الأمر الرئاسي وسلطة محمود عباس!
رام الله – الشاهد| خط المحام والسياسي الفلسطيني أنيس القاسم مقالاً عن المرسوم الرئاسي الذي أصدره رئيس السلطة بشأن تعيين روحي فتوح في منصب رئيس السلطة حال شغور المنصب، والمآلات التي جاء فيها ذلك المرسوم وخطورته، وفيما يلي نص المقال.
فجأة ودون مقدمات، أصدر الأخ محمود عباس الأمر الرئاسي رقم (1) لسنة 2024، ونشر في العدد الممتاز من الجريدة الرسمية رقم 29 (دون تاريخ). وأما تاريخ صدور الأمر الرئاسي فهو 27/11/2024، وفحوى هذا الأمر، أنه إذا شغر منصب رئيس السلطة الفلسطينية، ولم يكن هناك مجلس تشريعي، «يتولى رئيس المجلس الوطني مهام رئاسة السلطة» لمدة (90) يوماً، وتجري انتخابات حرّة ومباشرة لانتخاب رئيس للسلطة.
قبل الدخول في فحوى الأمر، لا بدّ من التأكيد أن الأمر صدر وكأنه حادث فجائي، إذ لم نسمع أو نقرأ مقدمات لهذا الأمر، أو الظروف التي أدت إلى إصداره، وربما جاء بوحي أوحي إليه من الباب العالي. ومع ذلك، صدر الأمر من محمود عباس بصفته – كما جاء في مقدمة القرار- رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولكن لم ترد صفته كرئيس للسلطة الفلسطينية.
أما ديباجة الأمر الرئاسي، فإنها تثير العجب، لأنها تتحدث عن شخص افتراضي لا علاقة له بواقع الاحتلال، وكأنه لا يعيش همجية جيش الاحتلال ولا يعاني من نذالة وخسّة المستوطنين. يتحدث الأمر في المقدمة عن «حماية الوطن» والحفاظ «على سلامة أراضيه» ويلحظ ما يتكبده شعبنا من «حرب الإبادة»، ويؤكد «أن كرامة الوطن ما هي إلا انعكاس لكرامة كل فرد من أفراده»، وعلى هذه المرتكزات صدر الأمر الرئاسي، من سلطة تعيش تحت أبشع وأعتى احتلال يشهده العصر الحديث. فهل يعلم الأخ محمود عباس ـ مثلاً- أنه لا يستطيع أن يقطع الشارع ـ نعم مجرد قطع الشارع- الذي يفصل رام الله عن البيرة، إلاّ بإذن سلطة الاحتلال لأن الشارع هو من المناطق «ج»؟ فأين «حماية الوطن»، وعن أي «وطن» وعن أية «سلامة أراضيه» يتحدث الأمر الرئاسي؟ ومع ذلك، شعرت بالامتنان حيث يتذكر في الديباجة الإشارة إلى ما «يتكبده شعبنا بفعل حرب الإبادة» دون وصف هذه الإبادة بأنها جريمة أو حتى إدانتها.
وكأن موقف محمود عباس أقرب إلى موقف رئيس وزراء بريطانيا، الذي ما زال يتردد في وصف ما يجري في غزه بأنها «حرب إبادة»، لكيلا يتهم بـ»الاشتراك» في هذه الجريمة الكبرى. ومع إصرار بعض قيادات السلطة على مواصلة التنسيق الأمني مع جيش، يعتبر حالياً من أكثر جيوش العالم انحطاطاً ودناءة، فربما يكون مفيداً لهم إعادة النظر في التنسيق الأمني «المقدس» في ضوء جريمة الإبادة الجارية حالياً والرأي الاستشاري للمحكمة الدولية. ثم نصل إلى فحوى الأمر الرئاسي وتداعياته. نص القرار على أن يعهد إلى رئيس المجلس الوطني برئاسة السلطة الفلسطينية.
أولاً، كيف ضمن محمود عباس أن إسرائيل سوف توافق على ذلك، لاسيما وأن السلطة الفلسطينية هي من أدوات الحاكم العسكري، وليست مخلوقاً سيادياً صادراً عن إرادة شعبية. وندلل على ذلك، أن المجلس التشريعي الذي انتخب بموجب انتخابات حرّة ونزيهة في عام 2006، والذي فازت حركة حماس بمعظم أعضائه، لم يتمكن من ممارسة أعماله، بل تمّ التنكيل بمعظم أعضائه من قبل الحاكم العسكري لأنه لم يأت على مقاس سلطة الاحتلال.
ثانياً، وكيف يتأكد السيد محمود عباس أن إسرائيل سوف توافق على إجراء انتخابات لانتخاب رئيس جديد للسلطة؟ وإذا لم ينجح المرشح المقبول إسرائيلياً، كما حدث في انتخابات عام 2006، فما مصير تلك الانتخابات، ومن سيملأ فراغ رئيس السلطة؟
ثالثاً، إن القانون الأساسي المنشور في عام 2003، وهو قانون السلطة الفلسطينية، عالج موضوع شغور مركز رئيس السلطة في المادة (37) منه، حيث ورد في النص أن الشغور يتم في حالات ثلاث: الوفاة والاستقالة وفقدان الأهلية. وأضافت المادة ذاتها أنه إذا شغر المنصب يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام رئيس السلطة لمدة لا تزيد عن (60) يوماً، تجري خلالها انتخابات.
من الواضح ان الأمر الرئاسي قد عدّل في القانون الأساسي، من حيث من يملأ المركز الشاغر. فالقانون الأساسي ينص على أن رئيس المجلس التشريعي هو من يخلف رئيس السلطة، وعدّل الأمر كذلك في المدة التي تجري فيها الانتخابات فقد كانت (60) يوماً وأصبحت (90) يوماً. فهل يملك القرار الرئاسي تعديل القانون الاساسي الذي هو دستور السلطة؟ ويجب أن نشير إلى المادة (120) منه التي نصت على أنه لا يعدل هذا القانون الأساسي، إلاّ «بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني»، فهل قرار الرئيس يعادل ثلثي أصوات المجلس؟
رابعاً، لعلّ الجميع يذكر أن محمود عباس أصدر مرسوماً بقانون في 8/2/2022، حيث أدرج منظمة التحرير كإحدى دوائر دولة فلسطين، وأصدر قانوناً آخر بتاريخ 22/2/2022، غيّر فيه وضع منظمة التحرير من شخص من أشخاص القانون الدولي إلى دائرة من دوائر دولة فلسطين، (والمرسومان يشهدان على حالة التخبط) علماً بأن تغيير وضع وصفة المنظمة، هو أمر يقع حصراً في صلاحيات المجلس الوطني، ولا أحد غيره يملك هذه الصلاحية. فمن الذي يقدم الاستشارة إلى محمود عباس، وما هي الجهة التي تقوم بالصياغة، ومن هم المستشارون الذين يناقشون البدائل والنتائج؟ أو بشكل أدق، هل هناك مكتب مستشارين، أم أن هذه أفكار ترد على خاطر محمود عباس فينظمها في قانون يصدر على شكل «شطحة»! هل نحن أمام شخص يناضل لبناء دولة – كما يصرّ-؟
أما التداعيات المثيرة للانتباه فهي أن شغور مركز رئيس السلطة الفلسطينية، سوف يستتبع بالضرورة شغور مركز رئيس اللجنة التنفيذية، وشغور منصب رئيس دولة فلسطين في الوقت نفسه، لأنه إذا قام مانع يحول دون قيام رئيس السلطة بمهامه، فإن ذلك ينسحب على المنصبين الآخرين. فهل هذا يعني أن القرار الرئاسي سوف ينسحب بالضرورة، لكي يملأ رئيس المجلس الوطني الشواغر الثلاثة؟ فإن كان الجواب بالإيجاب، نتساءل، كيف يمكن لشخص واحد غير منتخب من أي جهة من شعبه أن يملأ ثلاثة شواغر رئيسية؟ إن هذا يتناقض مع النظام الأساسي لمنظمة التحرير، الذي يتم بموجبه انتخاب اللجنة التنفيذية للمنظمة مباشرة من المجلس الوطني، وينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية رئيس اللجنة التنفيذية.
فكيف سيتم تجنّب هذه الاحتمالية؟ وتجدر الملاحظة أن الشواغر الثلاثة لم تجر فيها أية انتخابات منذ سنين عديدة، وبالتالي فإن أي شاغر يحدث في المستقبل سينال من الشرعية الدستورية، ولنا في عدم إعادة انتخاب محمود عباس سابقة تؤكد عدم شرعيته ومشروعيته، وهذا ينسحب على كل قراراته وتوجيهاته منذ 16/1/2009، تاريخ انتهاء ولايته الأولى.
من الواضح، أن هناك تخبطا شديد الفجاجة في الأوساط المحيطة بمحمود عباس ولا يوجد من لديه خريطة كاملة عن التعديلات والقوانين والنظام السياسي، بل أكاد أجزم ان من يصوغ هذه القرارات لا علاقة له باللغة العربية (والأمر الرئاسي مليء بالأخطاء اللغوية) ولا بكل مؤسسات منظمة التحرير. فهل تحول النظام السياسي الفلسطيني الى مزرعة محمود عباس؟ أم أنّ التوجيهات تأتي فجأة من الباب الأبيض؟!
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=79591