حسين الشيخ.. عراب التنسيق الأمني ورجل “إسرائيل” في رام الله
رام الله – الشاهد| بمجرد أن تقرأ اسم حسين الشيخ الطريفي كاملًا تدرك جيدًا أنك أمام نموذج من سلالة أكثر العوائل الفلسطينية خيانة وفسادًا وقربًا من “إسرائيل”.
فعلى على درب وزير التنسيق الأمني في السلطة الفلسطينية جميل الطريفي سار حسين الشيخ حتى بات “رجل إسرائيل” في رام الله.
وبين جميل الطريفي وحسين الشيخ حكاية رجلين فاسدين من عائلة خانت القضية الفلسطينية وقدمت الولاء لإسرائيل على حساب المظلومية الفلسطينية رغم أن التاريخ لم يرحمها وكتب عنها في أوسع مزابله.
حسين الشيخ ويكيبيديا
حسين الشيخ بدأ حياته السياسية كموظف صغير في منظومة التنسيق الأمني التي كان يديرها قريبه الوزير جميل الطريفي، ومهد له كيفية شق طريقه لقلب وعقل المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي أحبته وجندته لديها كرجلها المخلص.
وينتمي الشيخ لعائلة الطريفي، وهي عائلة معروفة بعلاقاتها القديمة مع “إسرائيل”، فوالده الروحي جميل الطريفي، رجل أعمال ومسؤول سابق، لعب دورًا كبيرًا في تسهيل صعوده السياسي، عبر شبكات النفوذ والتصاريح والامتيازات الاقتصادية.
هذا الصعود لم يكن وليد كفاءة أو إنجاز وطني، بل تراكُم علاقات أمنية وتجارية معقدة، بعضها يحمل شبهات عميقة لم تُفتح ملفاتها لليوم.
من هو حسين الشيخ؟
هو حسين شحادة محمد الشيخ من مواليد 14 ديسمبر 1960 في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية.
اعتقله الاحتلال في سن الـ18 بسجونها وتعلّم اللغة العبرية التي أهلته ليصبح رمز التواصل الأمني مع جيش ومخابرات الاحتلال في إطار ما يعرف بالتنسيق الأمني.
بعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، بات عضواً مؤسساً في اللجان السياسية بالضفة الغربية وقطاع غزة.
وعام 1994، عُين برتبة عقيد في جهاز الأمن الوقائي، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1997 وعضواً في اللجنة العليا لحركة فتح في الضفة الغربية، ونائبا لرئيس اللجان السياسية في الضفة وغزة والقدس.
وخلال الانتفاضة الثانية لم يكن للشيخ أي دور مقارنة بالقيادي مروان البرغوثي، وتصنف ضمن الجناح المعتدل مع محمود عباس.
خلال تلك الفترة دار صراع وتوتر كبيرين بين الشيخ وعرفات، إذ أمر الأخير باعتقاله قبل أن يتوارى الشيخ عن الأنظار.
تقارير كشفت حينه أن عرفات خطط لاغتياله لكن بعد رحيله، ومجيء عباس، تبدل حال الشيخ الذي بات من صناع القرار في السلطة.
عام 2007، عُين رئيساً للهيئة العامة للشؤون المدنية بمرتبة وزير، ورئيسا للجنة التنسيق المدنية العليا (CAC)، ليكون حلقة الوصل المركزية مع الاحتلال، عبر التنسيق مع “منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق” والإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال والشاباك ووزارات إسرائيلية أخرى.
مناصب حسين الشيخ
بحكم منصبه تحكم بتحويل أموال المقاصة التي يجيبها الاحتلال ويحولها إلى السلطة الفلسطينية، وإصدار تصاريح الدخول إلى الداخل المحتل، وتوزيع بطاقات (VIP) لكبار المسؤولين الفلسطينيين، وتصاريح التجارة (BMC) لرجال الأعمال، ما أكسبه نفوذًا سياسياً واسعًا.
وفي يوليو 2022، أشعلت ممارسات منح التصاريح انتقادات داخلية وسط اتهامات لمكتب الشيخ بالبيروقراطية والفساد والتقصير.
يوصف الشيخ بأنه من بين أثرى الشخصيات في السلطة الفلسطينية، بمراكمو ثروته من ملكية محاجر فلسطينية عدة، ومحطات وقود ومتاجر كبرى ويمتلك فيلا فاخرة في مدينة أريحا.
بعد حرب غزة عام 2014، عُين الشيخ ممثلاً للسلطة الفلسطينية في اللجنة الثلاثية لإعادة إعمار غزة، مع ممثلين عن الاحتلال ومصر، وعمل كحلقة الاتصال الرئيسية ضمن آلية إعادة إعمار غزة (GRM).
بين عامي 2015 و2016، أدار الشيخ الاجتماعات مع وزير مالية الاحتلال موشيه كحلون ومنسق أعمال حكومة الاحتلال يوآف مردخاي.
وفي سبتمبر 2016، رافق الرئيس محمود عباس بزيارته لحضور جنازة رئيس الاحتلال الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس.
رحلة صعود حسين الشيخ
لم يكن انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح عام 2018 سوى الحلقة الأبرز في صعود حسين الشيخ إلى حركة فتح ومنظمة التحرير من أوسع أبوابها.
وبات للمرة الأولى عضوًا في اللجنة المركزية للحركة ثم أعيد انتخابه مجددًا خلال المؤتمر السابع عام 2016.
وفاة صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بسبب إصابته بفيروس كورونا، فتحت آفاقا أوسع أمام الشيخ الذي عينه عباس ليكون خليفته المؤقت، قبل أن يقدمه لاحقًا كمرشح رسمي لحركة فتح.
تقدّم عباس في العمر وتدهور حالته الصحية، دفعه لنقل بعض صلاحياته إلى الشيخ، الذي بدأ يمثله في لقاءاته مع قناصل أجانب ومسؤولين أمريكيين، بينهم هادي عمرو. تخللها إعادة التواصل العلني والرسمي بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية.
وفي أكتوبر 2022، زار حسين الشيخ واشنطن، والتقى خلالها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ونائبة وزيرة الخارجية ويندي شيرمان.
الزيارة حظيت بأهمية كبيرة كونها الأولى لمسؤول رفيع إلى الولايات المتحدة منذ 5 سنوات، بغرض نيل الشرعية والدعم من إدارة واشنطن كخليفة محتمل لعباس.
كما رافق عباس في زيارات رفيعة المستوى رؤساء وشخصيات بارزة كرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، في مسعى لترسيخ الشرعية لدى الحلفاء العرب والدوليين.
إلا أن صعود الشيخ كان يثير استياءً كبار قادة فتح، الذين يعدونم أنفسهم مرشحين طبيعيين لخلافة عباس، كجبريل الرجوب، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي، ومحمود العالول، نائب رئيس حركة فتح وأحد مؤسسيها، وتوفيق الطيراوي، الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة.
لكن عباس الذي يعتبر الشيخ مقربا منه قربه أكثر بدعم ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة.
تقارير متطابقة كشفت أن الشيخ وفرج يقودا مع عباس جهودًا حثيثة لمنع الإفراج عن الأسير مروان البرغوثي من سجون الاحتلال.
فضائح حسين الشيخ
في 13 فبراير 2022، طفت على السطح أولى فضائح حسين الشيخ بالكشف عن ممارسات فساد وتحرشات جنسية.
ووفق تقارير متطابقة، وُجهت إلى حسين الشيخ شبهات بإخفاء مئات الملايين من الدولارات من أموال إعادة إعمار غزة، وتحقيق مكتبه أرباحًا تُقدّر بـ 2500 شيكل عن كل تصريح دخول إلى الداخل المحتل.
وبرز خلال توليه مناصبه شبهات اعتداءات جنسية ودفع أموال “لشراء الصمت” من زوج إحدى الضحايا، وهو ضابط في أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، إلا أن الضابط لجأ إلى تقديم شكوى مباشرة إلى عباس، الذي دعم الشيخ بالكامل.
نشر القضية أشعل تفاعلات واسعة في الشارع الفلسطيني، وألحق ضررًا بصورة حسين العامة.
خلال كل فتراته تمتع حسين الشيخ بعلاقات وثيقة مع أذرع أمن الاحتلال الإسرائيلي، ما منحه نفوذًا كبيرًا، رغم أنه يوصم فلسطينيا بالخيانة.
وبحاول الشيخ تبرير لقاءاته مع المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بأنها جزء من “التفاوض معهم ولتسهيل خدمات المواطنين”، وفق زعمه.
تصريحات حسين الشيخ
وبعد عملية طوفان الأقصى، قال الشيخ لوكالة “رويترز” إن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب وستكون مستعدة لتولي إدارة غزة بعد انتهاء الحرب.
وفي إشارة إلى حماس، أضاف أنه: “ما في حد يعتقد أنه فوق المحاسبة والمساءلة، ولا يجوز للبعض أن يعتقد أن طريقتها وأسلوبها (حركة حماس) في إدارة الصراع مع إسرائيل كانت الأمثل والأفضل”.
وبشأن الخلاف مع حماس، قال الشيخ إن “صندوق الانتخابات هو الفيصل بين مشروعي التسوية والمقاومة”، في إشارة منه إلى برنامجي السلطة وحماس.
ويعد حسين الشيخ حالة نادرة في وجوده على موقع التواصل بين أقرانه وزملائه في حركة فتح ومسؤولي السلطة الفلسطينية، إذ يثير جدلا متواصلا عبر حسابه في “إكس”.
ويُعرف بحظره كل من يخالف رأيه أو ينتقد تعاونه مع “إسرائيل”، كما يهاجم بين الحين والآخر من يطلق عليهم “أبواق التيار الظلامي” في إشارة إلى مناصري حماس.
ويدافع الشيخ عن التعاون الأمني مع إسرائيل بوصفه مصلحة وطنية لخدمة القضية والمواطنين، بغضِّ النظر عن جرائم الاحتلال.
كما أكد خلال مقابلة بأغسطس 2021 أنه يقف “بقوة” إلى جانب الأجهزة الأمنية ويؤيد أداءها وسلوكها، بإشارة إلى قمع المظاهرات التي تصاعدت وقتها في الضفة الغربية.
وفي يونيو 2020، أعلن الشيخ تمسك السلطة بالمحافظة على أمن الإسرائيليين، حتى لو توقف التنسيق الأمني، مبينا أن “هذا القرار إستراتيجي”
وأردف: “في حال وصلت معلومات عن نية فلسطيني بمهاجمة إسرائيليين، فإننا سنعتقله إذا كان لا يزال في الضفة الغربية”.
واستدرك قائلا: “لكن إذا كان المهاجم داخل إسرائيل بالفعل، فإننا سنحذرها من خلال وسيط، أو أننا سنجد طريقة لإيقافه”، مشددا على أنهم سيمنعون ما أسماه “العنف والفوضى”، وأنه “لن يجرى السماح بإراقة الدماء”، على حد وصفه.
وأشار الشيخ إلى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ستستمر في الحفاظ على القانون والنظام ومحاربة “الإرهاب”، في إشارة إلى المقاومة العسكرية.
وأكد أن هذه الأجهزة تعمل “من تلقاء نفسها وفق تلك الأهداف”، في إشارة إلى أن قمع المقاومة واحد من أدبيات السلطة ووظائفها ولا يجرى بفعل الضغط الإسرائيلي.
ومن تصريحات الشيخ المثيرة للجدل، وصفه بمقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، اجتماع عباس بوزير الجيش الإسرائيلي بـ”لقاء الأبطال”.
وأضاف وقتها أن القيادة الفلسطينية تسعى إلى “صنع التاريخ مع بيني غانتس أو أي شخص آخر في حكومة إسرائيل”.
وواصل: “في النهاية، فقط الأبطال هم من يصنعون السلام. الشخص الذي يؤمن به يجب أن يكون شجاعا، وعلينا أن نقاتل من أجل ذلك حتى اللحظة الأخيرة”، لافتا إلى أن زيارة عباس لمنزل غانتس “خطوة شجاعة ومهمة”.
حسين الشيخ بعيون إسرائيلية
موقع “زمن إسرائيل” العبري قال مطلع فبراير 2022، إن حسين الشيخ وإلى جانبه ماجد فرج، يسيطرا على قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ويحظيا بثقة عباس.
ومنذ ذلك الحين، بين الموقع أنه بحسب التقسيم على قيادة السلطة فإن الشيخ سيكون رئيس “الحقيبة السياسية” وماجد فرج مسؤول عن “الملف الأمني”.
وأكد أن شخصيات سياسية بارزة بإسرائيل تعرب عن ارتياحها لرفع مكانة الشيخ على رأس السلطة.
وبينت أن المسؤول في حركة فتح والسلطة “يدعم تعزيز العلاقات السياسية والأمنية مع إسرائيل والحرب ضد حماس التي تحاول السيطرة على الضفة الغربية”.
وتعليقا على اللقاءات الودية المتتالية التي أجراها الشيخ مع مسؤولين إسرائيليين أخيرا، قالت صحيفة معاريف العبرية، إن “إسرائيل تحب عقد صفقات معه”.
وذكرت نهاية يناير 2022: “هناك من يحب فكرة تولي حسين الشيخ رئاسة السلطة بناء على علاقاته الوطيدة مع كبار الضباط في الجيش والمسؤولين الإسرائيليين”.
وبينت أن عباس سعى إلى ترقية الشيخ ومنحه صلاحيات للتفاوض مع إسرائيل، بصفته “شخصية معتدلة تؤمن بإمكانية تحقيق نتائج بالطرق السياسية أفضل مما يمكن تحقيقه بالعنف (المقاومة)”.
لكنها استبعدت أن يقبل الشارع الفلسطيني فكرة تعيينه رئيسا للسلطة بسبب “تراكم قضايا الفساد بدءا من إلغاء الانتخابات العامة (مايو2021) ومرورا بفرض العقوبات على غزة (لسيطرة حماس) وهو قرار شارك الشيخ في اتخاذه، لأنه يعادي الحركة”.
وأوضحت الصحيفة أن الشيخ يمثل كل ما يدفع الفلسطينيين للنفور من السلطة، مشيرة إلى أن الشارع ينظر إليه وإلى زملائه “كعصابة متعجرفة، كل واحد منها يعنيه فقط تحقيق مصالحه الشخصية وليس مصالح الشعب”.
وأردف أن الشارع الفلسطيني ينظر للشيخ وزملائه كمن يمثلون “ضعف المستوى الأخلاقي، وغياب الكاريزما وخيانة مصلحة المواطن البسيط”.
وحذرت معاريف المستويات الرسمية الإسرائيلية من المسارعة لتحديد شخص كمرشحها لقيادة السلطة بعد عباس، على اعتبار أن هذا من شأنه أن يستفز الشعب الفلسطيني، مبينة أن مواقف الشيخ المعروفة تجعله مرشحا غير مناسب في نظرهم.
صحيفة جيروزاليم بوست، رأت في الشيخ “الرجل النبيل في رام الله”، ونقلت سابقا عن دبلوماسي غربي قوله إنه “رجل فلسطيني حقيقي، ونوع يمكن للإسرائيليين والأمريكيين التعامل معه”.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=88618