سياسة الباب الدوّار.. الحساب مع السلطة يقترب أسرع من المتوقع

سياسة الباب الدوّار.. الحساب مع السلطة يقترب أسرع من المتوقع

القاهرة – الشاهد| كتبت جيهان فوزي.. الغضب يشتعل في الضفة الغربية ضد ممارسات أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، ويبدو أن وقت الحساب يقترب أسرع من المتوقع، وأن الانفجار آتٍ لا محالة، اعتقال واغتيال مقاومين وتفكيك عبوات ناسفة وملاحقات واشتباكات مستمرة واتهام باستخدام «الباب الدوار» (هي آلية عملياتية وتبادلية يتم بموجبها حبس الناشطين والمقاومين والمعارضين في السجون الإسرائيلية أو تلك الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وعندما يُخلى سبيلهم يجري تسليمهم على نحو غير مباشر إلى الطرف الآخر)، والمقاومة تطلق تحذيرها الأخير إذ يبدو أن صبرها قد نفد وموعد الانفجار يقترب.

هذا هو حال الضفة الغربية الآن، إذ يعيش سكان الضفة الذين يعانون من الحصار والتضييق بشكل مفرط من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، حالة من الغليان والتوتر المشحون فلم يكن ينقصهم القبضة الأمنية التي بدأت تشنها السلطة الفلسطينية عليهم، ودخول أجهزة الأمن على خط الاشتباك، وما تقوم به عناصر الأمن من اعتداءات وملاحقات للمقاومين بشكل ممنهج وعنيف، في ظل الهجمة الإسرائيلية الأشرس منذ سنوات طويلة على مدينة القدس والضفة وقطاع غزة.

يُعد عام 2023 الأكثر دموية منذ 2005 بالنسبة لفلسطينيي الضفة الغربية، ويُنسب السبب الأكبر في ذلك إلى عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي العنيفة في جنين ونابلس، التي تهدف إلى قمع التعبئة والمقاومة المسلحة الفلسطينية، وفي حين أن السلطة الفلسطينية كانت غائبة إلى حدٍ كبير أثناء غارات الجيش الإسرائيلي، إلا أنها سرعان ما كانت تعيد فرض مظاهر السيطرة بعد انتهاء تلك الغارات.

فبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنين فى يوليو الماضي، زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المدينة لأول مرة منذ عام 2012 بصحبة لفيف من قوات الأمن الفلسطينية وبعدها بأيام، أطلقت السلطة الفلسطينية حملة اعتقالات طالت أعضاء في الجهاد الإسلامي وفصائل أخرى فى جنين وسائر الضفة الغربية.

وتجسد هذه الدورة سياسة الباب الدوّار التي تُعد ركنا من أركان التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. غير أن مصادر قريبة من رئيس السلطة الفلسطينية في محاولة منها لتبرير وتفسير ما يجرى تقول إن «أبومازن» تلقى إنذارا أخيرا ونهائيا من إسرائيل بأنه ما لم تتوقف هجمات حماس والجهاد الإسلامي على المستوطنات وعلى الطرق المؤدية إليها في الضفة الغربية، فإن إسرائيل ستشن عملية عسكرية مشابهة لحربها على غزة، وستكون هذه العملية مرفوقة بإجراءات سياسية تتضمن إلحاق عشرات الكيلومترات من أراضي الضفة الغربية بإسرائيل، فيما ستستهدف العملية العسكرية جنين وبعض القرى المحيطة بها والقريبة من الكتل الاستيطانية الإسرائيلية، وستفضي في النهاية إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من تلك المنطقة في شمال الضفة بعد تدميرها بالكامل.

وعندما تذرع «أبومازن» أمام «بلينكن» وزير الخارجية الأمريكي بأن السلطة تفتقر إلى الموارد البشرية واللوجيستية لإدارة معركة طويلة مع حماس والجهاد عارضه «بلينكن» بالقول: «لا نتوقع منكم إنجازا سريعا أو حاسما، نتوقع فقط موقفا واضحا يميز بين حماس والجهاد وسائر قطاعات الشعب الفلسطيني، لأن هذا سيسهم في تحديد وتحجيم الفصائل المتطرفة وسط الرأي العام الفلسطيني، وستكون تلك مساهمة إيجابية قد تعطي نتنياهو ورقة ضغط فعالة ضد اليمين الإسرائيلي المتطرف الداعي إلى إعادة احتلال الضفة الغربية وفرض القانون الإسرائيلي عليها كما هي حال القدس تماما، ما يعني اجتثاث آخر ما تبقى من أوسلو وملحقاتها».

إلا أن ما ذكرناه لا يعد تبريرا للسلوك السياسى للسلطة الفلسطينية، لكنه توضيح لدوافع هذا السلوك وما تتعرض له السلطة الفلسطينية من ضغوط جدية وتهديدات بإنهائها تماما وإحلال إدارة مدنية إسرائيلية محلها.

لكن العديد من الفلسطينيين يعتقدون أنّ السلطة تبالغ في مخاوفها وأن القيادة الإسرائيلية خاصة العسكرية والأمنية منها، تستبعد كليا مشروع إعادة الاحتلال باعتباره سيشكل عبئا هائلا على الجيش الإسرائيلي الذي سيكون ضباطه وجنوده مهددين بالموت في كل شارع أو زقاق في قرية أو بلدة أو مدينة، خاصة أن السلاح منتشر بصورة كثيفة للغاية في الضفة الغربية، ثم أن هؤلاء يقولون إن على السلطة الفلسطينية إذا أرادت استبعاد المقاومة العسكرية للاحتلال أن تتجه بشكل عملي وجاد وحافل نحو ما كانت قد وعدت الشعب الفلسطيني به من مقاومة مدنية سلمية منظمة تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وتسمع العالم صوت الفلسطينيين، أما وأن السلطة الفلسطينية لا تقبل هذا ولا تفعل ذاك، فهذا ما سيضعها في مأزق وجودي أمام الشعب الفلسطيني.

إغلاق