هل حان الوقت لإلغاء اتفاقيات أوسلو؟

هل حان الوقت لإلغاء اتفاقيات أوسلو؟

رام الله – الشاهد| ناجي صادق شراب.. بعد‭ ‬31عامًا‭ ‬على‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬يطرح‭ ‬سؤال‭: ‬هل‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقات‭ ‬قائمة‭ ‬وصالحة؟‭ ‬نظرياً‭ ‬الاتفاقات‭ ‬الدولية‭ ‬تحكمها‭ ‬القوة‭ ‬ومتغيراتها‭ ‬وتحولاتها،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬اتفاق‭ ‬له‭ ‬صفة‭ ‬القدسية،‭ ‬فكيف‭ ‬باتفاق‭ ‬موقع‭ ‬بين‭ ‬طرف‭ ‬يحتل‭ ‬الأرض‭ ‬ويحول‭ ‬دون‭ ‬ممارسة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لحقوقه‭ ‬والتي‭ ‬أقرتها‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وشعب‭ ‬ورغم‭ ‬الاتفاق‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يناضل‭ ‬ويقاوم‭ ‬للتحرر‭ ‬وقيام‭ ‬دولته‭.‬

ولعل‭ ‬المفارقة‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يتزامن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬نافية‭ ‬للاتفاق‭ ‬وصلاحيته‭. ‬والمفارقة‭ ‬الثانية‭ ‬لهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬أنه‭ ‬ورغم‭ ‬انقضاء‭ ‬فترة‭ ‬صلاحيته‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬قائماً،‭ ‬ويحكم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬وكـأنه‭ ‬غير‭ ‬موجود‭.‬

والسؤال‭ ‬أيضاً‭ ‬هل‭ ‬يملك‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أو‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الإعلان‭ ‬الصريح‭ ‬إلغاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬بحكم‭ ‬انتهاء‭ ‬صلاحيته‭ ‬وعدم‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬منه؟‭ ‬ولماذا‭ ‬الفلسطينيون؟‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬دفنت‭ ‬الاتفاق‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬واختزلته‭ ‬بعبارة‭ ‬واحدة‭ ‬تضمنها‭ ‬الاتفاق‭ ‬وهي‭ ‬الاحتكام‭ ‬للاعتبارات‭ ‬الأمنية‭ ‬والتي‭ ‬تجب‭ ‬ما‭ ‬دونها‭. ‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬المفاوض‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتوقيعه‭ ‬على‭ ‬الاتفاق،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬وقع‭ ‬بأمل‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬والتفاوض‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

والسؤال‭ ‬أيضاً،‭ ‬ما‭ ‬البديل‭ ‬لاتفاقات‭ ‬أوسلو؟‭ ‬فالاتفاق‭ ‬لم‭ ‬يوقع‭ ‬بين‭ ‬دولتين،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬غير‭ ‬متكافئين،‭ ‬ولعل‭ ‬قيمته‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجود‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬كممثل‭ ‬شرعي‭ ‬ووحيد‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأيضاً‭ ‬أنه‭ ‬سمح‭ ‬بعودة‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعودة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لتلتقي‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬عناصر‭ ‬الدولة،‭ ‬السلطة‭ ‬والشعب‭ ‬والأرض،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العنصر‭ ‬الأخير‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬باحتلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬للأراضي‭ ‬المقررة‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وفقا‭ ‬للاتفاق‭.‬

ومنذ‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬الاتفاق‭ ‬والحديث‭ ‬يتجدد‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭. ‬فأي‭ ‬اتفاق‭ ‬يقاس‭ ‬بالهدف‭ ‬منه‭ ‬وبتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭. ‬وإذا‭ ‬فشل‭ ‬الاتفاق‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬فقد‭ ‬شرعيته‭ ‬وقوته‭ ‬القانونية‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬قوة‭ ‬وفرض‭ ‬إرادة‭ ‬القوة،‭ ‬ووجب‭ ‬هنا‭ ‬مراجعته‭ ‬والمطالبة‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيه‭ ‬لتوقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬جديد‭ ‬يراعي‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬علاقة‭ ‬أطرافه‭.‬

ولعل‭ ‬المفارقة‭ ‬السياسية‭ ‬الكبيرة‭ ‬للاتفاق‭ ‬لقاء‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬والمصافحات‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬قياداتهما‭ ‬ما‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬بعض‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬إنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬بالطرق‭ ‬السلمية،‭ ‬وإن‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬نواة‭ ‬لهذه‭ ‬التسوية،‭ ‬ولعل‭ ‬هناك‭ ‬بعداً‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬في‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاق،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬دون‭ ‬قوة‭ ‬دفع‭ ‬عربية‭ ‬ودولية‭ ‬توفر‭ ‬لها‭ ‬الضمانات‭ ‬وتتماهى‭ ‬مع‭ ‬الأبعاد‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

وبقراءة‭ ‬بنود‭ ‬الاتفاق‭ ‬فالهدف‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬هو‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬السلمية‭ ‬المدنية‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬ومنها‭ ‬الإعلان‭ ‬الرسمي‭ ‬إنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وفي‭ ‬قلبه‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬الاتفاق‭ ‬حدد‭ ‬أن‭ ‬شرط‭ ‬إنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬هو‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وهنا‭ ‬السؤال‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬الاتفاق؟‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬أولاً‭ ‬أنه‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬السلام‭ ‬العربي،‭ ‬ليتم‭ ‬التوقيع‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬ونهاية‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬تاريخياً‭ ‬باسم‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وأما‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيس‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬فلم‭ ‬يتحقق‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬انتهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حققت‭ ‬خطوات‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬وآخرها‭ ‬اكتساب‭ ‬مقعد‭ ‬دائم‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وزيادة‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬المعترفة‭ ‬بفلسطين‭. ‬وتبني‭ ‬مقاربة‭ ‬الدولتين‭ ‬كأساس‭ ‬لانتهاء‭ ‬الصراع‭.‬

‭ ‬وبالمقابل‭ ‬عملت‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تفريغه‭ ‬من‭ ‬مضمونه‭ ‬وأهدافه‭ ‬السياسة‭ ‬وتحويله‭ ‬لمجرد‭ ‬اتفاق‭ ‬أمني‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني،‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬سلطاتها‭ ‬ووظائفها‭ ‬ولتحولها‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬مؤسسة‭ ‬تابعة‭ ‬لها‭.‬

وقامت‭ ‬بتوظيف‭ ‬الاتفاق‭ ‬للمضي‭ ‬قدماً‭ ‬في‭ ‬إجهاض‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالتوسع‭ ‬في‭ ‬الاستيطان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وإلغاء‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بالمناطق‭ (‬ج‭) ‬وتوسيع‭ ‬خارطة‭ ‬الاستيطان،‭ ‬وزيادة‭ ‬عدد‭ ‬المستوطنين‭ ‬لخلق‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بدولة‭ ‬المستوطنين‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬أي‭ ‬رمز‭ ‬سيادي‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بتوحيد‭ ‬القدس،‭ ‬وعدم‭ ‬تقسيمها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تفريغ‭ ‬أي‭ ‬مضمون‭ ‬سياسي‭ ‬للقدس‭ ‬والأقصى،‭ ‬ولتصل‭ ‬الأمور‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬ذروتها‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬الحكومات‭ ‬اليمينية‭ ‬تشدداً‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬وبالحرب‭ ‬المستمرة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والاقتحامات‭ ‬المستمرة‭ ‬لكل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ورفضها‭ ‬المطلق‭ ‬لقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وهو‭ ‬بمثابة‭ ‬إعلان‭ ‬سياسي‭ ‬قاطع‭ ‬بأن‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬ودفن‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬وجود‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬صلاحيته‭ ‬مع‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬وهو‭ ‬نهاية‭ ‬العمل‭ ‬بالاتفاق‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬البدء‭ ‬بمرحلة‭ ‬مفاوضات‭ ‬جديدة‭ ‬محورها‭ ‬مفاوضات‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

بعد‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬أمام‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلا‭ ‬إعلان‭ ‬مرحلة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والنضال‭ ‬بكل‭ ‬المقاربات‭ ‬لتتحول‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬السلام‭ ‬العربي‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬وأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية‭ ‬واحدة‭ ‬وحكومة‭ ‬فلسطينية‭ ‬واحدة‭ ‬وإنهاء‭ ‬الانقسام،‭ ‬ويبقى‭ ‬المتغير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬المتغير‭ ‬الرئيس‭ ‬والحاكم‭ ‬لقيام‭ ‬الدولة،‭ ‬وإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وإنهاء‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭.

إغلاق