إصلاحات محمود عباس.. إضافة ماء إلى الحساء الفاسد

إصلاحات محمود عباس.. إضافة ماء إلى الحساء الفاسد

رام الله – الشاهد| كتب ماجد عزام.. على عجل قرر رئيس الدولة ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية محمود عباس الدعوة لاجتماع للمجلس المركزي في رام الله لمناقشة ما يصفها بخطوات إصلاحية ترتكز أساساً إلى فكرة تعيين نائب له برئاسة المنظمة والدولة. الخطوة المتأخرة أكثر مما ينبغي والأقل مما ينبغي جاءت بعد سنة ونصف من حرب الإبادة بغزة، وبعيداً عن التوافق الوطني، وبالعموم وكما مجمل إصلاحات عباس تبدو بمثابة إحكام القبضة أكثر على المؤسسات والسلطات وفي أفضل الأحوال إضافة ماء نقي إلى حساء المنظومة الفاسد.

إذن، دعا عباس على عجل وخلال أيام فقط لانعقاد جلسة للمجلس المركزي للنظر في إجراء إصلاحات أهمها تعيين نائب له كرئيس للدولة والمنظمة دون السلطة – ثمة ترتيب دستوري قانوني مقبول يتمثل بإجراء انتخابات خلال 60 يوم في حال فراغ المنصب – وبعيداً عن الجوهر الذي سنتطرق له لاحقاً. تبدو الخطوة معيبة أو مبتورة دستورياً كون المجلس الوطني هو البرلمان الجامع المعني بأمر كهذا والذي تم تفويض صلاحياته للمركزي “هيئة وسيطة” أيضاً بشكل غير ميثاقي بمعنى أن المركزي ليس مخولاً للحسم في أمر حاسم وغير مسبوق، وقد يكون تاريخي – بالاتجاه السلبي – كالذي نحن بصدده.

وفيما يخص عنوان الاجتماع فقد جاء عاماً وفضفاضاً جداً، ويظهر عدم الجدية أو التحضير المناسب والمسؤول وبدا شعار لمهرجان خطابي أكثر منه اجتماع لهيئة أو لجنة برلمانية أو يفترض أنها كذلك. حيث جاء العنوان حرفياً كالتالي “انعقدت الدورة الثانية والثلاثين للمجلس تحت شعار: “لا للتهجير ولا للضمّ – الثبات في الوطن – إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب – حماية القدس والضفة الغربية – نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة”.

مبدئياً ومنهجياً أيضاً، فإن دعوة المجلس للانعقاد بعد سنة ونصف على المقتلة وحرب الإبادة الإسرائيلية بغزة والتي كانت من المفترض أن تمثل فرصة سانحة للتلاقي والتوافق والمصالحة وانهاء الانقسام، ناهيك عن السنوات العشر الماضية منذ وصول عملية التسوية إلى طريق مسدود بالعام 2014 وإنجازها “المصالحة” كان بالتأكيد كفيلاً بمنع السيرورة كلها التي أدت إلى الطوفان والحرب والنكبة والقياس مع الفارق بدا المشهد شبيهاً بإغلاق مجلس النواب اللبناني ومنع انعقاده طوال الحرب الأخيرة التي استمرت عام تقريباً.

وبتفصيل أكثر أضاع عباس أكثر من فرصة سانحة للقيام بإصلاحات جدية وإنقاذ المشهد برمته مع تحكمه التام بكل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وهنا تمكن الإشارة إلى منعطفين مفصليين، الأول تمثل بالهرب من إجراء الحزمة الانتخابية الكاملة بالعام 2021 والتي كانت مدخلاً مهماً للمصالحة وانهاء الانقسام وضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية وإلقاء حجر ثقيل في المياه الفلسطينية الراكدة.

أما المنعطف الثاني، فتمثل بحرب الإبادة الجماعية بغزة وحتى لو سلمنا جدلاً بصعوبة عقد الوطني والمركزي -الأمر ليس كذلك – فقد وفر تشكيل الحكومة الجديدة منذ عام تقريباً فرصة ذهبية للإصلاح والتوافق استناداً إلى روح التفاهمات والوثائق التي تم التوصل إليه سابقاً.

لكن للأسف فقد أهدر عباس الفرصة وشكل حكومة من شخصيات تابعة له ولا تمتع بحضور وتأييد كبير لا فلسطينياً ولا دولياً وبدا رئيس الوزراء محمد مصطفي شكلاً ومضموناً كرئيس لحكومة محمود عباس الذى أحكم قبضته أكثر على المشهد بدلاً من شق مسار انتقالي وطني للخروج المشرف بعد عقدين في الرئاسة بل الرئاسات الأربع فتح والسلطة والمنظمة والدولة.

وفيما يخص اجتماع المركزي فقد جاء إذن متأخراً أكثر مما ينبغي وأقل مما ينبغي مع سعي لإعطاء الانطباع وتصويره ضمن سياق خطوات إصلاحية سابقة شملت تغيير قادة الأجهزة الأمنية بحجة ضخ دماء شابة بينما بالجوهر عبرت عن نفس الذهنية التي تم فيها تشكيل الحكومة مع توزيع ضباط الحرس الرئاسي سيء الصيت – عربياً وعالمياً – على كافة الأجهزة الأمنية لإحكام قبضة عباس أكثر عليها.

شهد الاجتماع مقاطعة معظم القوى السياسية بما في ذلك الرفاق التاريخيين لفتح- الجبهتين الشعبية والديموقراطية- حتي مع تراجع دورهم وتأثيرهم حيث اعتبرته الأولى مناقض لمسيرة الحوار والتوافق وتكريساً للانقسام بينما رأت الثانية إنه ناتج عن ضغوط خارجية “أمريكية” وليس سيرورة وطنية جامعة وبالطبع مع غياب كذلك لحركتي حماس والجهاد واعتبارهم الاجتماع مناقض للتفاهمات التي تم التوصل اليها خلال سنوات بما في ذلك خريطة بكين الصيف الماضي.

وكما كان متوقعاً فقد صادق الاجتماع على تعيين نائب لرئيس المنظمة من الأتباع والموالين في تعبير عن تشبث عباس بالسلطة لا تخليه عنها ولو جزئياً حيث قرر المركزي حرفياً وبالأغلبية الساحقة، الموافقة على استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، والدولة. ونص القرار على أن يعين النائب من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة أعضائها، ويحق لرئيس اللجنة تكليفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل استقالته. وصوت لصالح القرار، 170 عضواً من الأعضاء الحاضرين في القاعة والمشاركين عبر تقنية “الزووم”، فيما صوت عضو واحد بالرفض وعضو آخر بالامتناع.

تفوح من قرار المجلس ولا شك رائحة كريهة واستبدادية مع نسبة 99 بالمائة سيئة الصيت وتعيين نائب رئيس أقرب للموظف أو التابع والخاضع تماماً لهيمنة عباس كما تحوم حوله شبهات الاستبداد والفساد والصفقات والتنسيق المدني.

وبالعموم تؤكد مجمل الخطوات السابقة وعلى عكس ما أرادته قيادة السلطة ولو متأخراً لجهة عدم جدارتها بتولي شؤون الشعب الفلسطيني كما الحكم بغزة باعتبار ذلك خطوة ضرورية لإنهاء الحرب وإعادة الإعمار. هذا دون التغاضي بالطبع عن مسؤولية حماس وعدم مبادرتها إلى اتباع النموذج اللبناني بشقيه 1982 و2024 وتسليم السلطة على علاّتها ملف التفاوض وتمكينها من مفاصل الحكم بغزة لإيقاف المقتلة والابادة بحقها بشراً وحجراً ضمن مسار وطني مدعوم ومضمون عربياً ودولياً يتضمن تشكيل حكومة توافق لإنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات ومنع التهجير واطلاق اعادة الاعمار بغزة وإجراء حزمة الانتخابات الكاملة بعد فترة انتقالية معقولة متفق عليها تراوح مبدئياً حول ثلاث سنوات.

إغلاق