العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية

العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية

رام الله – الشاهد| خط الكاتب راسم عبيدات مقالاً حول العملية العسكرية التي تجري شمال الضفة الغربية والتي تتصاعد في ظل دفع جيش الاحتلال لآليات عسكرية ثقيلة، وفيما يلي نص المقال.

ما يجري من عمليات عسكرية  اسرائيلية واسعة ومتدحرجة في شمال الضفة الغربية ،مدنها وبلداتها وقراها ومخيماتها، والتي يجري فيها استخدام، “عقيديتي الضاحية الجنوبية ” و”جباليا، القيام بتدمير الحاضنة الشعبية وحرقها وسياسات الطرد والتهجير والتطهير العرقي، تتعدى اهدافها قضية  الجانب الأمني، وما يسمونه قطع أذرع ايران في المنطقة، والقضاء على قوى المقاومة الفلسطينية، ومنع تجذرها وتوسعها وتمددها وتطوير قدراتها العسكرية والتسليحية، وامتلاكها للقدرات التقنية والتكنولوجية، التي تمكنها من تصنيع صواريخ أو مسيرات، وبما يمكنها من تهديد عمق (إسرائيل).

ولذلك هذه العملية العسكرية المستمرة والمتواصلة على جنين ومخيمها وقراها وبلداتها وكذلك طولكرم ومخيماتها وبلدة قباطية والإنتقال إلى طوباس ومخيمات نابلس، الفارعة وعسكر وبلاطة ،كل ذلك يقول بأن هذه العملية الواسعة، التي تشبه ما يسمى بعملية “السور الواقي” عام 2002، الهدف منها اعادة صياغة المشهد الميداني وتحقيق اهداف سياسة واستراتيجية، تخدم حكومة اليمين والتطرف على المدى البعيد، ولتحقيق اهداف مباشرة وغير مباشرة.. فالقيام بعمليات ” الهندسة” الجغرافية والديمغرافية، وتدمير ممنهج للمخيمات الفلسطينية، وفتح شوارع واسعة فيها، وتقطيع التواصل بين سكان المخيمات، عبر هذه التدمير الواسع للمنازل،120 منزل دمرت بشكل كامل في مخيم جنين، وعشرات اخرى دمرت بشكل جزئي، وكذلك مخيم طولكرم 40 منزل دمرت بشكل كامل و300 محل تجاري، وتضرر عشرات المساكن بشكل جزئي.

شق الشوارع الواسعة، وهدم المنازل والتهجير القسري، ومنع السكان من العودة الى مخيماتهم، لفترة طويلة، بتصريحات وزير الحرب الإسرائيلي  كاتس، حتى نهاية عام 2025.تؤكد بأن هذه العملية، التي كان مخطط لها قبل عملية السابع من أكتوبر/2023 ،لها اهداف تتعلق بشطب حق العودة أولاً، بعد ان جرى شطب وكالة الغوث واللاجئين ” الأونروا”، بقرار أمريكي- اسرائيلي، مما يشكل ضغط اقتصادي واجتماعي كبيرين على سكان المخيمات واللاجئين الفلسطينيين، وكذلك منع سكان المخيمات من العودة الى منازلهم، يراد منه تفكيك النسيج الإجتماعي لسكان تلك المخيمات، لكي يستقروا في القرى والمدن المحيطة، وبالتالي قطع التواصل الإجتماعي بين سكان تلك المخيمات.

المشهد يعاد صياغته ميدانياً  في شمال الضفة الغربية، وعملية إدخال الدبابات ومدرعات ” ايتان” للعمل في شمال الضفة الغربية، وعملية استعراض القوة الواسعة، عبر تلك القوات الكبيرة، التي ستواجه ليس جيش منظم ومدرب، أو وحدات مقاومة على درجة عالية من التسليح ،وهي كذلك لا تمتلك إمكانيات وقدرات قوى المقاومة التسليحية والعسكرية والتقنية والتجسسية والتكنولوجية، التي تمتلكها قوى المقاومة في قطاع غزة، ولذلك واحد من اهداف تلك العملية العسكرية، بث الرعب والخوفي صفوف الشعب الفلسطيني، ودفع الحاضنة الشعبية للتخلي وفك علاقتها مع المقاومة، وكذلك إرسال رسائل طمأنة للمستوطنين بقدرة الجيش الإسرائيلي على تأمين الأمن والحماية لهم على المستوين الشخصي والعام، وكذلك حماية الطرق والشوارع الإستيطانية، وهذا يسير وفق مخطط ضم وتهويد الضفة، وزرعها بعشرات البؤر الإستيطانية والمستوطنات، لإقامة ما يعرف بدولة ” يهودا والسامرة” في الضفة الغربية.

يبدو بأن اسرائيل عازمة على اضعاف السلطة الفلسطينية التي تعاونت معها في الجانب الأمني إلى أقصى حد ممكن، وهي باتت لا تقيم أي وزن لهذه السلطة وما تبقى من بقايا اتفاق أوسلو، حيث تعمل في مناطق ” الف” والتي يفترض ان تكون تحت سيادة السلطة الفلسطينية، ولذلك تريد ان تظهر تلك السلطة، بالسلطة العاجزة والتي لا تستطيع حماية شعبها، وهذا يضع الكثير من علامات الإستفهام على شرعية هذه السلطة، وما تسميه بخيار ” حماية المشروع الوطني”.

اسرائيل في رؤيتها واستراتيجيتها، لا تريد ان يكون هناك أي كيانية فلسطينية تؤدي الى قيام دولة فلسطينية على جزء من ارض فلسطين التاريخية، بلغة المتطرف سموتريتش، ” أرض اسرائيل التاريخية”. وهناك قرار في الكنيست ” البرلمان الإٍسرائيلي، تحول لقانون بعد اقراره بالقراءات الثلاثة، برفض اقامة دولة فلسطينية، ما بين النهر والبحر، وأي فك أو الغاء لهذا القرار يحتاج الى 80 صوت من أصل 120، بالإضافة الى مشاركة المستوطنين في الضفة الغربية بالتصويت عليه.

مشاريع الطرد والتهجير للشعب الفلسطيني، قائمة ومستمرة ومتواصلة، تحت حجج وذرائع ” حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها” ،وتوفير الأمن لمواطنيها، وهي في التماهي الأمريكي معها، لا تقيم أي وزن للمؤسسات الدولية وللرأي العام  الدولي، ولا للمؤسسات الدولية ولا للشرعية الدولية، فهي تعتمد على امريكا،في منع تلك المؤسسات، من ترجمة قراراتها الى أفعال على أرض الواقع، وخير مثال على ذلك العقوبات التي فرضتها أمريكا على رئيس وقضاة محكمة الجنايات الدولية، لأنها تجرأت وأصدرت مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي  نتنياهو، ووزير حربه المقال يؤاف غالانت.

ولم تكتف امريكا بالدعم العسكري والمالي غير المسبوقين لإسرائيل، ولا بتوفير الحماية السياسية والقانونية لها في المؤسسات الدولية، بل أعلنت انسحابها من مجلس حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية، وقطع التمويل بشكل كامل عن وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين ” الأونروا”.

اليوم نحن امام مجتمع اسرائيلي تتماهى معه حكومته بيمنيته وتطرفه، ويرفض ويغلق أي حل سياسي مع الشعب الفلسطيني، ويؤيد مشاريع ومخططات الطرد والتهجير للشعب الفلسطيني، وهذا المجتمع تتعاظم فيه قوى الصهيونية الدينية والقومية، فبعدما كانت تلك القوى على اطراف وهوامش المشروع الصهيوني، باتت في قلبه، وهي المتحكمة في القرار السياسي الإسرائيلي، وفي الحكومات الإسرائيلية بقاءً وسقوطاً، ونحن نرى كيف يخشاها نتنياهو، وهي تمسك ب”عنق” قراره السياسي، وتهدد مستقبله السياسي والشخصي أيضاً.

الحرب اليوم شاملة على الشعب الفلسطيني، وجوداً وهوية وثقافة ورواية وسردية وتاريخ وحضارة ، وانتقلت الى حرب تصفية لهذا الوجود، في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني – 48 -،وليس بضوء اخضر امريكي، بل هناك شراكة امريكية كاملة ،دعم وتغطية وحماية.

هذه المشاريع والمخططات التهويدية والإقتلاعية التي يتصدى لها الشعب الفلسطيني وقواه الحية، تحتاج إلى إرادة فلسطينية، توحد هذا الشعب، و” تصهر” كل مكوناته ومركباته سياسية ومجتمعية ومؤسساتية وشعبية وجماهرية، في “بوتقة ” واحدة، تعزز من قدرات وإمكانيات بقائه وصموده، وهذا لن يكون ممكناً في ظل استمرار الشرذمة والإنقسام وغياب القيادة المؤتمنة المتسلحة بالشعب وحواضنه ومؤسساته وقواعده ،وكذلك العمل على تفعيل البعد الشعبي العربي والإسلامي، واستمرار الضغط على النظام الرسمي العربي، لكي يترجم قراراته السياسية والإعلامية، برفض خطط ومشاريع ومخططات طرد وتهجير الشعب الفلسطيني” خطة ترامب” وغيرها الى فعل وقرارات تترجم على أرض الواقع، فالرفض على المستوى النظري والسياسي والإعلامي، على الرغم من أهميته، ولكنه لن يفلح لا في منع تنفيذ خطه، أو “قبر” مشروع.

إغلاق