هل صار الرئيس قديساً بزي مقاتلٍ؟

هل صار الرئيس قديساً بزي مقاتلٍ؟

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني فايز أبو شمالة مقالاً حول الفساد الذي ينخر مؤسسات السلطة الفلسطينية، وصمت رئيسها محمود عباس على تفشي ذلك الفساد، وهو الأمر الذي أدخل القضية الفلسطينية في متاهات لا متناهية وحرم الشعب الفلسطيني من الكثير من الدعم والتعاطف العالمي، وفيما يلي نص المقال.

كلما نشرت تغريدة عبر محطات التواصل الاجتماعي، انتقد فيها سياسية رئيس السلطة محمود عباس، وإدارته للشأن الفلسطيني، ونهجه الذي دمر أسس القضية الفلسطينية، يخرج عليّ البعض شاهراً سيف البغضاء، بدعوى أنني أثير الفتن، ولا أحرص على وحدة الصف الوطني، وأنني لا أحترم الشيب في رأسي، وأن من واجباتي ـ بحكم التجربة ـ ألا أكون قلماً مأجوراً.

ونسي أولئك اللائمون والمحرضون أن أول أسس الديمقراطية هي عدم عبادة الشخص، سواء كان رئيساً، أو وزيراً، أو قائد تنظيم، وأن أول شرط لاحترام النفس هو عدم تقديس الحزب أو التنظيم.

وإذا زعم أولئك البسطاء أن محمود عباس قديساً بزي مقاتلٍ، وأنه بعظمة الآلهة، وجبروت الخالق، ولا يصح نقده، ولا المساس بشخصه، ولا يصير الاعتراض على قراراته، وأن التجريح بسياسته تجديف بحق الربوبية، وأن من واجب عبيد السلطان أن تقدس سره، وأن تطيع أمره، وألا ترفع رأسها في حضرته، فهذه بحق السماء من إحدى الكبائر، فطالما كان محمود عباس بشراً مثلنا، يحب ويكره، يأكل ويتغوط، يسهو ويصحو، يعلم ويجهل، فمن حق أمثاله من البشر المدركين لمجريات السياسة أن يعترضوا، وأن ينتقدوا، وأن يفندوا أقواله، وأن يرجموا أخطاءه بالحجر والمقالات، ولنا في هذا المضمار

تجربتان:

التجربة الأولى، عبيد سلطة الطاغية بشار الأسد، الذين حرموا على المواطن السوري انتقاد سلطة الأسد وفجوره، وكانوا يجبرون المواطن السوري على الشهادة بأن لا إله إلا بشار الأسد، فهل يريدنا عبيد محمود عباس أن نشهد أن لا إله إلا محمود عباس؟ وأمام الجميع نتيجة الربوبية، والعبودية، والانسحاق الروحي الذي خلفه الهارب بشار الأسد من غضبة الجماهير العربية السورية.

التجربة الثانية، أسياد القرار الديمقراطي في المنطقة، وهم أعداؤنا الإسرائيليون، وكيف يهاجمون رئيس الوزراء والحكومة وكانه خصم لهم، ينتقدونه علانية، ويرجمون الحكومة بالتهم الكبرى، ويعترضون على سياستهم بمقالاتهم، ولقاءاتهم، ومداخلاتهم، وأحاديثهم، وهم يحرّضون علانية ضد رئيس الوزراء جهاراً نهاراً، ينتقدونه، ويجرحونه بالنقد، ويعترضون على زوجته سارة وابنه يائير، ويقدمونه للمحاكمة، وينشرون ضده المقالات التي تتهمه بالخيانة، يقولون عنه معارضوه باللغة العبرية (בוגד) خائن، وسبق وأن أطلقوا تهمة خائن على الكثير من رؤساء الوزراء والوزراء من شارون وحتى اسحق رابين، دون خوف من سحل أو غدر كما حصل مع المناصل الفلسطيني نزار بنات، ذاك الشهيد الشهم الذي تمت تصفيته بأيد رجال السلطة الفلسطينية؛ لأنه انتقد سياسية محمود عباس، والأمثلة كثيرة عن مئات الفلسطينيين الشرفاء القابعين في سجون السلطة؛ لأنهم انتقدوا سياسة رئيس السلطة محمود عباس.

لقد وصل الأمر ببعض مؤيدي محمود عباس أن اعترض على ذكر اسمه دون ألقاب، وطالب البعض ان نذكر ألقاب الرجل قبل ذكر اسمه، وطالبنا أن نقول الرئيس الفلسطيني، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس اللجنة المركزية لحركة فتح، وكل هذه التوصيفات الوظيفية لتؤكد بأن الشعب الفلسطيني منزوع القرار، ويعيش تحت حكم الفرد الطاغية، الذي استأثر بالسلطات الثلاث، التنفيذية والقضائية والتشريعية، وبات في علاه كالرب الحقيقي لشعب يرزح تحت الاحتلال، ويفتش عن حريته.

إن هجوم الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية على مدينة جنين ومخيمها ليشهد أن القرار صدر لهم من محمود عباس، بالتالي فالمسؤول الأول والأخير عن كل قطرة دم تسيل في الضفة الغربية هو محمود عباس، الذي ألقى سلاح الثورة، وتخلى عن مواجهة الأعداء، وصار يدور في فلك المخابرات الإسرائيلية حيث دارت، فكانت الحرب على جنين في عز الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة تأكيداُ على التنسيق والتعاون الأمني الكامل بين محمود عباس ونتانياهو، ففي الهجوم على المقاومة وحدة حال بين عدوّين، وفي الهجوم على جنين تبرير للإسرائيليين في هجومهم على غزة، وقد ترك عباس انطباعاً لدى كل العالم، بأن المعركة الموحدة التي تجري على أرض غزة، متممة للمعركة ضد الإرهاب التي تجري بأيد فلسطينية في مخيمات الضفة الغربية. فهل بعد هذه الجريمة من جرائم.

أما الشق الآخر من المعادلة، فيتمثل في رفض محمود عباس لوقف إطلاق النار في غزة، وإصراره على مواصلة حرب الإبادة ضد أهل غزة، وقد تجلى ذلك في سلوكين:

الأول، دعمه للأكذوبة الإسرائيلية في أنها لا تحارب الفلسطينيين، وإنما تحارب الإرهاب فقط، وتسهد على ذلك علاقة التنسيق والتعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية، ويشهد على ذلك ما يقوم به محمود عباس وجيشه من هجوم على المقاومة في مخيم جنين.

الثاني: تمزيقه للاتفاق الذي وقع عليه نائبه محمود العالول، وهو الاتفاق الذي تم في القاهرة بين التنظيمات الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح، بشأن تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، التي ستشرف على إدارة غزة بعد وقف إطلاق النار، لقد مثل رفض عباس لهذه اللجنة رسالة إلى نتانياهو بمواصلة عدوانه على أهل غزة.

حين ننتقد محمود عباس بسياسته، فإننا نخدم الوطن فلسطين، فلا يصح أن يظل محمود عباس رئيساً لمدة عشرين سنة، ولا يصح أن يظل محمود عباس هو المتصرف الوحيد بالشأن الفلسطيني، فالناس ليسوا عبيداً، وقد دللت استطلاعات الرأي أن نسبة مؤيدي محمود عباس في أوساط الشعب الفلسطيني لا تتجاور 15% على أحسن تقدير.

لذلك، فمن واجبنا الوطني والديني والأخلاقي والإنساني أن نفضح سياسة محمود عباس الخائبة، وأن نطالب بإسقاطه، وتقديمه للمحاكمة العادلة؛ وفق قانون القضاء الثوري الصادر عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 6 مايو من سنة 1979، والذي يتهم بالخيانة العظمي كل فلسطين يلقي سلاح الثورة، ويقدم أي معلومة للعدو الإسرائيلي.

ملاحظة، في مقالي هذا لم أتطرق إلى الفساد الإداري، ولا الفساد المالي، ولا الفساد الحياتي تحت ظلال سلطة محمود عباس.

في مقالي هذا انتقد الفساد السياسي، وهو الرب الأعلى لكل فساد.

إغلاق