بعد 31 عاماً.. ماذا بقي من سراب “أوسلو”؟

بعد 31 عاماً.. ماذا بقي من سراب “أوسلو”؟

رام الله – الشاهد| واحد وثلاثون عاماً هو عمر اتفاق “أوسلو” المشؤوم والذي أنشأت بموجبه السلطة الفلسطينية في بعض أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، فأضحت منذ ذلك الوقت سلطة بلا سلطة، ومقاول أمني للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني ومقاوميه.

فقد وقعت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تقودها حركة فتح، في 13 سبتمبر 1993، على اتفاق إعلان المبادئ الإسرائيلي الفلسطيني الذي عرف باسم “اتفاق أوسلو” المرحلي، ومثل محمود عباس رئيس السلطة الحالي عراباً للاتفاق.

ماطل الاحتلال في استكمال الاتفاق بمفاوضات للوصول للحل الدائم، على اعتبار أن “أوسلو” كان اتفاقاً مرحلياً، لكن المحتل تنصل من كثير مما اتفق عليه، ولم يكن الوسطاء في الاتفاق، ولا شهوده، إلا منحازين لاحتياجات الاحتلال الأمنية والسياسية والاقتصادية.

في المقابل استخدم الاحتلال الاتفاق لخنق الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً وعسكرياً واقتصادياً، تلتزم السلطة الفلسطينية بتطبيقه حرفياً رغم انتهاكه من قبل الاحتلال مئات المرات كل عام، وإعلانها أنه قد مات.

القدس تدفع الثمن

وتسري حالة من التنافس الشديد حول أي قطاع أو منطقة كانت الأكثر تضرّراً من هذا الاتفاق الذي جرى التوافق عليه بسرية حتى من المشاركين في المفاوضات العلنية بالعاصمة النرويجية أوسلو. يكرر كثيرون أن غياب بندٍ بتجميد الاستيطان، والذي تضاعف ثلاث مرات منذ التوقيع، وعدم وجود وضوح حول الصفة القانونية لوضع الأراضي المحتلة قد يكون أسوأ مخرجات “أوسلو”، إلا أن منطقة جغرافية عانت وتعاني الكثير من “اتفاقية أوسلو”.

ليست معاناة القدس والمقدسيين محصورة بقرارات مفاوضي منظمة التحرير والقرارات الإسرائيلية، بل تعدّت ذلك، لتكون المدينة وأهلها ضحية حكومات فلسطينية متتالية أهملت ما يُشار لفظياً إليها بأنها العاصمة المستقبلية لدولة فلسطين، من دون أي ترجمة حقيقية لما تحتاجه هذه العاصمة، أو حتى أي مدينة فلسطينية مماثلة تحت الاحتلال.

فلم تمنح الحكومات الفلسطينية المتعاقبة القدس الشرقية الأولوية التي تحتاجها، فهناك إجماع على أن اللوم على الجميع، بما في ذلك الفصائل الوطنية والإسلامية والقيادات المحلية. ومع غياب المرحوم فيصل الحسيني، وإغلاق الاحتلال بيت الشرق وغرفة التجارة المقدسية، تم بتر أي فرصة لبروز قيادة أو استراتيجية تتعامل مع الواقع الأليم الذي نتج عن هذه الاتفاقية المشؤومة.

ومن الواضح أن القدس تفتقر إلى القيادة وإلى استراتيجية عملية، رغم أن المقدسيين قبل “أوسلو” ومؤتمر مدريد كانوا ومدينتهم محور كل التخطيط، ولكن ذلك كله اختفى.

يصف المقدسيون أنفسهم بأنهم أصبحوا يتامى سياسيين، في إشارة إلى التدمير الممنهج للقيادة السياسية المقدسية عن قصد أو غير قصد. قَبل معظمهم وظائف إدارية في الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، وفي منظماتٍ تتخذ من رام الله مقرّاً لها، وفي غياب أي أفق سياسي، أصبح كثيرون من أهل القدس يشعرون بالقلق بشأن مستقبلهم.

وهم وسراب

وفي ذات السياق، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني معمر عرابي أن السلطة الفلسطينية عاشت في وهم اسمه أوسلو واستمرار لـ 30 عاماً.

وأوضح عرابي أن الحقيقة القائمة تتمثل في أن لدينا سلطة ولكن هي في الحقيقة سلطة بلا سلطة، وثبت أن أوسلو مجرد وهم وسراب، والحاكم الفعلي على الأرض هو سموتريش.

وأضاف: “على السلطة الفلسطينية أن تعي بأن الفاشي الإسرائيلي يريد الضفة بلا شعب فلسطيني.. إنهم يتحدثون عن خطأ تاريخي كبير، بأنهم سحموا للفلسطيني بالبقاء على الأرض بعد 48، لذلك ينفذون الابادة الجماعية والتطهير العرقي لتصحيح ذلك الخطأ، ونحن أخطأنا عندما وقعنا في وهم خيار الدولة واسقطنا مفهوم الوطن”.

ستار للجرائم الأمنية

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم ابراش إن اتفاقية أوسلو التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع “إسرائيل” عام 1994 شكلت ستارًا وتغطية للممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

وأوضح أبراش في مقال إن “إسرائيل” استغلتها لتوسيع الاستيطان وبناء الجدار العنصري واقتحام الضفة الغربية عام ٢٠٠٢ واغتيال الرئيس ياسر عرفات عام ٢٠٠٤ وفصل قطاع غزة عن الضفة ٢٠٠٥ وتعطيل أي حراك دولي جاد بزعم تأثيره على عملية السلام.

وذكر أن السلطة مضت في اتفاقية أوسلو رغم معارضة حركة حماس واليسار الذين وصفوها بأنها عبثية وخيانية.

تقييد الاقتصاد

وحمل الشق الاقتصادي من الاتفاق وما تبعه من اتفاقيات كاتفاقية باريس الاقتصادية قيوداً على الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني إلى اليوم من ذلك الاتفاق المشؤوم، إذ سيطر الاحتلال على المعابر وعلى جميع ما يتم استيراده وتصديره عبرها، بالإضافة إلى عده للسعرات الحرارية التي تدخل للفلسطينيين.

الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم شدد على أن ️اتفاق أوسلو قيد الاقتصاد الفلسطيني وأصبح تحت هيمنة الاحتلال الذي أكد أكثر من مرة أنه لن يسمح باستقلال الاقتصاد الفلسطيني.

وأوضح أن استمرار السلطة في التزامها بهذه الاتفاقيات جعل الاقتصاد الفلسطيني منهكاً ويحتاج لسنوات طويلة ليتعافي في حال انتهى الاحتلال وأزيلت قيود تلك الاتفاقيات.

وبروتوكول باريس الاقتصادي الملحق باتفاقية أوسلو جوهره إلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالكامل بالاقتصاد الإسرائيلي من خلال الاتحاد الجمركي ومن خلال تقييد الاقتصاد الفلسطيني وجعله معزولا عن التبادل التجاري المستقل مع العالم، وتكفل الاحتلال بجباية أموال المقاصة من قبل الاحتلال الذي يبتز بها السلطة.

وتقدر أموال المقاصة بأكثر من 188 مليون دولار شهرياً، وتشمل الضرائب التي يفرضها الاحتلال على السلع الواردة لأراضي السلطة الفلسطينية من الخارج، و75% من ضريبة الدخل التي تحصلها من العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل الأراضي المحتلة، وكل قيمة الضريبة المحصلة من العمال الفلسطينيين في المستوطنات، إضافة إلى رسوم معاملات أخرى.

وبموجب اتفاقية باريس الاقتصادية فإن الاحتلال يتحكم في أدق تفاصيل الحياة الاقتصادية الفلسطينية من خلال سيطرته المطلقة على الموانئ والمعابر، وربط الموافقات الاقتصادية بالبعد الأمني، وضمن الغلاف الجمركي الموحد من دون اعتبار لمستوى النمو والتطور في الاقتصاد الفلسطيني الناشئ مقارنة بالإسرائيلي.

 

إغلاق