خطاب يفقد البوصلة.. مقاومة تدان واحتلال يبرأ

رام الله – الشاهد| كتب إسماعيل الريماوي.. في الوقت الذي كان فيه المجلس المركزي يعقد جلسته في رام الله، وكان رئيس السلطة يُحمّل المقاومة مسؤولية تدهور الأوضاع، زاعمًا أنها تبرّر للاحتلال القتل والتدمير والتهجير، كانت جرّافات الاحتلال تنصب ثلاث بوابات عسكرية داخل مخيم جنين، في خطوة تهدف إلى تطويقه بالكامل ، هذا المشهد يؤكّد، مرة أخرى، أن العدوان الإسرائيلي لا يحتاج إلى ذرائع، بل يستند إلى استراتيجية توسّعية بالقوة.
ولا يُعرف ما هي الإجابات التي سيقدّمها سيادته لأهالي الضفة الغربية، إذا ما سألوه عن الذرائع التي دفعت الاحتلال إلى شن حملته التوسعية المستمرة منذ أكثر من عامين، والتي شملت الاستيطان والعمليات العسكرية والتدميرية المتكررة، ويبدو أنه تعمّد تجاهل تصريحات صدرت قبل ساعات من خطابه لوزير مالية الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، الذي قال بوضوح إن «إعادة الرهائن ليست الهدف الأهم» في الحرب على غزة، ما يضعف حجّته ويكشف عن تماهي خطير مع رواية الاحتلال.
في حين لم يُخفِ الخطاب رغبته في عودة السلطة إلى غزة، ولو على حساب تبني الشروط الأميركية – الإسرائيلية، وعلى رأسها نزع سلاح المقاومة. وقد طالب بذلك صراحةً، قائلًا إن «الدولة الواحدة لا تحتمل سلاحين»، في إشارة إلى ضرورة خضوع غزة لسلطة رام الله، وكأنه يتحدث عن سلطة تملك مقومات الدولة من شرعية وشعبية وإدارة وسيادة، وهي أمور تفتقر إليها سلطته بالكامل.
وفي خطابه، وصف المقاومة بـ«الانقلابيين»، واتّهمها بإلحاق الأذى بالقضية الفلسطينية عبر ممارساتها منذ عام 2007، معتبرًا أن ستّ حروب شنّها الاحتلال على غزة كانت بسببها، وأنها أعطته الذرائع لارتكاب جرائمه، حسب تعبيره. كما يصرّ بشكل مريب على تحميل شعبنا مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، في إساءة واضحة للمقاومة، ومما يساهم في تغذية الانقسام ويخدم الاحتلال.
وفي ظل خطاب مستفز، يطالب المقاومة بتسليم الأسرى الإسرائيليين، متناسيًا وجود أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، وفي السعي لتجريد المقاومة من سلاحها رغم استمرار الاحتلال.
إن الشعب الفلسطيني، في هذا الوقت العصيب، ليس بحاجة إلى مهاترات وخلافات، بل إلى وحدة وطنية حقيقية في مواجهة الاحتلال، وأي صوت يعمّق الانقسام يخدم الاحتلال بشكل مباشر.
كان ينبغي لاجتماع المجلس المركزي أن يكون محطة وحدوية وحضارية، لا منصة لتغذية الانقسام وإضعاف صمود القضية الفلسطينية.
فلا شك أن “المجلس المركزي”، بصيغته الحالية، لا يمثّل الشعب الفلسطيني، بل يسعى لإعادة إنتاج قيادة فقدت شرعيتها نتيجة سياسات فاشلة دفعت بالقضية الفلسطينية نحو حافة الانهيار.
فيما غابت منظمة التحرير وهيئاتها، بما فيها المجلسان المركزي والوطني، عن حرب غزة المستمرة منذ عام ونصف، واكتفت بياناتها بمهاجمة المقاومة. وإن الجلسة الأخيرة لا تُعقد بدوافع وطنية، بل استجابة لضغوط خارجية، تهدف إلى استحداث منصب “نائب الرئيس”.
وبنظرة تحليلية للخطاب ومخرجاته، نرى استمرار الرهان على الولايات المتحدة وخيار التسوية، رغم فشل المفاوضات، وتجاهل الدمار والقتل الحاصل في الضفة وغزة، مع تقديم المزيد من التنازلات المجانية للاحتلال.
إعلاميًا، أشاد الإعلام الإسرائيلي بالخطاب، فقد تناولت صحيفة “معاريف” العبرية خطاب عباس بالتحليل، وأشارت إلى أنه ألقى خطابًا هاجم فيه المقاومة بشكل مباشر، ووصفها بأنها مسؤولة عن الكارثة في غزة، ودعاها لتسليم السلاح والتخلي عن الحكم.
وقالت الصحيفة إن هذا الموقف يمثل تحولًا كبيرًا في خطاب القيادة الفلسطينية، وهو تبني واضح لمواقف إسرائيل الأساسية، مثل إطلاق سراح الرهائن ونزع سلاح حماس.
وذكرت الصحيفة أنه ورغم الانتقادات لعباس كزعيم لا شرعية له بين الفلسطينيين أو فاسد، إلا أنه الجهة الفلسطينية الوحيدة صاحبة تاريخ “مشرف” في التعاون الأمني مع إسرائيل. من جهته علّق الصحفي الإسرائيلي أوهاد حمو، مراسل القناة 12 العبرية، بأن ما جاء فيه يعكس تطابقًا واضحًا بين موقف رئيس السلطة وموقف الحكومة الإسرائيلية من المقاومة، وقال حمو إن الخطاب عبّر بوضوح عن الرغبة في تفكيك المقاومة، مشيرًا إلى أن الخطاب لم يكن الأول من نوعه، لكن اللافت هذه المرة هو استخدامه لغة هجومية حادّة ضد المقاومة.
وأضاف أن هذه التصريحات لا تؤثر فعليًا على المقاومة، ولا تحظى باهتمام جدي من قبلها أو من حكومة الاحتلال، بل تُفسَّر كتسويق إعلامي لا أكثر.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=87338