فلسطين بحاجة إلى شرعية شعبية لا إلى تعيينات فوقية

فلسطين بحاجة إلى شرعية شعبية لا إلى تعيينات فوقية

رام الله – الشاهد| كتب أنس الأسطة: تشهد الساحة الفلسطينية اليوم حالة غير مسبوقة من الغضب الشعبي تجاه ممارسات تكرس الانفصال بين القيادة والشارع. في وقت تعصف فيه التحديات بمصير القضية الفلسطينية، يواصل البعض اتخاذ قرارات مصيرية بمعزل عن الإرادة الشعبية، وكأن الشعب مجرّد أداة صامتة، لا دور له سوى التصفيق أو الامتثال.

إن التجربة الفلسطينية منذ بدايات الثورة أثبتت أن الشرعية لا تُمنح بقرار، ولا تُفرض بتعيين، بل تُنتزع عبر التفاف الناس حول قيادة تؤمن بهم وبحقهم في الحرية. كما قال الشهيد ياسر عرفات: “إن شعباً لا يملك حريته لا يملك مستقبله.” واليوم، يبدو أننا نحتاج إلى استلهام روح تلك اللحظة، حيث كانت الشرعية تُبنى بالدم والتفاني، لا بالمراسيم الإدارية.

لم يعد خافياً أن أزمة الثقة بين الشعب ومؤسسات الحكم تتعمق يوماً بعد يوم. نماذج العالم كثيرة، ففي جنوب أفريقيا، لم يكن ممكناً إنهاء الفصل العنصري دون انتخابات حرة أعادت صياغة العلاقة بين القيادة والشعب. قال نيلسون مانديلا ذات يوم: “القيادة تعني أن تكون خادماً للشعب، لا سيداً عليه.” هذه القاعدة الذهبية غابت عن كثير من ممارساتنا، فاستشرى التهميش وتراكم الإحباط.

التجربة الفلسطينية في انتفاضة عام 1987 كانت شاهدة على أن الشارع حين يتحرك بقوة المبادرة الشعبية، يصنع تحولاً تاريخياً رغم غياب التمثيل السياسي التقليدي. لم تكن الانتفاضة قراراً من فوق، بل صرخة شعبية اخترقت جدران العجز السياسي، وأعادت فرض القضية الفلسطينية على أجندة العالم.

بناءً على ذلك، فإن أي محاولة لتجميل الواقع عبر تعيينات سياسية مغلقة أو ترقيع المشهد بمبادرات سطحية، ستبوء بالفشل ما لم تذهب مباشرة إلى جوهر الأزمة: غياب الشرعية الشعبية. لا خلاص إلا بإجراء انتخابات شاملة ونزيهة تضع الكلمة الأولى والأخيرة في يد الشعب، الذي دفع الدم والدموع ثمناً لحريته.

نحن بحاجة إلى أن نتذكر أن قوة الشعوب ليست في عدد البيانات الصادرة باسمها، بل في قدرتها على فرض إرادتها على من يحكمها. وكما قال غسان كنفاني: “الثورة ليست رمانة، إنها قنبلة.” إما أن تُفجَّر في وجه الظلم، أو أن تبقى حبيسة الخوف.

إن فلسطين اليوم تقف على مفترق طرق: إما أن تتجدد دماء مشروعها الوطني عبر بوابة الشعب، أو تواصل الانحدار نحو مزيد من التآكل والاغتراب عن الناس. الخيار بأيدينا، والشعب الذي صنع أعظم الملاحم قادر على أن يعيد تصويب البوصلة متى شاء.

في النهاية، لن نتذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا— مارتن لوثر كينغ.

إغلاق