من عرفات إلى عباس: تاريخ من التعيينات بقلب الصراع الفلسطيني

من عرفات إلى عباس: تاريخ من التعيينات بقلب الصراع الفلسطيني

رام الله – الشاهد| كتب ثائر أبو عياش.. كان تعيين محمود عباس (أبو مازن) نائباً له ولمنظمة التحرير الفلسطينية في القمة العربية الأخيرة، خطوة تنطوي على دلالات سياسية عميقة وتاريخية. في هذا المقال، سنتناول تفاصيل هذه الخطوة، الربط بينها وبين تعيين ياسر عرفات لمحمود عباس نائباً له في عام 2003، مع تحليلات حول الأسباب والضغوط الدولية والعربية التي قد تكون دفعت عباس لاتخاذ هذه الخطوة، وهل تُعدّ هذه الخطوة جزءاً من إعادة تشكيل السياسة الفلسطينية في إطار الصراع مع «حماس» أو توجيه رسائل جديدة في ظلّ التغيّرات الإقليمية والدولية.

في آذار 2003، أصدر الشهيد ياسر عرفات قراراً بتعيين محمود عباس (أبو مازن) نائباً له في منصب رئيس السلطة الفلسطينية. كانت تلك خطوة مفصلية في تاريخ القيادة الفلسطينية، إذ جاءت في وقت كانت فيه السلطة الفلسطينية تواجه تحدّيات جمّة على عدّة مستويات، سواء أكان داخلياً نتيجةً للانقسامات داخل حركة فتح، أم خارجياً بسبب الضغوطات الدولية والإقليمية. التعيين كان أيضاً استجابة للمطالب الدولية التي كانت تدعو إلى تعزيز الاستقرار في الأراضي الفلسطينية في ظل الوضع الصحي المتدهور لياسر عرفات آنذاك، بالإضافة إلى مجريات الانتفاضة الثانية.

كان منصب النائب فارغاً لفترة طويلة، والعديد من الأطراف، بما في ذلك الدول الغربية والولايات المتحدة، كانت تشدّد على ضرورة وجود نائب لرئيس السلطة الفلسطينية لضمان استمرارية القيادة السياسية في حال حدوث فراغ مفاجئ. وكانت الخطوة بمثابة استعداد للفترة الانتقالية في حال غياب ياسر عرفات، الذي استشهد في 11نوفمبر 2004، ما جعل محمود عباس يتولى الرئاسة بشكل مؤقّت بعد رحيل عرفات، ثم فاز في الانتخابات الرئاسية في يناير 2005.

في القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في مصر في آذار 2025، أعلن الرئيس محمود عباس تعيين نائب له في منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب تعيين نائب آخر في رئاسة السلطة الفلسطينية. هذه الخطوة لم تكن مفاجئة بشكل كامل، ولكنها تأكيد جديد على تعزيز السيطرة الداخلية لحركة فتح ومنظمة التحرير في الوقت الذي تعاني فيه الساحة الفلسطينية من الانقسامات العميقة بين حركتي فتح وحماس، وتزايد الضغط الخارجي في ظل التغيّرات الإقليمية.

القرار جاء في سياق تطورات متسارعة، حيث كان عباس بحاجة إلى تعزيز شرعية فتح الداخلية، وسط غياب وجود بديل قوي ضمن حركة فتح، فضلاً عن الصراع الداخلي بين فتح وحماس. هذه الخطوة تعكس محاولة إعادة ترتيب صفوف القيادة الفلسطينية وتجديد تفويض عباس في ظل تحديات كبيرة على الأرض، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية، بالإضافة إلى ذلك كان قرار عباس بإعادة المفصولين من فتح إلى الحركة قراراً لافتاً، تحديداً عند الحديث عن عودة محمد دحلان، وناصر القدوة، وغيرهما من الأسماء اللامعة في الصراع مع عباس.

أوجه التشابه بين الحادثتين
في التحليل السياسي، يمكن ربط التعيين الأخير في عام 2025 بتعيين محمود عباس نائباً لياسر عرفات في عام 2003، فهناك أوجه شبه بين الحادثتين، أهمها:

– استجابة لضغوط دولية وإقليمية: في الحالتين، كانت هناك ضغوطات عربية ودولية على القيادة الفلسطينية من أجل تثبيت الاستقرار الداخلي وضمان استمرارية السلطة الفلسطينية. ففي عام 2003، كانت الضغوطات الأميركية والأوروبية تطالب بوجود خطة انتقالية واضحة في حال غياب ياسر عرفات، بينما في عام 2025 كانت الضغوط الإقليمية والدولية تدور حول إعادة توحيد الصف الفتحاوي والحد من الانقسامات التي تؤثّر على عملية السلام، بعد عملية «طوفان الأقصى».

– محاولة تقوية السلطة الفلسطينية: كلتا الخطوتين كانتا تهدفان إلى تقوية السلطة الفلسطينية ومواءمتها مع التحدّيات الجسيمة التي تواجهها، خاصة مع تصاعد الانقسام بين فتح وحماس، وأيضاً لتحسين صورة القيادة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي.

– تعزيز القيادة المركزية: في كلتا الحالتين، كانت هناك محاولة لتأكيد سيطرة القيادة المركزية للسلطة الفلسطينية وحركة فتح على مجريات الأحداث، وذلك في إطار تعزيز التماسك الداخلي في مواجهة التيارات السياسية المتعارضة.

لماذا قام عباس بالخطوة؟
الخطوة الأخيرة التي اتخذها عباس يمكن تفسيرها على عدة مستويات:
– الاستجابة للضغوط العربية والدولية: في ظل التغيّرات الجيوسياسية والتطورات في المنطقة، كانت هناك ضغوط متزايدة على محمود عباس من قبل الدول العربية الكبرى وكذلك القوى الغربية، لتوحيد المواقف الفلسطينية والعمل على تعزيز استقرار السلطة الفلسطينية. هذه الضغوط كانت تشمل إيجاد حلول للمشاكل السياسية الداخلية في الأراضي الفلسطينية، مثل الانقسام بين حماس وفتح، وكذلك تسوية بعض القضايا الإدارية والتنظيمية داخل منظمة التحرير الفلسطينية.

– إعادة ترتيب أوراق فتح: على الرغم من انتقادات عديدة لسلطته الداخلية، فإن محمود عباس يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز نفوذ حركة فتح بعد سنوات من تراجع قوتها بسبب الانقسام الفلسطيني الداخلي. هذا التعيين يهدف إلى التأكيد على القوة المركزية للحركة التي يترأّسها، وذلك في مواجهة التصاعد الواضح لحركة حماس في قطاع غزة، ومحاولة لمنع أي تراجع إضافي في هيبة السلطة الفلسطينية.

– استجابة لتحديات الانقسام الفلسطيني: التعيين يمكن أن يكون بمثابة إشارة إلى الجهود الفلسطينية لإيجاد حلول لإعادة توحيد فتح وحماس، وربما خلق نوع من التوازن الذي يمنع استمرار الانقسام. في الوقت نفسه، يبدو أن عباس يسعى إلى تجنب الإضعاف الكامل لمنظمة التحرير الفلسطينية أمام حماس وحركات أخرى مثل الجهاد الإسلامي.

الخطوة التي اتخذها عباس، قد تكون محورية في السعي لإعادة ترتيب العلاقات الفلسطينية الداخلية وتدعيم سلطته في مواجهة حماس. على الرغم من أن عباس يرفض الانفراد بحل قضايا الصراع الداخلي دون تفاهمات فلسطينية شاملة، إلا أن هذه الخطوات يمكن أن يُنظر إليها كجزء من جهود لتقليل نفوذ حماس في الساحة الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو في الخارج. في سياق هذا الواقع، يظهر أن عباس يسعى إلى إعادة رسم معالم القيادة الفلسطينية بحيث تكون حركة فتح أكثر وحدة وقوة في مواجهة التحديات القادمة، خاصة في ضوء التأثيرات الإقليمية والدولية التي تحاول دفع السلطة الفلسطينية نحو اتخاذ مواقف أكثر توافقاً مع المواقف الغربية والعربية.

خاتمة
إنّ تعيين محمود عباس لنفسه نائباً في منظمة التحرير الفلسطينية وفي رئاسة السلطة الفلسطينية في القمة العربية الأخيرة يأتي في سياق سياسي داخلي ودولي معقّد. هذه الخطوة لا تقتصر على تعزيز سلطته الداخلية وحركة فتح، بل تتعداها إلى استجابة لضغوط دولية وإقليمية تهدف إلى تحقيق استقرار أكبر في الوضع الفلسطيني. ورغم أن هذه الخطوة قد تحمل بعض الرسائل الإيجابية للأطراف الداعمة للسلام في المنطقة، إلا أن الواقع الفلسطيني يبقى مليئاً بالتحديات التي قد تقف عقبة أمام تحقيق الأهداف المعلنة لقيادة السلطة الفلسطينية.

إغلاق