كانتونات الضفة الغربية
رام الله – الشاهد| خطت الكاتبة الفلسطينية “سالي أبو عايش” مقالاً تحدثت فيه عن الواقع الجغرافي والسياسي المعاش بالضفة الغربية في ظل تغول الاستيطان، والفصل الجغرافي بين المدن، وخطط حكومة الاحتلال بضم المزيد من الأراضي، وفيما يلي نص المقال.
بوابات حديدة عسكرية تفصل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية عن بعضها البعض وعن الطرق الرئيسة الموصلة بين هذه المدن، ليتحول الواقع السياسي في الضفة الغربية إلى سجنٍ للسكان حيث جدار فصل عنصري يلتف حول المدن الفلسطينية ويفصلها عن بعضها البعض وعن فلسطين التاريخية.
حديثا بواباتٍ عسكرية بحواجز إسرائيلية لتتحكم في مسار حياتهم اليومي وفق أوقات محددة تضعها سلطات الاحتلال وفي بعض الأحيان لا يتم فتح هذه البوابات لأيام متواصلة لتكون البقعة الجغرافية الواقعة خلف هذه البوابات منطقة عسكرية مغلقة، أو منطقة محكمة الاغلاق كما هو الحال في بلدة بيت امر التي تم اغلاق البوابات التي من خلالها يتم الخروج من هذه البلدة إلى المدن المجاورة وهما بوابة الحواور التي من خلالها يتم العبور الى محافظة الخليل وجنوبها، وبوابة جسر العروب التي من خلالها يتم الوصول إلى بيت لحم وشمال الضفة الغربية، لتكون معاناة الناس كبيرة من حيث الجهد الذي يبذله الناس للوصول إلى أعمالهم أو جامعاتهم.
يسرون مشياً على الاقدام على الطرق الالتفافية التي تعج بالمستوطنين وبالتالي تشكل خطرا على حياتهم من حيث كون الطرق طرقا التفافيه سريعة من ناحية وبسبب وجود جنود الاحتلال ونقاطهم العسكرية والمستوطنين من ناحية أخرى، هذا المثال ليس الوحيد بالمعاناة فهنالك العديد من البوابات فالتالي الوضع مشابهه في شتى ارجاء الضفة الغربية القاطنة خلف تلك البوابات الحديدة.
لقد قامت سلطات الاحتلال بوضع البوابات الحديدية على مداخل ومخارج المدن الفلسطينية كنوع من سياسية العقاب الجماعي الذي تمارسه إسرائيل اتجاه الشعب الفلسطيني بعد السابع من أكتوبر؛ ليتحول المشهد اليومي إلى معاناة متواصلة بين مدن وقرى منفصلة الوفاق، وبات التنقل والوصول بينها مرهون بيد السلطات الإسرائيلية وحواجزها الدائمة أو الطيارة، وبذلك تحولت مدن الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة عن بعضها البعض بالرغم من وجود شبكة طرق ضخمة وسريعة في الضفة الغربية.
ويعود السبب في تحويل الجغرافيا إلى معازل مقسمة عدد من الأسباب من أهمها مصادرة الأراضي الفلسطينية إما لبناء المستعمرات والمستوطنات الصهيونية أو لتعبيد الشوارع والطرق الواصلة بين هذه المستعمرات، فوفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغ عدد الكانتونات الفلسطينية المعزولة نتيجة للحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية ما يزيد عن مائة كانتون، التنقل بينها من خلال ما يقارب مئة وخمسَ وستون بوابة حديدة موزعة على مداخل ومخارج القرى والمدن الفلسطينية ونحو ستمئة حاجز وساتر عسكري وترابي.
بعضها تم وضعها بصورة دائمة منذ الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة كما هو الحال في مدينة الخليل فمثلا ووفقا لموقع بيتسيلم يمثل حاجز “الجعبري/العين الحمرا )المحول)” الواقع شمال الحرم الإبراهيمي ويشغله عناصر من شرطة حرس الحدود على مدار الساعة، ويُمنع عبور الفلسطينيين ما عدا عائلة واحدة تسكن في حيّ الجعبري، ولكن في شهر رمضان يسمح الجيش أحيانا بعبور الفلسطينيين إلى الحرم الإبراهيمي.
كما ذكر سابقا تمارس السلطات الإسرائيلية سياسيات عقابية اتجاه الفلسطينيين منذ بداية احتلالها حتى لو تم تصعيدها أحيانا كعقاب جماعي كرد فعل على حدث ما كما يحصل ما بعد السابع من أكتوبر، ولكن تقوم هذه السلطات بتقييد حركة الفلسطينيين بصورة كبيرة ومتزايدة فعلى سبيل المثال يحظر على الفلسطينيين الحركة في بعض الشوارع المخصصة للمستعمرين حيث يصل طول الشوارع التي يمنع الفلسطينيين تماما من استخدامها نحو 40 كم تقريبا، منها 7 كم داخل مدينة الخليل.
بطبيعة الحال هذه القيود لا تؤثر فقط على التنقل والحركة اليومية للفلسطينيين وانما تؤثر أيضا على الاقتصاد الفلسطيني وسوق العمل من حيث عدد ساعات العمل المهدورة بين هذه الحواجز وكذلك تؤثر على الاستهلاك اليومي والفردي من الوقود نظرا لاختلاف المسافات الواجب اتباعها لتجاوز هذه الحواجز والبوابات، في ضوء ذلك تشير نتائج دراسة قدمها معهد الأبحاث التطبيقية أريج: أن الفلسطينيين يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنويا بسبب الحواجز الإسرائيلية وقيود الحركة، بحيث تقدر تكلفة الخسائر بنحو 270 مليون دولار إضافة الى استهلاك وقود إضافي بحوالي 80 مليون لتر سنويا، تقدر تكلفتها بنحو 135 مليون دولار.
إن العقابات التي تمارس على الشعب الفلسطيني تأتي ضمن السياسة الممنهجة لليمين المتطرف الإسرائيلي الذي يعتلي سدة الحكم بقيادة بنيامين نتنياهو وتندرج هذه السياسة من رؤية متطرفة باتت واضحة المعالم اليوم مما يعيشه الشعب الفلسطيني من جعة ومن التصريحات التي تخرج من اليمين المتطرف او بعض القادة الإسرائيليين من جهة أخرى وتتمثل هذه الرؤية في العمل على تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق عدة تحكمها إدارات مدنية منفصلة؛ وربما تكون البوابات الحديدية الخطوة الأولى لتحقيق هذه الخطة من خلال احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية الكاملة والحرية العسكرية المطلقة للجيش في الضفة الغربية من خلال التحكم في حياة الفلسطينيين، لتأتي لاحقا خطوة تفكيك السلطة الفلسطينية مع الإبقاء على وحدات فرض النظام والقانون فقط.
هذه الرؤية تأتي أيضا ضمن خطة سموتريتش التي أعلن عنها بتسلئيل سموتريتش “وزير المالية الإسرائيلي ووزير الإدارة المدنية في وزارة الدفاع” المعروفة باسم “خطة الحسم” التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية ومنع قيام كيان سياسي للفلسطينيين، ودعم برامج التهجير الطوعي للفلسطينيين، واستخدام الحسم العسكري مع الرافضين للهجرة او الخضوع لحكم إسرائيل، والعمل على زيادة عدد المستوطنين ليصل إلى مليوني مستوطن داخل البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية والعمل على ربط المستوطنات ببعضها البعض من خلال طرق التفافية كما هو الحال مع المستوطنات المقامة على أراضي مدينة بيت لحم حيث يتم العمل على ضمها الى المستوطنات الواقعة والقريبة من مدينة القدس من خلال حفر وتعبيد طرق التفافية جديدة لتشكيل ما يسمى القدس الكبرى وفقا لهذه الخطة ويأتي هذا على حساب الأراضي والشعب الفلسطيني.
تمثل سياسة الكانتونات والعزل سواء كان السياسي أو الاقتصادي الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية اتجاه الشعب الفلسطيني أحد الأدوات التي تساعد في تطبيق خطة الحسم والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية والنظام السياسي فيها اذ تسعى السلطات بسياسة العقاب والعزل التي تمارسها إلى تحقيق التهجير الطوعي للفلسطينيين وبذلك التقليل من الخطر الديمغرافي من جهة والعمل وإفقار الضفة الغربية من جهة ثانية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة الطوعية، وبذلك تحقيقها لمشروع الدولة اليهودية الذي تسعى له وجعل الفلسطينيين المتبقيين في فلسطين دون حقوق وطنية وانما بحقوق مدنية ليكونوا بذلك مواطنو درجة ثانية وربما ثالثة في الدولة اليهودية.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=78657