مبادرة القدوة أولمرت… ألم تكفنا مصائب أوسلو؟

مبادرة القدوة أولمرت… ألم تكفنا مصائب أوسلو؟

الضفة الغربية – الشاهد| كتب عبد الحميد صيام: لا أعرف لماذا على الطرف الفلسطيني أن يقدم المبادرات الواحدة بعد الأخرى، وفي كل مبادرة يتم تقديم تنازلات جديدة، دون أن يكون هناك أي التزام من الطرف الصهيوني بأي شيء.

من مبادرة محمود عباس ويوسي بيلين (1995) إلى مبادرة سري نسيبة وعامي أيلون (2002) إلى مبادرة ياسر عبد ربه ويوسي بيلين (2003).. ألم تكفنا مصيبة أوسلو؟ ألم نتعلم بعد 31 سنة بالتمام والكمال على أن الذي يتخلي عن مقاومته وبرنامجه النضالي ويدخل قاعة المفاوضات يخرج منها عاريا أو شبه عارٍ.

أتذكرون جملة صلاح خلف الشهيرة، وكيف وصف من يتخلى عن سلاحه ثم يذهب إلى طاولة المفاوضات. آخر تلك المبادرات صدرت يوم 17 يوليو الماضي، كُشف عنها مؤخراً صادرة عن شخصين هامشيين ليس لهما وزن ولا أتباع ولا مواقع لا في فلسطين، ولا في الكيان الصهيوني يحاولان أن يعيشا على تراث الماضي الذي أفل دون رجعة. والمبادرة سيئة بكل المقاييس من حيث توقيتها ومضمونها والأشخاص القائمون عليها. ودعنا نفصل قليلا.

ناصر القدوة خيبتنا الأخيرة وليست الآخرة.. وزير خارجية أسبق شغل موقعه لمدة أشهر قليلة، والآن يطرح نفسه بديلا للسلطة ولحركات المقاومة، ويبدو أنه يحلم بأن لقاء مع ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يؤهله لذلك، لأنني أشك بأن لقاءاته ستبتعد أكثر من هذا اللقاء ومقابلة مع الـ CNN.

أختار ناصر التقرب من التيار المناهض لياسر عرفات أثناء سنوات الحصار، استعدادا لخلافته، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة أيام الرئيس بوش، بأنه لم يعد شريكا للسلام. كان يرأس هذا التيار محمود عباس مستنداً إلى قوة محمد دحلان رئيس الأمن الوقائي، الذي كان يحظى بدعم أمريكي إسرائيلي لا حدود له.

ولكن من المستحيل أن يرث منصب عرفات شخص مثل دحلان، لصغر سنه أولا، ولأنه ليس من القيادات التاريخية. إذن كان معروفا أن القائد القادم محمود عباس بدعم من دحلان. راهن ناصر على الحصان المقبل، وتخلى عن الحصان الآفل، وفتح خطوطا مع عباس ودحلان مقابل وعد رسمي من عباس بمنحه حقيبة الخارجية.

كان لدى ناصر طموح كبير، كونه الوريث الأقرب إلى تركة خاله ياسر عرفات، وكان يرى أن المنصب المقبل بعد الخارجية سيكون رئاسة الوزراء، ومنها يصل بشكل طبيعي إلى الرئاسة، مسلحا ليس فقط بإرث عرفات، ولكن أيضا بخبرة طويلة.

لكن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر. برّ عباس فعلا بوعده لناصر وعينه وزيرا للخارجية، وصمت القدوة عن تقرير المستشفى الفرنسي حول مقتل ياسر عرفات. اتجه إلى رام الله وبدأ يمارس عمله وزيرا للخارجية، إلى أن جاءت انتخابات 2006 لتفوز حركة حماس في الانتخابات، وتقلب الطاولة على حركة فتح، ويضطر ناصر أن يترك الخارجية بعد عدة أشهر من تعيينه.

شكّلت هذه الخسارة صدمة له كغيره من قيادات فتح. وجد ناصر نفسه خارج المعادلة الفلسطينية، فلا حافظ على منصبه سفيرا في الأمم المتحدة، ولا دامت له وزارة الخارجية. قام بعدها بإنشاء مؤسسة ياسر عرفات، بمساعدة من منيب المصري، وشكّل مجلس أمناء يشمل عددا من العرب مثل عمرو موسى، وأحمد أبو الغيط، والأخضر الإبراهيمي، وعددا من الشخصيات العربية المرموقة. وحظيت المؤسسة بتقدير واحترام كبيرين في الشارعين الفلسطيني والعربي، إلا أنها لم تقرّب ناصر من تحقيق طموحاته، خاصة أن محمود عباس انقلب على كل ما كان يمثله ياسر عرفات، وأصبح «التنسيق الأمني مقدسا».

انتخب ناصر القدوة في مؤتمر فتح 2009، وحلّ في المرتبة الرابعة بعد أبو ماهر غنيم ومحمود العالول ومروان البرغوثي، لكن محمود عباس قرر أن يجرده من جميع صلاحياته وجمد حسابات المؤسسة عام 2021 وأنهى دوه كليا. وكنا من بين المنتقدين لهذه الخطورة غير الشرعية ليس بالضرورة حبا في ناصر القدوة، بل بالطريقة الفوقية والديكتاتورية التي تمت بها.

لقد ساير ناصر عباس كثيرا، وسكت على ما قام به ضد قطاع غزة من قطع للرواتب وحصار وشيطنة. ظل ناصر صامتا على اتهامات الفساد وعلى برنامج تعميق الخلاف مع حماس من أجل التقرب من إسرائيل. وهذه هي النتيجة. فبدل أن يتجه نحو المواقف المبدئية والتمسك بالثوابت والابتعاد عن التفريط يحاول الآن أن يبني له نهجا جديدا على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.

أما إيهود أولمرت فهو صهيوني عريق انتخب رئيسا لحزب كاديما المنشق عن الليكود، بعد غيبوبة شارون عام 2005 وأصبح رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني بالوكالة بين عامي 2006 و2008. بعد الخروج من المنصب أدين بالفساد وتقبل الرشوات عام 2014 وحكم ست سنوات سجن قضى منها فعليا سنة ونصف السنة.

بعد خروجه في يوليو 2017 أصبح يعيش على هامش المجتمع المتطرف معزولا مدحورا. فكيف يستطيع هذا الشخص حل الصراع الفلسطيني الصهيوني مع ناصر القدوة؟ هل أصدر أولمرت بيانا يدين حرب الإبادة؟ هل اتهم الجيش بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب؟ هل أدان مجازر أطفال غزة؟ هل تخلى عن صهيونيته التي تربى عليها في حزب الليكود لصالح إنسانيته؟.

ناصر القدوة ابن غزة ولد فيها وعاش فيها ردحا من الزمن. كنا نتوقع منه وهو يشاهد غزة تدمر، وشعبها يمزق ومدارسها وجامعاتها تتحول إلى ركام وآلاف الأطفال والنساء والشيوخ تعجن أجسادهم مع الرمال، أن يتحول إلى رسول لغزة ومتحدث متجول بجواز سفره الفرنسي، يروي معاناة أهل غزة ويقطع القارات كلها لحشد التأييد لغزة، ويظهر في كل وسائل الإعلام دفاعا عن غزة وصمودها وبطولاتها ومعاناتها؟.

كنا نتمنى أن يصبح القناة الأكبر لجمع المعونات والمواد الطبية وترتيب وصول عشرات الأطباء والممرضين والممرضات للتخفيف من معاناة سكان غزة وتضميد جراحهم. ولكن لخيبتنا الكبرى نرى الآن الدكتور القدوة يبحث عن حثالة الكيان الصهيوني ليعرض حلولا خيالية لا علاقة لها بالواقع؟ هل الوقت الآن مناسب لطرح الحلول، بينما شلال الدم يتدفق من كل عروق وشرايين غزة؟.

مشروع التسوية الذي قبل به ناصر القدوة فيه من التنازلات الخطيرة ما لا يمكن إيجازه في سطور. لقد تخلى عن وحدة الأرض الفلسطينية بقبوله التنازل عن جزء بمساحة 4.4 في المئة.

والأخطر ما قدمه من تنازلات في القدس، حيث أقر بضم كل البؤر الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل بطريقة غير قانونية لتصبح جزءا من القدس الغربية اليهودية. أهذا مقبول ممن يعرف بالقانون الدولي؟ ثم يحيل أمر إدارة الحوض المقدس للجنة خماسية من بينها فلسطين وإسرائيل، ولا نعرف ما هي الدول الأخرى.

 

وللعلم فالحوض المقدس فكرة جهنمية استيطانية صهيونية تقوم على إنشاء كنيس يهودي ضخم وملحقاته ما يعادل حجم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، كي تكون المعالم الثلاثة قريبة من بعضها لإقحام الجانب اليهودي قرب المقدسات الإسلامية والمسيحية، التي أقرت اليونيسكو أنها ملك إسلامي خالص لا يشوبه خلل. ف

فكيف تنطلي هذه الأمور الخطيرة على الدكتور القدوة. أما غزة فتدار من قبل قوة أمنية عربية ويديرها التكنوقراط. وهي مفصولة عن الضفة في المرحلة الانتقالية حيث ستكون منزوعة السلاح.

يبدو أن الدكتور ناصر يحاول أن يقنعنا، عبثا، بأن هناك إمكانية لنزع الصفة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية التفريغية عن كيان الأبرثهايد الصهيوني، وأن هناك إمكانية لاقتسام الأرض المقسمة أصلا وإعطاء بعض المزق والكانتونات لسكان البلاد الأصليين يطلق عليها دولة.

فكيف سيعيش هذا الكيان الممزق والمجرد من أي مصدر قوة في ظل اختلال صارخ لموازين القوى، التي ستختل بشكل نهائي لصالح الكيان المدجج بالسلاح والقائم أصلا على فكرة نفي وجود الشعب الفلسطيني منذ مؤتمر بازل عام 1897 وحتى اليوم؟.

إغلاق