كتبت اسماء سلامة: ثبات أم خذلان؟؟

كتبت اسماء سلامة: ثبات أم خذلان؟؟

رام الله – الشاهد| كتبت اسماء سلامة: قضية المعلمين ليست قضية جديدة، هي نتاج لتراكمات سنوات عديدة، وتعاقب للخيبات، وصل المعلمون خلالها للمناعة الذاتية في موضوع الوعود، لم تعد الوعود ذات جدوى، بعد التراجع المتكرر عن تطبيقها.

 

راقبت لأيام ما يجري من تطورات على قضية المعلمين والإجراءات التي تم اتخاذها من إضرابات وعرقلة للتعليم، في سبيل الحصول على رزمة من المطالب، التي هي حقوق لهم لا مجال للنقاش في ذلك، وفيها إنصاف لهم، ومنحهم ما يستحقون بالفعل، هي مجرد تعديل لأوضاع مجحفة، وهي مطالب ليست جديدة، ولا مبالغة فيها، بل هي الحد الأدنى من الأمور التي من حق المعلم التمتع بها، وما كان هو الإجحاف الكبير، وقد صمتوا بما فيه الكفاية وصبروا على هذا الوضع بما يكفي، وآن الأوان لتعديله ومنحهم ما يستحون.

 

لو نظرنا للمعلمين بكل موضوعية، نجد أنهم من أكبر الشرائح العاملة في الوطن، والأوسع ارتباطا مع كافة شرائح الشعب، ومن الأكثر عطاء وأهمية، فهي الأساس في إنشاء الجيل وإعداده للمستقبل، المعلمون هم القاعدة الأساسية بعد الاسرة للتربية والتأهيل النفسي والتكويني والأكاديمي لأبنائنا، والكل يحملهم مسؤولية أي فشل في مخرجات التعليم، والسلوكيات السلبية التي باتت للأسف موجودة لدى نسبة من الطلبة، نحن نطالب المعلم بلامحدودية العطاء، والتفاني والبذل، ولكننا نغفل إلى حد كبير عن ما يحتاجه للتمكن من أداء هذه المهام، ونحاسبه على التقصير.

 

من المبادئ الأساسية في أي عمل، ومن واقع عملي في مجال الشؤون الإدارية، وكما يقال من الأبجديات في هذا المجال، أن المعادلة  تقول:

 

البيئة المناسبة، والرضا الوظيفي، والأمان الوظيفي، تضمن لك الإنجاز، فأنت حين تضع الموظف مهما كانت طبيعة عمله، في بيئة عمل مناسبة فيها كل ما يحتاج له من مستلزمات يحتاجها لأداء مهام عمله(الأمور اللوجستية، والمعدات، والبنى التحتية)، وتعكس أهمية المهام الموكلة إليه وطبيعة عمله إلى أرقام في راتبه الشهري، وتعطيه المحفزات  المادية والمعنوية، وتبادله الاحترام وتشعره بأهمية عمله ووجوده، ستضمن مقابلة كل ذلك من جانبه، إنجازا وإبداعا وعطاء، لن يستطيع أي موظف العطاء إن لم يشعر بالراحة في مكان عمله، وإن كانت بيئة عمله تفتقر للمقومات الأساسية، وان انتقصت مما يحتاج لأداء وظيفته، وأجحفت في إعطائه الراتب الذي يستحق.

 

وهذا في الحقيقة ما يجري الآن مع المعلمين، أو بشكل أدق ما يجري منذ سنوات معهم، بيئة العمل غير مؤهلة بالشكل الكافي، ونقص في البنى التحتية للمدارس، وقلة في التجهيزات اللازمة له لإنجاز المهام المتجددة والمتصاعدة المطلوبة منه، ففي كل عام يتم استحداث العديد من الأساليب التعليمية، وتلقى على المعلم مسؤولية القيام بها ومواكبة كل التطورات الحاصلة، دون أن يتم بالتوازي تحسين بيئة العمل والمردود المالي.

 

ومن ناحية أخرى، يلقى على عاتقة المزيد من الأعمال التي ترهقه، فلا يكفي الحصة الصفية وكل ما فيها من عناصر، والاعمال الكتابية الروتينية المطلوبة منه، فقد تصاعد الأمر باتجاه إدخال التكنولوجيا، دون مواكبة ذلك مع تأهيل المدارس لهذا التطور، حيث تفتقر بعض المدارس لمتطلبات تفعيل التكنولوجيا، ناهيك عن الكم الهائل من الأعمال الكتابية الأخرى، زيادة المهام المطلوبة يتوجب أن يتبعها بالتوازي الزيادة في الراتب.

 

نأتي الآن للحديث عن كافة العوامل التي أدت إلى وصول الوضع العام للمعلمين إلى ما وصل إليه، والمسببات لهذه الفوضى التي تشهدها المسيرة التعليمية، فهي ليست المرة الأولى التي يبدأ فيها المعلمون عبر نقابتهم (اتحاد المعلمين) اتخاذ إجراءات للضغط على الحكومة في سبيل إعطائهم حقوقهم.

 

ولكن في كافة المرات السابقة، والتي كانت تنتهي بإعلان التوصل لاتفاق مع الاتحاد العام للمعلمين، وبالتالي العودة عن هذه الإجراءات، لم يحصل المعلمون فعليا على هذه الحقوق، فتارة يتم إقرار إضافة مبلغ مقطوع على الراتب، أو إقرار حق في علاوة معينة، ولكن ما يحصل على أرض الواقع هو تنفيذ جزئي، بحيث يتم في العادة صرف نسبة ترصيد نسبة أخرى للموظف، مع بقاء بعض الملفات الأخرى عالقة، معلمون منذ أعوام لم يتم تثبيتهم، أو اعطائهم بدل غلاء معيشة، أو مخصصات مالية تتعلق بأجور التصليح والمراقبة لامتحان الثانوية العامة.

 

تكرار كل هذه المواقف عاما بعد عام، وأزمة بعد أزمة، جعلت انعدام الثقة في جدية الوعود أمرا طبيعيا ومبررا، ليست المرة الأولى التي وعد بها المعلمون، وليست المرة الأولى التي تراجعوا فيها عن إضراباتهم واحتجاجاتهم، وأعطوا الفرصة تلو الأخرى للحوار والمناقشات والتفاوض، ولكنهم بالمحصلة ما زالوا يعانون من أوضاع وظيفية تجبرهم على الاحتجاج، ولفت الانتباه بأي طريقة لقضيتهم.

 

كلنا يعي الوضع الذي يعيشه الوطن، ولكننا على علم أيضا أنه ليس وضعا جديدا، لم نعش يوما في هذا الوطن في جو من الراحة والاستقرار، فبات الهم الوطني سمة لحياتنا وربما تميزنا عن الآخرين، وكأننا لا نجيد القدرة على الحياة في ظروف أخرى، وخلقنا للعيش في أجواء التوتر، واكتسبنا قدرة رهيبة على التأقلم، ولكننا بحاجة لبعض الأمور التي تعزز من قدرتنا على الصمود، وحقوق الموظفين هي من أهم معززات الصمود، والمعلمين على وجه الخصوص، لا مبالغة في مطالبهم، ولا نوايا خفية حول توقيتها، لأنهم ملوا من المماطلة والتهميش.

 

ولن يكونوا وحدهم المطالبين بمراعاة الظروف التي يمر بها الوطن، والصمود والصبر والتحمل، وإعطاء الفرص الواحدة تلو الأخرى، وتفهم عدم الإيفاء بالوعود، أيعقل أن يبلغ مجموع ما لدى المعلمين من مستحقات متراكمة  على الحكومة 47 مليون شيكل؟ وهم فئة منقوصة الحق في الأصل، كيف لنا أن لا نعطي القليل كاملا على الأقل؟

 

كانت هيبة هذه المهنة في السابق تفوق كل المهن، وكانت مطمعا للكثيرين، أن تكون معلما يعني الأمان، يعني الشعور بالاستقرار، يعني المكانة الاعتبارية المرموقة، تعني الفضل الكبير على كل المهن الأخرى، كانت مكسبا بكل معنى الكلمة، وماذا باتت الآن، هل ينعم المعلم بأي نوع من أنواع الاستقرار؟.

 

من الناحية المالية هو يعاني، يبقى في قلق وضغط طوال الشهر وهو يحاول وضع موازنة بين هذا الراتب ومتطلبات الحياة، يحاول كما يحاول كل موظف آخر إيجاد المعادلة السحرية التي يستطيع من خلالها تغطية تكاليف معيشته من راتبه المحدود، مع كل التداخلات الأخرى، غلاء أسعار المواد الغذائية والتموينية، المحروقات، الملابس، الاتصالات، السكن والعقارات، والقائمة تطول.

 

هذا إن لم يكن لديه أي ابن في الجامعة، فما الحال إن كان أكثر من ابن واحد؟ لن يستطيع أبرع علماء الاقتصاد والمحاسبة من إيجاد تلك المعادلة، فهل يكون الحل اللجوء للبنوك؟ والوقوع في هذا الفخ؟ الذي يبدو في ظاهره حل، ولكنه في الحقيقة ورطة ومأزق كبير.

 

ثم نأتي مع اجتماع كل تلك الظروف، ونطلب من المعلم الصمت، والتراجع عن خطوة بدأها عبر ممثليه في الاتحاد وبقرار مشترك معهم؟ كيف لاتحاد حمل على عاتقة الدفاع عن حقوق المعلمين وجعلها الأولوية في عمله، أن يأخذ قرارا ببدء هذه الإجراءات، وظروف الوطن كما هي لم تتغير، ثم يأتي بعد أيام ليطلب منهم التراجع؟ ويطلب منهم مهلة تمنح للجنة تم تشكيلها من وزارة المالية والتربية والتعليم والحكومة والاتحاد؟ أنعود لموضوع اللجان في كل مأزق نقع فيه؟ كم من لجنة شكلت، وباتت نسيا منسيا؟.

 

الخلاف والاعتراض ليس على الآلية في مناقشة المطالب، فالمنطق يقول أن اجتماع ذوي العلاقة هو بداية الطريق للحل، ولكنني لاحظت من خلال متابعتي للقاء جرى مع الأمين العام لاتحاد المعلمين في إحدى القنوات قوله: "أنه تم التوافق مع الحكومة على تشكيل لجنة من الوزارات والجهات ذات العلاقة تنجز مهامها خلال شهر."

 

وبالمقابل توجه بالدعوة لكافة المعلمين المضربين والرافضين للتهدئة، أن يمنحوا الحكومة واللجنة مدة أسبوع للتوصل إلى قرارات بشأن مطالبهم، قبل إجازة عيد الفطر المبارك على حد قوله. كيف لك أن تطلب منحك مهلة أسبوع وأنت تعرف جديدا ومنذ اللحظة الأولى أن اللجنة وضعت شهرا لإنهاء مهامها؟.

 

وإن كان تشكيل اللجنة يحمل في طياته الاعتراف بحقوق المعلمين التي تم المطالبة بها عبر بيان رسمي من الاتحاد، فلماذا يعاقب المعلم الذي ما زال يصر على المطالبة بها، قرار الاضراب جاء بالإجماع، وعليه أن يعلّق بالإجماع أيضا، مع تجميد لكافة الإجراءات العقابية التي تم اتخاذها بشكل تعسفي في حق بعض المعلمين، أنت تعترف بحقه، وتعترف بالإجحاف في قيمة راتبه، وتقوم بحسم أيام إجراءاته للمطالبة بهذا الحق من راتبه المتآكل؟

 

العديد من الأمور غير المنطقية التي تمت، للتعامل مع أزمة المعلمين الحالية، لا يعفى أحد من المسؤولية عنها، وعن حالة الفوضى التي وصلت إليها المسيرة التعليمية، التي سيكون الطالب هو الخاسر الأكبر فيها، من ضياع المادة التعليمية، والسرعة لتغطية ما يمكن تغطيته في حال الرجوع للدوام كالمعتاد، ولكن مع كل هذه الخسارة، أعتقد أن إعادة الحق لأصحابه، وإنصاف المعلم يستحق كل ذلك، لن أطلب من معلم أن يغرس روح الدفاع عن الحق في الوطن، والحق في الحياة، والثبات في وجه كل الصعاب التي سيواجهها في الحياة، وأنا أسحق تلك الخصال فيه، وأقمع مطالبته بها ودفاعه عنها.

 

والآن وبعد الإعلان بالأمس عن حل جديد يعلم المعلمين صراحة ان لا تغيير على رواتبهم قبل بداية العام القادم، بإضافة نسبة 10% بدل طبيعة عمل تليها 5% في العام التالي، هل سيعتبر المعلمون ان بعض الحق قد وصل؟ هل سيقبلون الحلول المؤجلة من جديد؟ وفي حال رفضهم، مع مباركة الاتحاد الذي يمثلهم، سيتم معاقبتهم مجددا بالحسم من رواتبهم؟.

إغلاق