خياران بلا ثالث
رام الله – الشاهد| كتب محمد القيق.. بين مشروع تخفيف المعاناة تحت الاحتلال ومشروع تحرر من الاحتلال، ثمة فوارق بات الشارع يدرك أنه على مفترق طرق ويحتاج قرارا مركزيا لسلوك مسار حاسم:
أصحاب مشروع تخفيف المعاناة تحت الاحتلال يرون بأن إدارة ذاتية وتسهيل حياة يومية داخل المدن هو بمثابة عمل مؤقت، بينما هذه الفكرة يسحقها تصاعد وتيرة مصادرة الأرض وهدم المنازل وهجمات المستوطنين ونشر البوابات الحديدية والحواجز وخنق التجمعات والمدن وعزلها واقتحام وقتل يومي وقصف يتكرر بلا دولة ولا حقوق ولا سيادة، بالتزامن مع تهميش حتى لهذا الدور والمشروع من قِبل من روّج له “أمريكا والعرب”.
هذا المشروع يخصخص الوجع ويجعل كل فئة تبكي وتتألم منفردة، وفي كل يوم يتصاعد دون حل جذري -فقط تجميل- واقع ينهار وتضميد نزيف لا يتوقف، وهذا يعني حكم بالفشل وتحسر على هدر وقت فيه لأن المواطن باتت حياته وممتلكاته في مهب الريح، ناهيك أصلا عن كرامته وحريته وسيادته التي مُسحت منذ بداية الإيمان أصلا بمشروع تخفيف المعاناة التي هي باتت تعكس تزيين المشهد وتخدير الغضب، فلم يعد مجدياً التقاط صورة قطف زيتون من شرطي مع مواطن حُرق بيته ومركبته وممنوع من دخول غالبية أرضه بسبب مستوطن، ويجاهد يوميا للوصول إلى حقله المهدد بخطة الضم.
مشروع التحرير هذا مكلف بالجملة وليس فيه خصخصة وجع وألم، بل فيه تجميع للغضب ورفض للذل وسعي للكرامة، لا يوجد فيه تدمير تدريجي أو توسع استيطاني أو طول زمن وروتين اعتداء، فيه إزالة التجميل ومنع التلطيف للبشاعة التي يعيشها الناس، فيه تدمير جماعي ودم ودماء وفيه إصرار على الحقوق، فيه فاتورة كبيرة لمرة واحدة وتركيز مكثف على تحقيق هدف بسقف زمني للحرية.
بات المواطن في ظل ما يتعرض له أمام مفترق طرق، وبات قراره لا يحمل خيارات:
فإما تعايش مع احتلال وقبول بتخفيف معاناة لا تضمن أن يتوقف الاحتلال حتى عن تدفيعه الثمن، وهذا يعني أن لديه فاتورة يومية سيدفعها بل وتزداد قيمتها كل لحظة، وهذا يعني قبوله بحكم ذاتي وسلطة بمقاسات أمريكا وإسرائيل، وهذا أيضا يحتم عليه بعد قبوله بذلك أن لا ينتقد هذه السلطة غير المنتخبة ولا يتذمر، لأن هذا يعني أن المواطن لديه مشكلة وهو الذي لا يريد اتخاذ قرار جريء، فيرمي بتردده في حضن سلطة باتت شماعة يعلق كل العاجزين فشلهم عليها بما فيهم التنظيم الذي شكّلها.
وأما إذا اتخذ قرار التخلص من الاحتلال فهذا يعني قرار تحمل المواجهة وقبول دفع فاتورة كبيرة ومؤلمة لمرة واحدة وللأبد؛ حتى ينتهي كابوس يومي ويصل لهدف استراتيجي وهو تحرير أرضه وجواره وحدوده وسيادته وفرض قراره ونزع الخوف من قلب أسرته وإدخال الأمان والتحرر للأبد إلى حياته، وهذا القرار له ثمن بسجن وتدمير وحرب ومواجهة، فيصبح فيه الطرفان متساويان في الألم؛ الشعب والاحتلال، وهناك بحسب التاريخ تنتصر الشعوب.
في حالة فلسطين فالوضع أصعب؛ حيث تخفيف معاناة الاحتلال لا تقتصر على تصاعد الاعتداء بل على توسع الاستيطان رويدا رويدا، لن يبقى مكان أصلا كي يخفف أصحاب هذا المشروع عنه المعاناة لأن الاستيطان كالنار في الهشيم، وفي نفس الوقت يزداد الاحتلال جمالا وتطبيعا وصورة حسنة كون المواجهة معدومة ولا صوت لشعب يقول لا.
مرحلة بات القرار فيها هاما جدا، ويعتمد مستقبل قضية برمتها عليه، فإما قبول تخفيف المعاناة المتسارعة والمتوسعة والتعايش مع مسببها، وإما التخلص من جذورها.
المواطن بين مسكنات الألم التي تفقد يوما بعد يوم فعاليتها، وعملية جراحية لها كلفتها.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=78073