محمد اشتية.. أيقونة فساد لم تجد من يحاسبها
رام الله – الشاهد| على مر تاريخ السلطة الفلسطينية، لم تثر حكومة الجدل كما أثارته حكومة محمد اشتية على مدار 5 سنوات، فهو شخص لاحقته تهم الفساد قبل توليه رئاسة الحكومة لكنه لم يتراجع، وانتقل لمستويات قياسية، فـ من هو محمد اشتية وما تاريخه؟.
محمد إبراهيم محمد اشتية، وُلد في 17 يناير 1958 بقرية تل في نابلس، انتخب عضوًا للجنة المركزية حركة فتح عام 2009 وأعيد انتخابه في المؤتمر السابع عام 2016، كما عمل وزيرًا للأشغال العامة والإسكان، ووزيرًا للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار.
من هو محمد اشتية؟
في 10 مارس 2019 كُلف برئاسة الحكومة الجديدة، خلفًا لرامي الحمد الله، وأدى اليمين القانونية في 13 أبريل 2019 . أعلن عن وضعه استقالة الحكومة تحت تصرف رئيس السلطة محمود عباس في 26 فبراير 2024 إثر فضائح مالية وإدارية ونتيجة لفشله خلال ترؤسه للحكومة، واستمر بتسيير الأعمال حتى 31 مارس 2024.
وبالنظر إلى سلوك ومسيرة اشتية، يمكن بسهولة ملاحظة كونه فاسداً مفسداً، في السياسة والمال والإدارة، وما ساعد بإظهار فساده مرور الشعب الفلسطيني بأزمات متعددة، بدءا بفيروس كورونا وانتهاء بالعدوان على غزة.
برز اشتية كعضو في وفد منظمة التحرير إلى مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن والمفاوضات الاقتصادية مع الاحتلال، ورغم مشاركته لمؤتمرات ومفاوضات دوليّة عدة، إلا أن اسمه ارتبط بحركة فتح، والأعمال الاقتصادية.
ولطالما عمل اشتية كذراع اقتصادية لكبار رجال السلطة، إذ قدم التسهيلات المالية للاستثمارات الخاصة، على حساب مصالح الشعب الفلسطيني.
محمد اشتية ويكيبيديا
وساهم عمل اشتية رئيسًا للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار “بكدار” عام 2003 بسيطرته على مشاريع إعمار كان يأتي تمويلها من الخارج، لكنها كانت تدار بعقلية المصالح، وهو ما تسبب في إفشال الكثير منها بسبب الفساد.
وبكدار هو مجلس تنموي فلسطيني يعمل في مجال الاعمار والبنية التحتية عبر التنسيق مع المانحين والجهات الدولية غير الحكومية ووكالات الامم المتحدة.
وجه له اتهامات رسمية له باخفاء أموال الدعم الاوروبي، فتح النائب العام تحقيقا مع اشتية حول اختفاء أموال المساعدات الاوروبية قيمتها 2.5 مليار دولار كان يشغل وقتها منصب وزير الأشغال والإسكان في حكومة سلام فياض عام 2008.
ورغم تأكيدات فريق التحقيق الأوروبي الذي بعثت به المحكمة الأوروبية للرقابة على أداء “الاتحاد أن هذه الأموال التي اختفت إما لسوء إدارة الأموال من الجانب الفلسطيني، أو إهدارها بشكل كبير، أو حالات فساد.
ورغم أن النائب العام وجه تهمة الاستثمار الوظيفي للوزير اشتية وتهمة هدر المال العام وصرف مستحقات بدون سندات رسمية، إلا أن القضية أغلقت دون محاسبة، في دلالة على أن الرجل يحظى بنفوذ واسع داخل أروق السلطة تمكنه من الإفلات من العقاب أو المساءلة الفعلية، فضلاً عن أن نفوذ الرجل ودعمه أبناء عباس يساعده على تخطي أية تهمة توجه له.
فساد محمد اشتية
ووجه له تهمة الاستثمار الوظيفي وهدر المال العام وصرف مستحقات دون سندات رسمية، فضلًا عن تهم أخرى بينها ختلاس أموال عامة.
وكشفت معطيات نشرها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان”، أن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار “بكدار” الذي ترأسه اشتية، كان يعاني عدم وجود نظام رقابي فعال والذي جعل منه بيئة خصبة لنمو فرص الفساد.
وكشف عن صرف مبالغ أخرى تحت مسمى مكافآت ما خلق اشكالية قانونية بكيفية احتساب وتوزيع هذه الإضافات للرواتب ومدى شفافيتها، إذ لا تظهر بكشوفات معلنة أمام ديوان الموظفين أو وزارة المالية أو ضريبة الدخل.
ولعل أبرز القضايا التي لاحقت اشتية خلال ترؤسه لبكدار هي بناؤه للمدرسة النموذجية للمتفوقين كاستثمار خاص به على أرض حديقة بلدة ترمسعيا، إذ اقتطع 15 دونما من الحديقة لبناء مستشفى العيون، ولم يتبقَ من الحديقة 70 دونما، ما أثار أهالي البلدة الذين رفضوا تغول اشتية على أرضهم.
الناشط والمعارض الفلسطيني فادي السلامين، كان قد قال إن “اشتية يسرق أموال المستثمرين ويجبرهم على الهروب من فلسطين”، في إشارة منه إلى أن الرجل كان يعطل الاستثمار ويطرده لمصالح شخصية، خلال ترؤسه لبكدار.
محمد اشتية وعداء غزة
ولم يتوقف فساد اشتية عند هذا الحد، فعندما شغل منصب مسؤول الملف المالي والقانوني بحركة فتح، وجُهت إليه تهم بيع عقارات تعود ملكيتها للحركة في أوروبا وبعض الدول العربية بملايين الدولارات لصالح أبناء رئيس السلطة محمود عباس بمبالغ زهيدة.
وثائق سرية كشفت عن استحواذ اشتية على حسابات بنكية في بريطانيا وسويسرا بقيمة 60 مليون جنيه إسترليني، بينما زعم تعرض منزله للسرقة واختفاء الملفات المالية الخاصة بعد مطالبته بالحسابات والتفصيل المالي لفتح.
ووجهت تهم لاشتية عام 2011 بإطالة اليد على أموال حركة فتح، عقب فصل القيادي محمد دحلان، بوقت كانت تشهد فيه الحركة صراعات بين تياراتها.
واستطاع وقتها اشتية من استغلال الظروف لبناء المزيد من ثروته المالية ورغم توجيه أصابع الاتهام نحوه، إلا أنه لم يتعرض للمحاسبة أو المساءلة في وقتها.
ورغم كل هذه الفضائح التي تورط فيها اشتية، إلا أن عباس كافأه بتعيينه عام 2019 رئيسا للوزراء، ليواصل فساده وتربحه من المال العام.
وخلال ترؤسه للحكومة التي عملت من تاريخ 13 أبريل 2019 وحتى 26 فبراير 2024، فشل اشتية بتقديم نموذج نظيف ومستقيم للعمل السياسي والمالي.
ورتع خلال ترؤسه للحكومة في بحر من الفساد الإداري، والمحسوبيات والواسطات، حتى بات عهده يعرف باسم عهد عظم الرقبة، كناية عن تخصيص الامتيازات للمقربين منه.
كما تكشفت خلال حكومته فضيحة فساد عمل صندوق وقفة عز الذي أعلن عن حله فيما بعد، إذ كشف تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة الفلسطينية الذي نشر في 2021، عن خروقات باختيار المستفيدين من صندوق “وقفة عز” الذي خصصته الحكومة لتوزيع مساعدات، على الفئات التي تضررت في المرحلة الأولى من انتشار فيروس “كورونا”، في الضفة وغزة.
فضائح محمد اشتية
وأظهر التقرير حينه صرف مساعدات مالية من الصندوق لثلاثة أشخاص يحملون جواز السفر الدبلوماسي، وخلل في عدم وضع معايير بشأن أعداد المستفيدين من الأسرة الواحدة، ما أدى لصرف مساعدات مالية لستة أفراد من نفس الأسرة في بعض الحالات، وبعض المستفيدين تجاوزت رواتبهم 11 ألف شيقل.
كما تورطت حكومة اشتية وبالأخص منها وزارة الصحة بالفساد والتلاعب في توزيع لقاحات كورونا، والتي اتهمت في وقت سابق، بشراء لقاحات منتهية الصلاحية من الاحتلال في فترة ذروة انتشار الوباء.
هذا الفساد المستفحل دفع بعض النشطاء للحديث عنه وفضحه، فما كان من حكومة اشتية إلا اغتيالهم، كما حدث مع الناشط المعارض نزار بنات، الذي سلط الضوء على فساد الحكومة وسلطتها التنفيذية.
ودأب بنات على انتقاد أداء الحكومة وقادة السلطة باستمرار، وتحدث مرارا عن الفساد الذي يعتريها قبل أن تقدم قوة أمنية على قتله في يونيو 2021.
وتفاقمت أزمة حكومة اشتية، مع قمع مظاهرات خرجت للتنديد بجريمة مقتل بنات بطريقة وحشية؛ إذ استخدمت فيها القوة المفرطة والاعتداء على المشاركين بينهم فتيات.
كما ارتفعت وتيرة الاعتقالات السياسية، بحق النشطاء والطلبة والمعارضين وكذلك المقاومين، الذين ضيقت الأجهزة الأمنية الخناق عليهم فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير والانتماء السياسي وكذلك العمل المقاوم ضد قوات الاحتلال، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين في مناطق الضفة.
وتكشفت أيضا خلال فترة اشتية فضيحة مستشفى خالد الحسن للسرطان، التي أعلن عن بدء جمع التبرعات لإنشاءها قبل مباشرة أعمالها وجمع 12 مليون دولار، و10 ملايين شيقل، إضافة إلى تبرعات موظفي الدوائر الحكومية بيوم عمل، وفق حملة التبرعات لإنشاء المستشفى التي أطلقها عباس ومجلس أمناء المركز عام 2016.
ووقع المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار “بكدار” الذي كان يرأسه اشتية حينه، عقدا للمباشرة بأعمال التصميم بقيمة 2.47 مليون دولار، لكن يبدو أن فكرة المستشفى ألغيت تماما بعد جمع التبرعات.
واسطة ومحسوبية محمد اشتية
وكان للقطاع الزراعي نصيبه من إفساد اشتبة، إذ أعلن مباشرة بعد توليه رئاسة الحكومة عن خطته التي أطلق عليها “العناقيد الزراعية” بهدف الانفكاك التدريجي من العلاقة مع الاحتلال وتعزيز المنتج المحلي، لكن النتيجة كانت انخفاض قيمة الصادرات الزراعية، وكشف حينه أن الحكومة لم ترصد موازنات حقيقية مخصصة لهذا القطاع.
وخلال العام 2023، تكشفت شبهات فساد بشأن رفض الحكومة الإفصاح عن تفاصيل مشروعها لبناء صوامع القمح والإعلان عن أسماء الشركات المشاركة.
كما أثيرت في أكثر من مرة في عهده تعيينات لأبناء مسؤولين وأبناء وأقارب وزراء بوظائف رسمية، ما وضع الحكومة مجددا بخانة المحسوبيات والمحاباة بقرارات التعيين، وأدى الجدل في التعيينات لأبناء المسؤولين إلى إعلان هيئة مكافحة الفساد مباشرة التحقيق في شبهات فساد، لكن دون نتائج حقيقية.
وبعد انخلاع اشتية من الحكومة، لم تتوقف فضائحه، وهذه المرة حينما أقام حفل زفاف باذخ وخليع لابنه بطريقة استفز فيها مشاعر أهالي قطاع غزة الذين يعانون من الإبادة الجماعية، وهو ما يؤكد أن اشتية منسلخ عن شعبه مواجعه.
ويعد اشتية من أكثر المحرضين على غزة واستمرار العقوبات عليها وصرح علانية إنه ضد أي تنفيس لإجراءات ولعقوبات السلطة بحقها.
هذا جزء يسير مما يمكن كتابته حول محمد اشتية، الشخص الذي سار الفساد والظلم في ركابه أينما حل وارتحل، دون أن يحاسب أو يوضع له حد، لكن لحظة الحساب قادمة، والشعوب وإن صمتت لفترة ما، فإن قدرتها على اقتلاع الفاسدين لا يماري فيها إلا جاهل بسنن التاريخ.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=88484