العصيان المدني.. حين يسقط الوهم وتنقشع شرعية الورق
رام الله – الشاهد| كتب المحامي الدكتور عصام عابدين:
1. الرئيس العتيق… عندما يتحول الحُكم إلى إدمان: نحو ربع قرنٍ من التشبث بالسلطة، وكأنها قدرٌ لا يُراجع. لا يرى في الشعب مواطنين، بل رعايا في إقطاعيةٍ خاصة. بلا انتخابات، بلا مساءلة، بلا شرعية. يسير بمنطق “أنا الدولة، وأنا الخلود”.
لكنه يعلم، أكثر من غيره، أن الشرعية لا تُولد من توقيع على ورق مُهترئ، بل تُبنى على عقدٍ حيّ بين الحاكم والمحكوم، وعندما يتمزق هذا العقد، تتحول الطاعة إلى عبودية، والعبودية إلى وقودٍ لسقوط محتوم.
2. منظمة التحرير… الكذبة التي أصبحت نكتة سَمِجة: أكثر من ستين عاماً بلا انتخابات، بلا رقابة، بلا مساءلة. ورم سرطاني لا يُرجى شفاؤه، ومع كل ذلك لا تزال تدّعي التمثيل “الشرعي والوحيد” للشعب الفلسطيني.
ليست “منظمة”، ولا “تحرر”، بل مجرد بوقٍ عجوز مأمور بالتصفيق للحاكم العتيق كلما أراد أن يُجدد قناعه. تُستخرج من الأدراج، مع خيوط العنكبوت، كلما استُدعي التضليل والنفاق، ثم تُعاد إلى ركام النظام.
لا تمثل أحداً سوى نفسها وأذرعها المتآكلة بفعل الفساد والتحلل. قناعٌ صدئ يُخفي عورة سلطة لا تجرؤ حتى على همسة، فضلاً عن المطالبة، فضلاً عن التمثيل. فالشرعية التي تنعدم فيها القدرة على التمثيل، وتصمت على الإهانات، وتصفق لمن يُهينها… لا تستحق الشفقة فضلاً عن الطاعة.
3. العصيان المدني… استعادة القرار من المقاطعة البائسة: حين تُغلق المقاطعة أبواب الوحدة الوطنية لعقدين، وتُبقي الوطن رهينة نزواتها، وتمنع الشعب من تقرير مصيره، ثم تُطلق لسانها في بيئة موبوءة، تحتقر الناس، وتنعق بالكلاب… فليس ذلك مجرد انحدار أخلاقي، بل سياسة ممنهجة للإلهاء.
العتيق يُتقن خلط الأوراق كلما اقتربت ساعة الحساب: يُشعل ضجيجاً ليصرف الأنظار عن الجريمة الأصلية، وهي هنا تمرير الحكم لعُصبته تحت غطاء “نائب رئيس” و”شرعية أبدية”.
هكذا يُدار المسرح… وهكذا يُسرق القرار.
ولهذا، العصيان لا يعود حقاً فحسب، بل واجباً وطنياً على كل من يرفض أن يُحكم بمنطق الغنيمة والوراثة وطباعة ثقافة الهزيمة في العقل الجمعي للناس على مر السنوات، وباسم “شرعية” مبلّلة بالخوف والتضليل.
4. من مانديلا إلى غاندي… الشعوب تُسقط الطغاة بالطاعة الممتنعة: لم تُسقط الطغاة عبر التاريخ الطلقات، بل الشعوب حين توقفت عن الطاعة.
نيلسون مانديلا، مارتن لوثر كينغ، غاندي… لم يكونوا جيوشاً، بل ضميراً جَمعياً قال: كفى.
حين يرفض الناس تنفيذ أوامر الاستبداد المجبول بالحقد، تنهار الأنظمة من الداخل، وتتساقط رموزها تحت وطأة الفراغ الأخلاقي. فالطاعة هي آخر حصون الاستبداد… وإذا سقطت، سقط كل شيء.
5. الشعب يُقرر… هل تبقى الشرعية ورقة في درج المقاطعة؟: كل ديكتاتور يبدأ بوهم أن الشرعية تُفرض، لكن كل ديكتاتور ينتهي حين يُقرر الشعب أن لا شرعية لمن لا يُمثّله.
في فلسطين، العصيان المدني لم يعد خياراً نخبوياً، بل بات الممر الوحيد نحو الحق والعدل والحرية والكرامة. لقد صادروا القرار سنوات طويلة باسم “الشرعية” التي لا تمثل إلا وجوههم القديمة الذليلة.
والسؤال الآن: هل تبقى الشرعية قيد الاحتجاز في دُرج مُظلم.. أم يكسر الشعب القيد… ويعلن، أخيراً، أن زمن الوهم قد انتهى؟.. نحن الشعب… مصدر السلطات، وأصل الشرعية.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=87178