“التجنح” و”النظام الداخلي”.. كلمة السر بإقصاء عباس مخالفي هواه منذ عقد
رام الله – الشاهد| على وقع ضغوط وانتقادات لاذعة.. اضطر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال كلمته أمام القمة العربية الطارئة بالقاهرة يوم 4 مارس الجاري جملة قرارات كان أبرزها، العفو عن جميع المفصولين من حركة فتح.
قرار عودة المفصولين لفتح كان له وقع وصدى كبيرين، إذ فتح أبوابا من النقاش بشأن مآلاته وغاياته، ومستقبل الحركة والمشهد السياسي، لكنه أعاد الذاكرة إلى عقد وأكثر من قرارات الفصل لمئات من كوادر وقيادات التنظيم على نحو غير مسبوق بتاريخها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أكبر عناوين الفصل
ظهيرة يوم الخميس 28 يوليو 2011، كان عضو مركزية حركة فتح محمد دحلان، يغادر مقر سكنه في حي الطيرة بمدينة رام الله إلى الأردن، متسلحًا بحصانته الدبلوماسية كنائب في المجلس التشريعي، ما منع قوات أمن السلطة الفلسطينية من إيقاف موكبه واعتقال مرافقه الشخصي، قبل السماح له بإكمال طريقه نحو الخارج.
في السابعة من صباح ذلك اليوم، داهمت مقر إقامته برام الله، معلنة اعتقال 12 من حراسه الشخصيين، ومصادرة عشرات قطع السلاح، وعشرات آلاف الطلقات النارية، وعدد من السيارات المصفحة، قائلة على لسان الناطق باسمها حينه، عدنان الضميري إن الإجراء ردًا على “المظاهر المسلحة غير المبررة” بمحيط منزله، مؤكدة أن قائد عملية الاقتحام أكد لدحلان أن حصانته البرلمانية لا تزال سارية ولن يمس به.
دحلان الذي غادر بعد يوم من رفض محكمة حركة فتح إلغاء قرار فصله يوم 12 يوليو 2011، وإنهاء أي علاقة له بها، وإحالته للقضاء بتهم مالية وجنائية، وهو القرار الذي سبقه تعليق عضويته بفتح وإنهاء تكليفه بمفوضية الثقافة والإعلام وإحالته للتحقيق أمام لجنة تنظيمية يوم 3 يناير، بعد تقارير أفادت بانفجار الخلاف مع محمود عباس، اتهم مساعدو عباس بالتحريض ضده، والشروع في “محاولة انقلابية” عبر تعزيز نفوذه في الأجهزة الأمنية ومؤسسات السلطة بالضفة.
منذ مغادرته رام الله إلى الأردن قبل استقراره في الإمارات، شكّل محمد دحلان العنوان الأكبر في قرارات الفصل التنظيمية عن حركة فتح بقيادة عباس، التي أعقبها مئات قرارات الفصل وطالت مقربين ومحسوبين عليه بكافة مفاصل الهياكل التنظيمية لحركة فتح وأماكن انتشارها الجغرافي، تحت تسمية “المتجنحين” التي باتت تهمة تقود كل من يحملها إلى الفصل والطرد النهائي من فتح.
كرة الفصل تتدحرج
ففي تاريخ 29 يناير 2012، فصلت اللجنة المركزية لحركة فتح عضو المجلس الثوري سمير المشهراوي، من عضويتها ردًا على ما اعتبرته في بيان “مخالفات المشهراوي، وتهجمه على الحركة والرئيس عباس في تصريحات وأحاديث إعلامية”.
المشهراوي الذي يعد اليوم الرجل الثاني في تيار الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده دحلان، تولى سابقًا قيادة جهاز الأمن الوقائي في غزة، وهو من قادة الصف الأول بفتح بالقطاع، ومن المحسوبين تاريخيًا على تيار دحلان.
ولم يتوقف الفصل عند هذا الحد بل في أكتوبر 2013، اتخذت مركزية فتح قرارًا بفصل القائد العسكري لقواتها في لبنان، المعروفة باسم “الكفاح المسلح الفلسطيني”، العميد محمود عيسى، الملقب بـ”اللينو” وتجريده من كافة رتبه العسكرية، بزعم ارتباطه بالقيادي المفصول محمد دحلان.
القرار تسبب في حينه بحالة تذمر واضحة داخل صفوف كوادر فتح في مخيمات اللاجئين بلبنان، وتزامن مع حضور متصاعد لدحلان عبر الجمعيات الخيرية التي تديرها زوجته جليلة في مخيمات الشتات.
في فبراير 2014، وسعت مركزية فتح جهودها لتقرر خلال اجتماع لها، تشكيل “لجنة مكافحة التجنح” التي ستتولى طرد كل من له علاقة بتشكيل “تكتلات وتحالفات تضر بالحركة”، في إشارة للمحسوبين على دحلان، وبدأت أعمالها بفصل 25 عنصرًا وكادرًا فتحاويًا في مصر وقطاع غزة عقب رفع صور دحلان خلال احتفال لإحياء ذكرى انطلاقة فتح عقد بمقر نقابة الصحفيين المصريين بالقاهرة نهاية عام 2013.
اللجنة أصدرت على مدى سنوات، عشرات قرارات الفصل بحق قيادات وكوادر فتح التي أقرها عباس بصفته القائد العام للحركة، أبرزها بيونيو 2014، ضد 5 من قيادات فتح في غزة وهم ماجد أبو شمالة وناصر جمعة من أعضاء المجلس التشريعي عن حركة فتح، وسفيان أبو زايدة وعبد الحميد المصري من أعضاء المجلس الثوري، ورشيد أبو شباك، القائد السابق لجهاز الأمن الوقائي في غزة قبل تولي حركة حماس إدارة القطاع بيونيو 2007، وجميعهم من المحسوبين على محمد دحلان.
تهمة التجنح
تهمة “التجنح” لم تقتصر على قادة وكوادر حركة فتح، فقد طالت 220 من موظفي السلطة الفلسطينية العسكريين والمدنيين في غزة، الذين قطعت رواتبهم في يناير 2015 بتهمة المشاركة بفعاليات نظمها تيار دحلان في القطاع، بقرار مباشر من عباس.
في سبتمبر 2016، وقبل ساعات من انعقاد ثوري فتح، فصل القائد العام لحركة فتح محمود عباس، 4 من أعضاء المجلس وهم توفيق أبو خوصة، وعدلي صادق، والنائبان في المجلس التشريعي، نجاة أبو بكر من الضفة الغربية، ونعيمة الشيخ من غزة، بتهمة “التجنح والعمل لصالح محمد دحلان”.
وبعد أسابيع قليلة فصلت “لجنة مكافحة التجنح” القيادي في حركة فتح النائب عنها في المجلس التشريعي جهاد طملية، من مخيم الأمعري في رام الله، بتهمة “التجنح”، تزامنًا مع اعتقال جهاز الأمن الوقائي للناطق الرسمي السابق باسم فتح في القدس المحتلة، رأفت عليان، بتهمة “الولاء لدحلان”.
كرة الفصل تدحرجت إلى لبنان مجددًا بحملات ملاحقة أنصار دحلان أو المشتبه بكونهم كذلك، فقد فصلت 126 كادرًا بتهمة الانتماء “للتيار الإصلاحي التابع لدحلان” والولاء لقائد التيار في لبنان العميد عيسى “اللينو” بمارس 2017.
وضمت قوائم المفصولين 36 ضابطًا و60 عنصرًا من قوات الأمن الوطني التي تُشكل قوام القوة العسكرية لفتح بمخيمات لبنان، وهو ما أكده في حينه عضو قيادة التيار الإصلاحي في لبنان، إدوارد كتورة، الذي أشار إلى أن الاستخبارات العسكرية تتولى عملية التبليغ بقرارات الفصل.
بانعقاد المؤتمر العام السابع لفتح أواخر عام 2016، أحكم عباس سيطرته على الحركة، وضمّن في هياكلها القيادية التي تشمل اللجنة المركزية والمجلس الثوري، حضورًا كاملا لمؤيديه، وإقصاءً كاملًا لمحمد دحلان والقيادات المحسوبة عليه أو المقربة منه، وتراجعت -إن لم تكن تلاشت- قرارات الفصل التنظيمي تحت مسمى “التجنح” والارتباط بدحلان، لكنها استمرت بمسارات أخرى فرضتها الأحداث ورغبة عباس وفريقه في السيطرة الكاملة على المشهد الفلسطيني سياسيًا وتنظيميًا.
النظام الداخلي
لم يكن دحلان وتياره، التهمة الوحيدة التي تسببت بفصل قادة وكوادر فتح، وتهمة “التجنح” التي أفل نجمها بعد عام 2017، حل مكانَها تعبير “النظام الداخلي” الذي يعد دستور حركة فتح، واستنادًا إليه، إذ فصلت مركزية فتح أسماء وازنة في هيكلية التنظيم، ولأسباب متعددة سياسية وحركية، تقاطعت كلها بيد ما يريده عباس وحاشيته الحاكمة.
أول قرارات الفصل التي صدرت استنادًا إلى “النظام الداخلي” وفي إطار معركة خلافة عباس أو الصراع الداخلي الفتحاوي، دون التقاطع مع تهمة “التجنح”، كان لعضو اللجنة المركزية ناصر القدوة من حركة فتح، بتهمة “تجاوز النظام الداخلي للحركة وقراراتها والمس بوحدتها” بمارس2021.
الفصل جاء عقب انتهاء مهلة 48 ساعة مُنحت له للتراجع عن تشكيله قائمة مستقلة لخوض الانتخابات التشريعية التي ألغاها عباس بعد أقل من شهر.
القدوة، ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، الوجه الدبلوماسي المعروف، الذي تولى سابقًا تمثيل فلسطين بالأمم المتحدة، ومناصب رفيعة كوزير الخارجية، وأسس الملتقى الوطني الديمقراطي، لخوض الانتخابات التشريعية.
وأعرب نيته دعم الأسير مروان البرغوثي، إذا قرر الأخير الترشح للانتخابات الرئاسية، ووجّه انتقادات لاذعة طالت قيادات السلطة وحركة فتح.
شكّل فصل القدوة أولى محطات الصراع الفتحاوي العلني الذي فجره مرسوم عباس بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتتابع، ترجمة لتفاهمات المصالحة مع حماس التي قادها جبريل الرجوب وصالح العاروري، قبل تراجعه ويؤجل كافة الانتخابات التي أوشكت فتح أن تدخلها بـ3 قوائم منفصلة حينه، وهو ما حمل إشارات واضحة على خسارة ثقيلة تنتظر الحركة التي انقسمت قاعدتها بين معسكرات محمود عباس، ومحمد دحلان، وناصر القدوة.
بتاريخ 1 مايو 2022، فصل عباس استنادًا إلى “النظام الداخلي” 40 كادرًا فتح في أقاليم الضفة الغربية، مع تجريدهم من الامتيازات والمراكز الحركية، بزعم مخالفتهم مبادئ الحركة والإضرار بمصالحها، وكانت الانتخابات هذه المرة أيضًا عنوانًا لمحطة من محطات الإقصاء والطرد التنظيمي من صفوف فتح.
محطات الإقصاء
أسماءً تاريخية ثقيلة في فتح، أبرزها عمر شلبي، ومحمد مطر، وتيسير أبو سنينة، رئيس بلدية الخليل الحالي، الذي نفذ عام 1980 عملية الدبويا الفدائية، واعتقل على إثرها وحُكم بالسجن مدى الحياة بالسجون الإسرائيلية، قبل أن يطلق سراحه في صفقة تبادل للأسرى؛ طالها القرار.
والقرار في حينه جاء عقب ترشح الكوادر 40 للانتخابات البلدية في الضفة الغربية ضمن قوائم منفصلة عن قوائم فتح، التي تلقت خسارة ثقيلة فيها أمام القوائم المستقلة، وأبرزها في مدينة الخليل التي اكتسحتها قائمة الوفاء برئاسة أبو سنينة.
وفي تعميم لاحق بشأن قرار فصل الكوادر، الذي أثار موجة سخط واحتجاجات في عدد من الأقاليم، قالت فتح إن قرارها جاء بعد “خروج الإخوة عن موقف الحركة وقراراتها المتعلقة بالانتخابات”، رغم ما أسمتها “حوارات دارت معهم ومع إخوة غيرهم للعدول عن هذا التوجّه، ورغم إتاحة الفرصة لهم ولغيرهم لتصويب موقفهم وتوحيده مع موقفها بعد انتهاء مرحلة التصويت أثناء مداولات تشكيل المجالس المحلية المنتخبة”.
أبو سنينة في حينه، نفى ما تضمنه بيان فتح، قائلًا: “قبل تسجيل القائمة لدى لجنة الانتخابات توجهنا لقيادة الحركة وأعضاء اللجنة المركزية، لكن لم يعيروا هذا الموضوع أي اهتمام، ولم نستشر ولم يتحدث معنا أي أحد من قيادة الحركة حول الانتخابات وتشكيل القوائم، لذلك شكلنا قائمة توافق وطني وأعلنا ذلك”.
أضاف أبو سنينة، أنه تلقى عرضًا من عباس عبر مستشاره محمود الهباش، لمنحه منصب وزير في السلطة الفلسطينية، أو تكليفه بمنصب محافظ الخليل، لكنه رفض العرض الذي اعتبر قبوله بمثابة “إدارة الظهر لأهل الخليل”، متهمًا قيادة الحركة “بازدواجية المعايير”، مشيرًا إلى أنها لم تتخذ أي إجراءات بحق طارق عباس نجل الرئيس، الذي شكل قائمة لانتخابات بلدية رام الله دون موافقة إقليم فتح هناك كما طالب بالكشف إن كان طارق عباس عضوًا في حركة فتح أم لا.
غسان طه، أحد كوادر فتح في الخليل ممن طالتهم قرارات الفصل، أكد أن الإجراءات “غير نظامية أو تنظيمية”، متهمًا من أسماهم “مجموعة متنفذين داخل الحركة بإقصاء الحالة النضالية”، وأنه لم يبلغ بقرار فصله عبر أي قناة رسمية، وأنه وصل إليه عبر منصات التواصل مذيلًا بتوقيع رئيس حركة فتح، معتبرًا ما جرى “مزيجًا من الفصل والتشهير”.
إلى جانب قرارات الفصل، شهدت العلاقة بين رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس، وعدد من قادة الصف الأول في الحركة، تدهورًا ملحوظًا لم يصل حد القطيعة الكاملة أو إصدار قرارات الفصل.
توتر داخلي
ومن أبرز هذه الحوادث، التوتر مع عضو اللجنة المركزية الأسير في سجون الاحتلال مروان البرغوثي عقب انضمام زوجته فدوى إلى قائمة ناصر القدوة، وسحب عباس في أغسطس 2022، امتيازات اللواء توفيق الطيراوي، عضو مركزية فتح، وتعليق حضوره لاجتماعات اللجنة.
كما أقال عباس في سبتمبر 2023، عدد من قادة الحركة في جنين، أبرزهم عطا أبو رميلة أمين سر فتح الذي اعتقله الاحتلال لاحقًا وعينت بديلا له في المنصب دون تأكيد الأخبار المتداولة عن إقالته من منصبه قبل اعتقاله، علاوة على طلبه فصل كل من يتعاون من كوادر فتح وعناصر الأجهزة الأمنية مع مقاتلي كتيبة جنين، ردًا على تصاعد الحالة العسكرية شمال الضفة الغربية، وموقف السلط الرافض تمامًا لتشكيل مجموعات مسلحة هناك، الذي بلغ ذروته بشن حملة أمنية عسكرية على مخيم جنين في ديسمبر 2024.
لم يكد يمضي عام واحد على قرار فصل دحلان حتى بدأت الضغوط العكسية العربية على قيادة السلطة لمحاولة التوصل إلى اتفاق مصالحة مع عباس، كان عنوانها ما يسمى “الرباعية العربية” التي ضمت السعودية والإمارات ومصر والأردن.
بعد انعقاد المؤتمر السابع لفتح عام 2016، والذي أقصى فيه عباس كل من دحلان والموالين له باللجنة المركزية والمجلس الثوري، تحول اسم “دحلان” لعنوان صدام عربي مع السلطة، مع إصرار عباس على رفض أي ضغوط عربية تطالب بعودته.
وباتت المواجهة علنية في الإعلام، إذ سارعت قيادات مركزية بفتح إلى مهاجمة الضغوط العربية، وقوبلت تصريحاتهم حينها بمواقف عربية مضادة، منها منع جبريل الرجوب من دخول مصر لحضور مؤتمر ترعاه جامعة الدول العربية عام 2017، وقد تزامنت مع عقد دحلان مؤتمرات موسعة لأنصاره في منتجع “العين السخنة” بجمهورية مصر، ودعوة عشرات الشخصيات من غزة لحضورها.
كان الرجوب، أحد قادة التيار الرافض تمامًا لعودة دحلان مجددًا لفتح، وإقناع عباس برفض الضغوط العربية، وامتد رفضه لمهاجمة “الرباعية العربية” بتصريحات إعلامية، متهمًا إياها بالسعي للتدخل في المعادلات الداخلية الفلسطينية، معتبرًا هذا التدخل “مرفوضًا بالنسبة لمؤسسات فتح”، ومصعّدًا في تصريحاته لمهاجمة ضباط الأمن المكلفين من الرباعية للقاء قيادة فتح إذ وصفهم بأنهم “ضباط مخابرات لا يفهمون شيئًا”.
مفاجأة تفتح باب الصراع
ورغم أن حديث عباس في قمة القاهرة قبل أيام شكل مفاجأة على نحو ما للداخل الفلسطيني، وفتح باب التكهنات على مصراعيه حول مستقبل ومآلات المشهد داخل حركة فتح أولًا وعلى المستوى السياسي الفلسطيني، فإن عودة المفصولين ليست حدثًا مستجدًا في سيرة الحركة.
فقد سبق أن قررت المحكمة الحركية لفتح عام 2016، إلغاء قرار اللجنة المركزية بفصل كل من ماجد أبو شمالة، وناصر جمعة، وسفيان أبو زايدة، وعبد الحميد المصري، بتهمة التجنح، ورفعت توصياتها إلى اللجنة المركزية للمصادقة على القرار، وهي المصادقة التي لم تُقرّ حتى الآن.
عقد كامل وأكثر من تعنت عباس أمام الضغوط العربية، ورفضه القاطع لعودة غريمه دحلان إلى صفوف فتح، تزامن مع إعادة ضبط شاملة لهيكل الحركة وصفوفها القيادية، وانشغال الحلقة الأقرب لعباس بصراع اليوم التالي والبحث عن إجابة الخليفة المرتقب للرجل الذي تجاوز 90 عامًا من عمره.
لكن لحظة 7 أكتوبر 2023، التي عصفت بكل المنطقة وبعثرت أوراقها ومخططاتها، أصابت -في جملة ما أصابت- حركة فتح والسلطة الفلسطينية التي تبدو اليوم في وضع لا تُحسد عليه، في ظل ضغوط مطبقة تلاحقها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا.
نجح عباس قبل 4 أعوام في التملص من استحقاق الانتخابات الرئاسية والتشريعية الذي كان يرى فيه تهديدًا لسلطة حركته، في ظل انقسامها على نفسها وتبعثر قوائمها.
لكن اليوم يبدو مدركًا لحجم الضغوط والانقسامات داخل البيت الفتحاوي بداية، والشارع الفلسطيني الذي يتململ مع تصعيد الاحتلال لعدوانه على الضفة الغربية، وانكفاء السلطة لتكون الحاضر الغائب بهذه المواجهة التي تنحو منحى التطهير العرقي بمخيمات شمال الضفة الغربية.
في عنوانه العام، يحمل قرار عباس بعودة المفصولين إلى فتح، إيذانًا بفتح الباب لكل من محمد دحلان وناصر القدوة وعشرات الكوادر والعناصر للعودة إلى مهامهم التنظيمية، وتعزيز حضور البرغوثي الذي يُتوقع أن يكون ضمن محرري صفقات تبادل الأسرى في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
ورغم أن القرار لم يحظَ بأي تعليق حتى الآن، سواء من طرف محمد دحلان أو ناصر القدوة، أو بتفصيلات حول آليات تطبيقه، كحال معظم اوعود عباس، فإن البحث في تبعات تطبيقه -إن تم- سيعني لملمة فتح لصفوفها أمام الاستحقاقات القادمة.
ويعني أيضا بدء فصل جديد من الصراع على مرحلة “ما بعد عباس”، واختلالًا في التوازنات التي فرضتها الحلقة المقربة من عباس، والممثلة في كل من حسين الشيخ وماجد فرج، التي عملت طوال سنوات على فرض سيطرتها المطلقة على المشهد الأمني والسياسي في الضفة، مقابل تيار الصقور أو الحرس القديم الذي يضم جبريل الرجوب ومحمود العالول.
ولا شك أن عودة دحلان والقدوة وإطلاق سراح البرغوثي، سيعصف بالتوازنات الحالية، ويعيد خلط الأوراق، وربما يقود للإطاحة بأسماء ثقيلة أو سحب البساط من تحت أقدامها، وخلق مضمار جديد للسباق على إرث ثلاثية عباس في السلطة والمنظمة والحركة.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=85162