لماذا لم تُعلن السلطة الفلسطينية قطاع غزة منطقة منكوبة إنسانيًا؟

لماذا لم تُعلن السلطة الفلسطينية قطاع غزة منطقة منكوبة إنسانيًا؟

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني إسماعيل الريماوي مقالاً حول حالة الخذلان التي تبديها السلطة الفلسطينية تجاه قطاع غزة، والتي لم تعلنه منطقة إنسانية منكوبة حتى اليوم، رغم مرور أكثر من عام ونصف على حرب الإبادة، وفيما يلي نص المقال.

في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، والتي تُعد واحدة من أسوأ الأزمات في العصر الحديث، يبرز سؤال ملحّ يتردد في أوساط الشارع الفلسطيني والعربي: لماذا لم تُقدِم السلطة الفلسطينية على إعلان غزة “منطقة منكوبة إنسانيًا”؟ رغم انطباق معظم المعايير الدولية لهذا التوصيف على ما يعانيه القطاع من دمار شامل ونزوح واسع ومجاعة تهدد مئات الآلاف من المدنيين، خصوصًا الأطفال.

بحسب القوانين والأعراف الدولية، فإن إعلان منطقة ما “منكوبة” يتم حين تتعرض لكارثة طبيعية أو إنسانية تفوق قدرة الجهات المحلية على الاستجابة لها، وتستدعي تدخلاً دوليًا واسع النطاق. وفي حالة غزة، فإن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 عامًا، والدمار الهائل الناتج عن الحرب الإسرائيلية الشاملة منذ 7 أكتوبر 2023، والشلل الكامل في النظام الصحي، ونزوح أكثر من 1.7 مليون شخص، والمجاعة التي تهدد الأرواح، كلها عوامل تؤكد انطباق هذا التعريف بدقة.

ورغم ذلك، لم تُقدم السلطة الفلسطينية على اتخاذ هذه الخطوة. وهذا الصمت الرسمي يُطرح حوله الكثير من التساؤلات، خصوصًا مع تصاعد الدعوات من منظمات حقوقية وإنسانية داخل فلسطين وخارجها تطالب السلطة بالخروج من حالة التردد وممارسة مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، بعيدًا عن الحسابات الفصائلية والخلافات السياسية مع حركة حماس .

التردد السياسي وثمنه الإنساني

المسؤولية الوطنية، في مثل هذه اللحظات الحرجة، يجب أن تتجاوز كل الاعتبارات الحزبية، لتلامس صميم المعاناة الإنسانية التي تهدد وجود شعب بأكمله. غير أن السلطة، كما يبدو، تخشى الاصطدام بالإرادة الأمريكية والإسرائيلية، وتفضّل البقاء في دائرة التصريحات الرمادية والمواقف الباردة، حتى ولو كان الثمن أرواح الآلاف من المدنيين.

السلطة تتجنب إعلان القطاع “منطقة منكوبة” لأنها لا تريد تحميل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة، ولا تسعى لمواجهة دولية قد تُجبرها على اتخاذ مواقف أكثر جرأة. بل إنها تستمر في تبنّي خطاب يحمّل المقاومة في غزة جزءًا كبيرًا من المسؤولية، رغم أن التصريحات الإسرائيلية – مثل ما قاله الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش مؤخرًا – توضح بجلاء أن الهدف هو التهجير الجماعي، وليس القضاء على المقاومة فقط.

إهمال الضفة… وجه آخر للأزمة

وليس قطاع غزة وحده من يعاني من هذا التجاهل الرسمي. فقد وصل الإهمال إلى الضفة الغربية، حيث تشهد مدن مثل جنين وطولكرم اعتداءات متكررة وعمليات قتل يومية، دون أن يصدر عن السلطة رد فعل سياسي أو ميداني ذي معنى. وقد دفع هذا التواطؤ الضمني أهالي وتجار تلك المناطق إلى إعلان الإضراب، في تعبير واضح عن الغضب الشعبي من حالة التخلي والتقاعس الرسمية.

الشعب وحده يدفع الثمن

إن ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو اختبار حقيقي لمدى التزام الأطراف الفلسطينية بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني. إن إعلان غزة منطقة منكوبة إنسانيًا ليس فقط خطوة إدارية، بل هو إعلان سياسي وأخلاقي، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ويُجبر المنظمات الإنسانية على التحرك.

لكن يبدو أن أولويات السلطة الآن تتجه نحو التحركات الدبلوماسية الشكلية، والاجتماعات الفارغة، والتعيينات الإدارية – كما في الحديث الجاري عن منصب نائب الرئيس – في وقت تُدك فيه غزة، ويُقتل الأطفال جوعًا وقصفًا، وتُترك الضفة في مهبّ التصعيد.

خاتمة: هل لا يزال للسلطة شرعية تمثيل شعبها؟

في ضوء هذا التقاعس، يتساءل كثير من الفلسطينيين والعرب عن جدوى استمرار السلطة بشكلها الحالي، وهل لا تزال تمتلك شرعية تمثيل شعبها، في ظل عجزها عن اتخاذ أبسط الإجراءات السياسية والإنسانية تجاه كارثة بهذا الحجم؟ إن السكوت عن إعلان غزة منكوبة ليس فقط تجاهلًا قانونيًا، بل هو تواطؤ سياسي يُعمّق عزلة السلطة ويُضعف ما تبقى من رصيدها الشعبي.

إغلاق