدث من اجتياحات الآن لا يبتعد كثيراً عن السائد والمالوف في علاقة السلطة مع الاحتلال أو المتفق عليه أصلا في النظريات التعبوية لاتفاقيات أوسلو لدي الطرفين معا، رغم حجمه وفضاعته والفكر الإجرامي التفوقي الذي تمثله حكومة الاحتلال في هذه المرحلة وامتداد تحالفاتها مع أصحاب هذا الفكر من الجماعات الصهيونية الاستيطانية والانجيليين الجدد في مراكز الراسمال الدولي.
اما العودة إلى انماط تقليدية معروفه من المواجهة مع الاحتلال فهو أمر طبيعي ومألوف أيضا لطرفي معادلة العلاقه الإسرائيلية الفلسطينية، حيث يرتجل الفلسطينيين ما يناسب اوجاعهم من ردات فعل على جرائم الاحتلال، وبالتالي يعود الاحتلال إلى نفي الإعتراف بوجودهم ونفي والغاء حتى حقهم في الحياة.
وهكذا دواليك سيستمر الصراع ويستمر العدوان على الشعب الفلسطيني حتى تغيير ميزان القوى على الأرض أو حدوث التقاطع الدولي المركزي على القضية الفلسطينية بين القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي فرض الحل التوافقي على الاحتلال بعيون التقاطع الدولي المركزي ومصالح القوى الفاعلة فيه.
أما أخطار الاجلاء والترحيل عن أراضي السلطة الفلسطينية إلى خارجها فهذا أمر قد اصبح من خلف قوة التاريخ ومفاهيم العصر للحياة، حيث انتصر الشعب الفلسطيني في معركة صموده في قطاع غزة آلتي اصبحت هي وحدها عنوان المرحلة التاريخية التي نعيشها محليا ودوليا، لذلك نعتقد جازمين أن هذا الاجتياح لشمال فلسطين سوف يخر خاضعا ذليلا لارادة الحياة بمشيئة الشعوب في القدرة على انتزاعها.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=75130