15:38 pm 27 مايو 2022

الصوت العالي

كتب نبهان خريشة: في أزمة "فتح" البنيوية

كتب نبهان خريشة: في أزمة "فتح" البنيوية

رام الله – الشاهد| كتب نبهان خريشة: لم تكن هزيمة كتلة الشبيبة الذراع الطلابية لحركة فتح في جامعة بيرزيت الاولى، ولن تكون الأخيرة، وفي معرض التحليل عن الاسباب الكامنة خلفه هذه الهزيمة، ذهب البعض الى القول، إن الاداء السياسي لقيادة الحركة المضطرب هو السبب وآخرون يرون بأن اللجان والهياكل التنظيمية للحركة، بما فيها كتلة الشبيبة الطلابية، حملت فشل وفساد رموز السلطة، الذين هم بمعظمهم من قادة الحركة.. الخ.

 

قد تكون الاسباب سالفة الذكر، وغيرها من الاسباب التي سيقت، لتفسير هزيمة فتح في انتخابات نقابات، وهيئات محلية، ومجالس طلابية صحيحة، ولكنها هي أعراض وليست السبب، لأن أزمة فتح هي أزمة بنيوية قديمة.

 

لم تطرح حركة فتح، خلال أكثر من خمسة عقود ونصف من عمرها، برامج اجتماعيه او اقتصادية، وأقتصر طرحها على برامج سياسية، متغيرة بتغير المراحل، وبتغير السياسات الاقليمية والدولية، فهي طرحت نفسها منذ البداية كحركة تحرر وطني، ذات طيف واسع، انصهر فيه قوميون وماركسيون ومتدينون وعلمانيون، دون ان تتخذ اي من مدارسهم مسارا فكريا لها، وهذا ما فسر آنذاك اتساع قاعدتها الجماهيرية ...

 

لقد كانت مسألة تبني فتح لبرامج اجتماعية مختلفة، موضع نقاش في اوساط مثقفيها ومنظريها قديما، بين من يرى بضرورة طرح هكذا برامج (وهم أقلية)، جنبا الى جنب مع معركة التحرر الوطني، ومن يرى أنه يجب تحرير الارض أولا، ومن ثم العمل على تحرير الانسان (وهم الأكثرية).

 

وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، أصبحت فتح الحزب الحاكم، الذي يشكل الحكومات لإدارة شؤون البلد، دون ان يكون لديها برامج اجتماعية او اقتصادية مسبقة، حيث وجدت نفسها في وضع يجب عليها فيه، تلبية احتياجات المواطنين المختلفة ابتداء من "تكنيس" الشوارع، وتوفير شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، فضلا معالجة قضايا النساء والاطفال والشباب، وغيرها من القضايا المجتمعية.

 

وأمام غياب برامج اجتماعية واقتصادية لديها، اضطرت قيادة فتح للاستعانة بـ "إنكشاريين" من الانتهازيين، الذين لم يكونوا أعضاء فيها في مرحلة ما قبل اوسلو، وهؤلاء احتلوا مراكز متقدمة في حكومات ومؤسسات السلطة التي تقودها فتح، وهو ما لم يحظ به الكثير من أعضاء الحركة، خاصة من أبناء الاراضي المحتلة، الذين تم استيعاب العديد منهم، في الوظائف الامنية والادارية الدنيا، ما شكل "خلخلة وتململ" في بنيتها القاعدية.

 

رافق ذلك شعور مرير لدى العديد منهم، بالإقصاء وعدم التقدير لنضالاتهم وتضحياتهم. هذه "الخلخلة" تراكمت على مر السنوات، لتنفجر على شكل هزائم هنا وهناك، وتشكيل قوائم لخوض انتخابات تشريعية (قبل الغائها)، أو لخوض انتخابات لنقابات او لهيئات محلية خارج إطار الحركة وفي تحد لقيادتها.

 

ولم يقتصر الأمر على اقصاء كوادر من الحركة وتهميشهم، والاستعانة بـ "الإنكشارية"، بل تعدى ذلك الى نسخ قوانين انظمة عربية، مغرقة بالرجعية، طالما كانت موضع انتقاد الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة اطيافها، شملت مجالات مجتمعية واقتصادية وإعلامية وقانونية مختلفة.

 

حتى القوانين العصرية، التي ساهم خبراء فلسطينيون وعرب واجانب في صياغتها، عند تأسيس السلطة (كالقانون الاساسي)، أصبحت حبرا على ورق، بفعل تعطيل الحياة البرلمانية، وتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

 

هناك الكثير من الأعراض السياسية، والعلاقات الداخلية السلبية بين القوى السياسية الفلسطينية، نتيجة لأزمة فتح البنيوية لا تتسع لها هذه العجالة، ولكن فتح على مدار عقود، شكلت القاعدة الأساسية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وضعفها (وربما تفككها) ، بفعل الأزمات التي تعصف بها ، سيعيد النضال الوطني من أجل التحرر من الاحتلال إلى البدايات، ما سيستغرق وقتا طويلا لعودته.